الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسلاسل، والجحيم والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرق روحه في جسده، وتعصى وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم:{أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} (1) الآية، أي: اليوم تهانون غاية الإهانة كما كنتم تكذبون على الله وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله " (2).
وهذا فيه دلالة على أن شدة سكرات الموت على الكافرين والمشركين أعظم منها على المؤمنين الطائعين، بل إنها على الشهيد مثل القرصة وهذا فيه دلالة على فضل الشهيد. .
يقول أبو حامد الغزالى: ". . . فلا تسأل عن كربه وألمه، حتى قالوا: إن الموت لأشد من ضرب بالسيف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، ولذا ينقطع صوت الميت وصياحه من شدة ألمه، فالألم قد هدم كل قوة وأضعف كل جارحة، فلم يترك له قوة الاستعانة لا بعقله ولا بلسانه "(3).
(1) سورة الأنعام الآية 93
(2)
تفسير ابن كثير، جـ3، ص295.
(3)
الموت هادم اللذات، ص29، ط الأولى، 1415هـ.
7 -
كيف يموت الإنسان
؟
قال ابن القيم: (موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها، وخروجها منها فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدما محضا فهي لا تموت بهذا
الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب) (1).
وقال: (الروح ذات قائمة بنفسها تصعد وتنزل، وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجيء، وتتحرك وتسكن، وعلى هذا أكثر من مائة دليل. . . وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بالدخول والخروج والقبض والتوفي والرجوع، وصعودها إلى السماء، وفتح أبوابها لها وغلقها عنها، فقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ} (2)، وقال تعالى:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (3){ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} (4){فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (5){وَادْخُلِي جَنَّتِي} (6). وهذا يقال لها عند المفارقة للجسد. وقال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} (7){فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (8). فأخبر أنه سوى النفس كما أخبر أنه سوى البدن في قوله {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} (9)، فهو سبحانه سوى نفس الإنسان كما سوى بدنه، بل سوى بدنه كالقالب لنفسه، فتسوية البدن تابع لتسوية النفس، والبدن موضوع لها كالقلب لما هو موضوع له، ومن هاهنا يعلم أنها تأخذ من بدنها
(1) الروح لابن القيم، ص46، ط المدني.
(2)
سورة الأنعام الآية 93
(3)
سورة الفجر الآية 27
(4)
سورة الفجر الآية 28
(5)
سورة الفجر الآية 29
(6)
سورة الفجر الآية 30
(7)
سورة الشمس الآية 7
(8)
سورة الشمس الآية 8
(9)
سورة الانفطار الآية 7
صورة لتميز بها عن غيرها، فإنها تتأثر وتنتقل عن البدن، كما يتأثر البدن وينتقل عنها، فيكتسب البدن الطيب والخبث من طيب النفس وخبثها، وتكتسب النفس الطيب والخبث من طيب البدن وخبثه، فأشد الأشياء ارتباطا وتناسبا وتفاعلا، وتأثرا من أحدهما بالآخر، الروح والبدن، ولهذا يقال لها عند المفارقة: اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، واخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، فتأخذها الملائكة من يده فيوجد لها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، أو كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض) (1).
والأعراض لا ريح لها ولا تمسك، ولا تؤخذ من يد إلى يد. . . وإذا كان هذا شأن الأرواح فتميزها بعد المفارقة يكون أظهر من تميز الأبدان، والاشتباه بينها أبعد من اشتباه الأبدان، فإن الأبدان تشتبه كثيرا، وأما الأرواح فقل ما تشتبه. . . وإذا كانت الأرواح العلوية وهم الملائكة، متميزا بعضهم عن بعض من غير أجسام تحملهم، وكذلك الجن، فتميز الأرواح البشرية أولى) (2).
والروح أو النفس إذا فارقت البدن بعد الممات، فإن لها به تعلقا في البرزخ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا،
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4/ 287 بطوله.
(2)
الروح لابن القيم، ص53، 54.
بحيث لا يبقى لها التفات إليه، وقد وردت الأحاديث والآثار بما يدل على ردها إليه، وقت سلام المسلم، وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة. . .) (1).
وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعادة الروح إلى البدن وقت السؤال، ففي حديث البراء بن عازب:«كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله كأن على رءوسنا الطير، وهو يلحد له فقال: " أعوذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات. . . فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟. . . (2)» الحديث.
ثم قال ابن القيم: (وذهب إلى القول بموجب هذا الحديث جميع أهل السنة والحديث من سائر الطوائف. .)(3).
أما كيفية الموت فإن حكمة الله اقتضت أن تقبض ملائكته أرواح عباده، قال تعالى:{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (4).
(1) الروح لابن القيم، ص58.
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 287، وأبو داود والنسائي.
(3)
الروح لابن القيم، ص54، 56.
(4)
سورة السجدة الآية 11
(5)
سورة النحل الآية 28