الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للشيطان طريق على المؤمن، ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة في الحديث الطويل مع الشيطان، وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم:«أما إنه قد صدقك وهو كذوب (1)» عندما قال له الشيطان: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2).
(1) صحيح البخاري، جـ4، ص 487، رقم 3311 كتاب الوكالة.
(2)
سورة البقرة الآية 255
5 -
تعلق الروح بالبدن حال النوم:
أولا: ما هي الروح؟
قال ابن تيمية: (والروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت)(1).
وقال شارح الطحاوية: (وأما اختلاف الناس في مسمى النفس والروح: هل هما متغايران أو مسماهما واحد؟ فالتحقيق: أن النفس تطلق على أمور وكذلك الروح، فيتحد مدلولها تارة، ويختلف تارة، فالنفس تطلق على الروح، ولكن غالبا ما تسمى نفسا إذا كانت متصلة بالبدن، وأما إذا أخذت مجردة فتسمية الروح أغلب عليها. . .)(2).
وقال الأشقر: (لما كانت الروح مخلوقة من جنس لا نظير له في عالم الموجودات، فإننا لا نستطيع أن نعرف صفاتها، فقد عرفنا الله
(1) رسالة العقل والروح، مجموعة الرسائل المنيرية 2/ 36 (انظر القيامة الصغرى للأشقر ص 85).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية ص 444، 445.
أنها تصعد وتهبط، وتسمع وتبصر وتتكلم إلى غير ذلك، إلا أن هذه الصفات مخالفة لصفات الأجسام المعروفة، فليس صعودها وهبوطها وسمعها وبصرها وقيامها وقعودها من جنس ما نعرفه ونعلمه، فقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الروح يصعد بها إلى السماوات العلى، ثم تعاد إلى القبر، ساعة من الزمن، وقد أخبرنا أنها تنعم أو تعذب في القبر، ولا شك أن هذا النعيم على نحو مخالف لما نعلمه ونعرفه. . .) (1).
وقال شارح الطحاوية في تعريف الروح: (والذي يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل: أن النفس جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علوي، خفيف حي متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف ساريا في هذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار، من الحس والحركة الإرادية، وإذا فسدت هذه بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار، فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح. . .)(2).
(1) القيامة الصغرى، ص 87.
(2)
شرح العقيدة الطحاوية، ص 443.
ومسكن الروح جميع أجزاء البدن، وهي مخلوقة، وهو أمر مجمع عليه عند سلف الأمة، كما قال ابن تيمية، والروح هي النسمة، ذكر ذلك وغيره والأدلة على ذلك صاحب القيامة الصغرى د. عمر الأشقر (1).
وهي تموت باعتبار مفارقتها للبدن، لكنها لا تفنى فتصبح عدما ذكر ذلك ابن تيمية وابن القيم وعلماء الأمة (2).
ثانيا: الروح لها بالبدن تعلق من وجه ومفارقة من وجه والنوم شقيق الموت:
والأرواح يعرج بها في منامها، فما رأت وهي في السماء فهو الحق، فإذا ردت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء، فكذبتها فما رأت من ذلك فهو الباطل (4). . .
قال ابن تيمية: (فإنه سبحانه ذكر إمساك التي قضى عليها الموت من هذه الأنفس التي يتوفاها وفاة نوم، وأما التي توفاها حين
(1) القيامة الصغرى، ص 92 - 96.
(2)
انظر مبحث " هل تموت النفوس لعمر الأشقر في القيامة الصغرى " ص 101.
(3)
سورة الزمر الآية 42
(4)
الروح لابن القيم، ص 41.
موتها فتلك لم يصفها بإمساك ولا بإرسال، بل هي قسم ثالث. . .؛ لأنه سبحانه أخبر بوفاتين: وفاة كبرى وهي وفاة الموت، ووفاة صغرى وهي وفاة النوم، وقسم الأرواح قسمين: قسم قضى عليها الموت فأمسكها عنده، وهي التي توفاها وفاة موت، وقسم لها بقية أجل فردها إلى جسدها إلى استكمال أجلها. . .).
وقال ابن القيم: (والتحقيق: أن الآية تتناول النوعين فإنه سبحانه ذكر وفاتين، وفاة نوم، ووفاة موت، وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى، ومعلوم أنه سبحانه يمسك كل نفس ميت سواء مات في النوم أو في اليقظة، ويرسل نفس من لم يمت فقوله {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (1) يتناول من مات في اليقظة ومن مات في المنام. . .) (2).
قال ابن القيم: وفيها ثلاثة أدلة:
أحدها: الإخبار بتوفي الأنفس بالليل.
الثاني: بعثها إلى أجسادها بالنهار.
الثالث: توفي الملائكة له عند الموت (4).
(1) سورة الزمر الآية 42
(2)
الروح لابن القيم، ص 27.
(3)
سورة الأنعام الآية 60
(4)
الروح، ص 240.
وقال ابن كثير: (يخبر تعالى أنه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر، كما قال تعالى {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (1)، وقال تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (2)، فذكر في هذه الآية الوفاتين: الكبرى والصغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى والكبرى. . .) (3).
(1) سورة آل عمران الآية 55
(2)
سورة الزمر الآية 42
(3)
تفسير ابن كثير، جـ 3، ص 261.
6 -
هل النائم يتصرف؟ وما هي علاقة النائم باليقظة؟
قال ابن تيمية: (والنائم يحصل له في منامه لذة وألم، وذلك يحصل للروح والبدن، حتى إنه يحصل له في منامه من يضربه، فيصبح والوجع في بدنه، ويرى في منامه أنه أطعم شيئا طيبا فيصبح وطعمه في فمه، وهذا موجود، فإذا كان النائم يحصل لروحه، وبدنه من النعيم والعذاب ما يحس به - والذي إلى جنبه لا يحس به - حتى قد يصبح النائم من شدة الألم؛ أو الفزع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه، وقد يتكلم إما بقرآن، وإما بذكر، وإما بجواب.
واليقظان يسمع ذلك وهو نائم، عينه مغمضة، ولو خوطب لم
يسمع، فكيف ينكر حال المقبور الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يسمع قرع نعالهم؟ وقال:«ما أنتم أسمع لما أقول منهم (1)» (2).
أما الرؤية في المنام فهي أقرب ما يكون في تصرف النائم وهي أنواع:
قال ابن تيمية: (الرؤيا على ثلاثة أنواع؛ منها الرؤيا الصحيحة ولها أقسام:
1 -
رؤيا من الله. 2 - رؤيا من الشيطان. 3 - رؤيا من حديث النفس).
والرؤيا الصحيحة أقسام:
منها: (إلهام يلقيه الله سبحانه في قلب العبد، وهو كلام يكلم به الرب عبده في المنام، كما قال عبادة بن الصامت وغيره. ومنها: مثل يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها. ومنها: التقاء روح النائم بأرواح الموتى من أهله وأقاربه وأصحابه. ومنها: عروج روحه إلى الله سبحانه وخطابها له. ومنها: دخول روحه إلى الجنة ومشاهدتها وغير ذلك. . .)(3).
(1) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2875)، سنن النسائي الجنائز (2074)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 220).
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ4، ص 275، 276.
(3)
الروح لابن القيم، ص 39.
ثم قال: قال بعض السلف: إن الأرواح تتلاقى في الهواء فتتعارف أو تتذاكر فيأتيها ملك الرؤيا بما هو لاقيها من خير أو شر، قال: وقد وكل الله بالرؤيا الصادقة ملكا علمه وألهمه معرفة كل نفس بعينها واسمها ومنقلبها في دينها ودنياها وطبعها ومعارفها، لا يشتبه عليه منها شيء، ولا يغلط فيها فتأتيه نسخة من علم غيب الله من أم الكتاب بما هو مصيب لهذا الإنسان من خير وشر في دينه ودنياه قدمه أو يقدمه، وينذره من معصية ارتكبها أو هم بها، ويحذره من مكروه انعقدت أسبابه ليعارض تلك الأسباب بأسباب تدفعها، ولغير ذلك من الحكم والمصالح التي جعلها الله في الرؤيا نعمة، ورحمة، وأحيانا تذكيرا وتعريفا، وجعل أحد طرق ذلك؛ تلاقي الأرواح وتذاكرها وتعارفها وكم من كانت توبته وصلاحه وزهده وإقباله على الآخرة عن منام رآه أو رؤي له، وكم ممن استغنى وأصاب كنزا دفينا عن منام. .) (1).
أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف (2)» .
(1) الروح، ص 42، 43.
(2)
صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة، (فتح الباري، جـ 6، ص 369، رقم 3336)، صحيح مسلم، كتاب البر، باب الأرواح جنود مجندة، (شرح مسلم للنووي، جـ16، ص 185).
قال ابن حجر: قال الخطابي: (يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت. . .)(1).
قال البخاري: (باب رؤيا الصالحين).
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة (3)» .
وعند مسلم من حديث أبي هريرة بمثله، ومن حديث ابن عمر:«جزء من سبعين جزءا (4)» .
(1) فتح الباري، جـ 6، ص 369.
(2)
سورة الفتح الآية 27
(3)
صحيح البخاري، كتاب التعبير، باب رؤيا الصالحين (فتح الباري، جـ12، ص 361 رقم 698).
(4)
صحيح مسلم، كتاب الرؤيا (شرح النووي، جـ 15، ص 22، 23).
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره (1)» .
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اقترب الزمان، لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة، والرؤيا ثلاثة
1 -
فرؤيا الصالحة بشرى من الله،
2 -
ورؤيا تحزين من الشيطان،
3 -
ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس (2)». . . .
قال النووي: قال الإمام المازري: (مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات، كما يخلقها في قلب اليقظان، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما على أمور أخر يخلقها في ثاني الحال، أو كان قد خلقها، فإذا خلق في قلب
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب الرؤيا من الله (فتح الباري، جـ 12، ص 368)، وهو عند مسلم في كتاب الرؤيا بمثله وزيادة (شرح النووي، جـ15، ص20).
(2)
صحيح مسلم، كتاب الرؤيا (شرح النووي، جـ15، ص 20 - 21).