الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدعو دبر الصلوات المكتوبة ويعلم أصحابه أن يفعلوا ذلك، وسيأتي ذكر هذه الأحاديث وبيان المراد بالدعاء في دبر الصلوات المكتوبة في المباحث الآتية إن شاء الله تعالى.
المبحث السادس: في بيان المراد بالدعاء في أدبار الصلوات:
تقدم أن الدعاء في أدبار الصلوات المكتوبة يرجى له الإجابة، ومظنة قبول من الله سبحانه، وفيه ورد حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل: أي الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبة (1)» .
ونريد في هذا المبحث، أن نبين المراد بأدبار الصلوات، فلننظر إلى دلالة لفظ:" دبر " في كتب اللغة، ثم نتأمل دورانه في كتب السنة؛ لنقف على دلالاته المختلفة.
جاء في جمهرة اللغة: " الدبر: ضد القبل، والإدبار: خلاف الإقبال، وأمس الدابر: الذاهب "(2).
وفي مجمل اللغة: " الدبر: خلاف القبل، والدبير: ما أدبرت به المرأة من غزلها حين تفتله "(3).
وفي معجم مقاييس اللغة: " دبر " الدال والباء والراء. أصل هذا الباب أن جله في قياس واحد، وهو آخر الشيء، وخلفه خلاف
(1) أخرجه الترمذي في الدعوات، باب (79) 5/ 527، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه الطبراني في الدعاء 2/ 842.
(2)
1/ 242. مادة د ب ر.
(3)
ص 344، 345.
قبله. وتشذ عنه كلمات يسيرة نذكرها.
فمعظم الباب أن الدبر خلاف القبل، والدبير: ما أدبرت به المرأة من غزلها حين تفتله، قال ابن السكيت:" القبيل من الفتل: ما أقبلت به إلى صدرك، والدبير: ما أدبرت به عن صدرك ".
ثم قال: " ودبر النهار، وأدبر، وذلك إذا جاء آخره، وهو دبره (1).
وفي تاج العروس: " (الدبر بالضم، وبضمتين نقيض القبل، والدبر من كل شيء عقبه ومؤخره)(2).
وفيه: " وأدبار السجود وإدباره: أواخر الصلوات، وقد قرئ: وأدبار وإدبار فمن قرأ (وأدبار) فمن باب خلف ووراء، ومن قرأ (وإدبار) فمن باب خفوق النجم "(3).
وفي التاج أيضا: " الدبر: (خلف الشيء) ومنه جعل فلان قولك دبر أذنه أي خلف أذنه "(4).
وفي لسان العرب: " الدبر والدبر: نقيض القبل، ودبر كل شيء: عقبه ومؤخره، وجمعها: أدبار. ودبر كل شيء: خلاف قبله في كل
(1) 2/ 324.
(2)
3/ 197 مادة د ب ر.
(3)
3/ 197 مادة د ب ر.
(4)
3/ 198 مادة د ب ر.
شيء، ما خلا قولهم: جعل فلان قولك دبر أذنه أي خلف أذنه ".
وفي اللسان: " دبرت الرجل: إذا بقيت بعده "
وفي اللسان أيضا: " الدبر والدبر: الظهر ومنه قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (1).
وفيه أيضا: " دبر بالشيء: ذهب به، ودبر الرجل ولى وشيخ، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} (2)، أي: تبع النهار قبله ".
وفيه: (أدبر الرجل: جعله وراءه، ودبر السهم: أي خرج من الهدف، وفي المحكم: دبر السهم الهدف يدبره دبرا ودبورا: جاوزه وسقط وراءه).
ومن مجموع ما سبق يتبين أن لفظ: " دبر " يعني:
1 -
خلاف القبل.
2 -
آخر الشيء.
3 -
خلف الشيء وما بعده.
وقد جاء هذا اللفظ في القرآن الكريم، والسنة المطهرة بهذه المعاني والدلالات، ونسوق بعض الأمثلة للتمثيل لا للحصر، فمن ذلك قوله سبحانه:{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ} (3).
أي من الخلف، وقوله سبحانه:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (4).
(1) سورة القمر الآية 45
(2)
سورة المدثر الآية 33
(3)
سورة يوسف الآية 25
(4)
سورة الأنفال الآية 16
وهو كناية عن التولي والفرار، وشأن الفار أن يكون مدبرا، ومن ذلك قوله سبحانه:{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (1)، وهو كسابقه.
ومن ذلك قوله عز ذكره: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} (2)، أي ولى، أو جاء بعده النهار.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سئل أي الدعاء أسمع؟ قال: «جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبة (3)» . والمقصود بدبر الصلوات المكتوبة بعد الفراغ منها، أو قبيل التسليم.
وفي الحديث أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «. . أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (4)» وهذا محتمل للمعنيين كما سبق.
وفي حديث عقبة بن عامر قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة (5)» .
(1) سورة القمر الآية 45
(2)
سورة المدثر الآية 33
(3)
أخرجه الترمذي في الدعوات، باب (79) 5/ 527، وقال: هذا حديث حسن، والطبراني في الدعاء 2/ 842، وتقدم.
(4)
سنن النسائي السهو (1303)، سنن أبو داود الصلاة (1522)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 247).
(5)
أخرجه أبو داود في الوتر باب في الاستغفار 2/ 86، والترمذي في فضائل القرآن، باب ما جاء في المعوذتين 5/ 171، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في الصلاة باب الأمر بقراءة المعوذتين بعد التسليم من الصلاة 3/ 61.
وهذا في خارج الصلاة بعد الفراغ منها.
ومن ذلك حديث أبي هريرة في فقراء المهاجرين الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: «ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال: وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة (1)» .
وفي رواية للبخاري: «تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين (2)» .
"ودبر الصلاة" هنا: معناه بعد التسليم كما بين في الرواية الأخرى.
ومما سبق يتضح أن "دبر الصلاة" يراد به آخر الصلاة، بعد التشهد ويراد به أيضا بعد السلام والفراغ من الصلاة، وعليه فإن ما جاء من الحديث من دعائه صلى الله عليه وسلم دبر الصلاة يكون
(1) أخرجه البخاري في الدعوات باب الدعاء بعد الصلاة 11/ 132، ومسلم في المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/ 416.
(2)
في الأذان، باب الذكر بعد الصلاة 2/ 413.