الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسمع صوت الخطيب، وفي القيام في الصلاة، بل يشتغل بالقرآنية، وفي حالة النعاس، ولا يكره في الطريق ولا في الحمام. . والله أعلم " (1).
(1) الأذكار ص7.
المبحث الخامس: في من تجاب دعوتهم، وأرجى أوقات الإجابة:
تقدم فيما سبق قول الحق سبحانه وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (1).
وقوله سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (2).
ودلالة الآيتين الكريمتين ظاهرة على وعد الله سبحانه عباده إذا دعوه أن يستجيب لهم، وأن يسمع منهم دعاءهم، وأن يعطيهم سؤلهم، فإنه سبحانه حيي كريم، يستحي من عبده المؤمن إذا دعاه مستجيبا لأمره، موقنا بالإجابة، مخبتا متذللا رافعا يديه متضرعا لمولاه أن يردهما صفرا، وقد قال سبحانه:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (3) وقوله حق لا شك فيه، ووعده صدق لا مرية فيه، وكل دعاء يدعو به المؤمن مستجاب عند الله ولا شك، وليس يعني ذلك بالضرورة أن يحصل للداعي عين ما أراد، والله حكيم خبير، يعلم ما يصلح لعبده، وما لا يصلح، وعسى أن يكره المؤمن شيئا هو خير له، وعسى أن يحب شيئا وهو شر له، فربما سأل العبد ربه عرضا من الدنيا، يكون
(1) سورة غافر الآية 60
(2)
سورة البقرة الآية 186
(3)
سورة غافر الآية 60
فيه هلاكه وخسارته، فيصرف الله عنه ذلك، ولا يعطيه ما يريد، لعلمه المحيط سبحانه بما يلحق بعبده المؤمن من جرائه لو أوتيه، ولا شك أن صرف ذلك عنه عطاء من الله سبحانه لهذا العبد، خير مما سأل؛ لأنه لا يدري عواقبه، والعبد المسكين كان يريد بدعائه ذلك الخير والمنفعة، والله عز وجل أعطاه سؤله من الخير، وحقق له ما يريد من تلك المنفعة بصرف ذلك عنه، وتعويضه ما هو خير له في الدنيا والآخرة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذا نكثر، قال: الله أكثر (1)» .
وقد جاء في الأحاديث الشريفة ما يدل على أن الله سبحانه قد يستجيب خاصة - إن جاز التعبير - لبعض من عباده، أو يعطيهم ما أرادوه، ويعنى عناية خاصة بدعائهم، ومن هؤلاء: الوالد إذا دعا لولده أو عليه، والمظلوم على من ظلمه، والمسافر في سفره.
قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده (2)» .
(1) أخرجه الترمذي في الدعوات، باب انتظار الفرج 5/ 566، وقال: حسن صحيح غريب، والحاكم في المستدرك 1/ 493.
(2)
أخرجه أبو داود في الصلاة، باب الدعاء بظهر الغيب 2/ 89، والترمذي في البر والصلة، باب ما جاء في دعوة الوالدين 4/ 277، وابن ماجه في الدعاء، باب دعوة الوالد ودعوة المظلوم 2/ 1270، وأحمد في المسند 2/ 517، وسنده صحيح من حديث أبي هريرة.
وفي رواية: «ودعوة الوالد لولده (1)» ، ودعوة المظلوم لا ترد، وليس بينها وبين الله حجاب، «ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن نبهه إلى ذلك وقال له فيما أوصاه: واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب (2)».
فليتق الله أولئك الذين يظلمون الناس، بالليل والنهار، وليخش الذين يتخوضون في أموال الناس، ويستطيلون في أعراضهم ظلما وعدوانا، أن يحل بهم سخط الله ومقته، فما قوضت عروش الأكاسرة والقياصرة إلا بسبب من ظلمهم وبغيهم، وما أخذ الله الأمم، وأتى بنيانهم من القواعد، إلا بظلمهم، وما ربك بظلام للعبيد.
ودعوة المسافر دعوة مستجابة، وكأنه - والله أعلم - لبعده عن الأهل والعشيرة، وخوفه من أهوال الطريق، وتعرضه لمشاق السفر، وعنائه، أصبح قلبه معلقا بالله سبحانه، قريبا منه، منتظرا لفرجه ولطفه، ومن كان قريبا من الله كان الله قريبا منه، ولا بد أن يكون هذا السفر من الأسفار المشروعة حتى يكون صاحبه مجاب الدعوة، مسموع الدعاء، قريبا من رحمة الله.
وربما تأكد رجاء الإجابة إذا كان السفر طاعة وقربى، كسفر الحج، والجهاد، والدعوة في سبيل الله.
ودعوة الوالد لولده أو عليه مستجابة أيضا، بما للوالدين من
(1) أخرجها ابن ماجه 2/ 1270.
(2)
أخرجه البخاري في الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء 3/ 455، ومسلم في الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين 1/ 50.
الحقوق العظيمة على أبنائهم، وقد قرن الله الأمر بالإحسان إليهما بالأمر بعبادته وحده، والنهي عن الإشراك به، وذلك قول الله عز ذكره:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (1).
وممن تجاب دعوتهم: المضطر الذي أحوجه الحال من خوف أو مرض أو فقر أو نازلة إلى اللجوء إلى الله سبحانه والتضرع إليه (2).
قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} (3).
قال الشوكاني: " واللام في المضطر للجنس لا للاستغراق، فقد لا يجاب بعض المضطرين لمانع يمنع من ذلك، بسبب يحدثه العبد يحول بينه وبن إجابة دعائه "(4).
ونحوه في روح المعاني، فإنه قيد الإجابة للمضطر بالمشيئة، وحمل اللام في الآية على الجنس (5).
ودعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب، مما ترجى إجابته لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي الدرداء:«ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك الموكل: ولك بمثل (6)» .
(1) سورة النساء الآية 36
(2)
انظر: الكشاف للزمخشري 3/ 376.
(3)
سورة النمل الآية 62
(4)
فتح القدير 4/ 146.
(5)
20/ 7.
(6)
أخرجه مسلم في الذكر والدعاء، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب 4/ 2094، وأبو داود في الصلاة باب الدعاء بظهر الغيب 2/ 89، والبخاري في الأدب المفرد (625) وابن أبي شيبة 10/ 197 من حديث أبي الدرداء.
وهناك أوقات ومواطن تجاب فيها الدعوات فمن ذلك:
1 -
الدعاء في السجود: وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: «وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1)» والعبد الساجد بين يدي ربه في أشرف أحواله، وأقربها إلى الله سبحانه، كما جاء في حديث أبي هريرة مرفوعا:«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (2)» .
2 -
الدعاء في ثلث الليل الأخير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له (3)» .
(1) أخرجه مسلم في الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/ 348، وأبو داود في الصلاة، باب الدعاء في الركوع والسجود 1/ 232، والنسائي في التطبيق، باب الأمر بالاجتهاد في الدعاء في السجود 2/ 217، وأحمد 1/ 219، والدارمي 1/ 304، وعبد الرزاق (2839)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه مسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/ 350، وأبو داود في الصلاة باب الدعاء في الركوع والسجود 1/ 231، والنسائي في التطبيق، باب أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل 2/ 226، وأحمد 2/ 280، كلهم من حديث أبي هريرة.
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري في التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل 3/ 36، ومسلم في صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل 1/ 523، من حديث أبي هريرة.
3 -
الدعاء بين الأذان والإقامة، لما روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الدعوة لا ترد بين الأذان والإقامة فادعوا (1)» .
4 -
الدعاء في ساعة الجمعة: وذلك لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في يوم الجمعة: «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها (2)» ووقت هذه الساعة مما اختلف فيه العلماء، ورجح ابن القيم (3) أنها بعد العصر.
5 -
الدعاء في دبر الصلوات المكتوبة: وذلك لما روى أبو أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال:«جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبة (4)» .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أنه كان
(1) أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة 1/ 415، وقال حسن صحيح، وأحمد 3/ 225، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/ 488، وابن السني ص 51 من حديث أنس بهذا اللفظ، وأخرجه أبو داود في الصلاة، باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة 1/ 358 بلفظ: لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة. وسند الحديث حسن.
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري في الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة 2/ 527، ومسلم في الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة 2/ 584.
(3)
زاد المعاد 1/ 104 - 105.
(4)
أخرجه الترمذي في الدعوات، باب (79) 5/ 527، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه الطبراني في الدعاء 2/ 842.