الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرهبان من الصوامع، واستجاشوا بأهل أرمينية وأهل الجزيرة. وجاءونا، وهم في نحو من أربع مائة ألف رجل. وإنه لما بلغني ذلك من أمرهم كرهت أن أغرّ المسلمين من أنفسهم وأكتمهم ما بلغني عنهم، فكشفت لهم عن الخبر، وشرحت لهم عن الأمر، وسألتهم الرأي. فرأى المسلمون أن ينتحّوا إلى أرض من أرض الشأم، ثم نضم إلينا أطرافنا وقواصينا، ويكون بذلك المكان جماعتنا حتى يقدم علينا من قبل أمير المؤمنين المدد لنا. فالعجل العجل يآمير المؤمنين بالرجال بعد الرجال، وإلّا فاحتسب أنفس المؤمنين إن هم أقاموا ودينهم منهم إن هم تفرّقوا، فقد جاءهم ما لا قبل لهم به إلّا أن يمدّهم الله بملائكته أو يأتيهم بغياث من قبله. والسلام عليك.
- وأرسله مع عبد الله بن قرط، وما بين الروم والمسلمين ثلاث أو أربع أميال.
353/ خ كتاب عمر إلى أبي عبيدة في جواب كتابه
الأزدي (مخطوطتا باريس) ورقة 51/ ب- 52/ ب (92/ ب- 93/ ب)
أما بعد فقد قدم عليّ أخو فجالة (خ: أخونا) بكتابك تخبرني فيه بتنفير الروم إلى المسلمين برا وبحرا، وبما جاشوا عليكم من أساقفهم وقسيسيهم ورهبانهم. وإنّ ربنا المحمود عندنا، والصانع لنا، والعظيم ذو المنّ والنعمة الدائمة علينا قد رأى مكان هؤلاء الأساقفة والرهبان حيث بعث محمدا صلى الله عليه بالحق، وأعزّه بالنصر، ونصره بالرعب على عدوّه، وقال، وهو لا يخلف الميعاد: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. ولا تهولنك كثرة ما جاءكم منهم، فإنّ الله منهم بريء. ومن برىء الله منه كان قمنا أن لا ينفعه كثرة؛ وأن يكله الله عز وجل إلى نفسه ويخذله. ولا يوحشنّك قلّة
المسلمين في المشركين، فإنّ الله معك، وليس قليل من كان الله معه.
فأقم بمكانك الذي أنت فيه حتى تلقى عدوّك وتناجزهم وتستظهر بالله عليهم، وكفى به (بالله) ظهيرا ووليا ونصيرا. وقد فهمت مقالك:
«احتسب أنفس المسلمين إن هم أقاموا ودينهم إن هم تفرّقوا، فقد جاءهم ما لا قبل لهم به إلّا أن يمدّهم الله بملائكته أو يأتيهم بغياث من قبله» . وأيم الله، لولا استثناؤك بهذا لقد كنت أسأت. ولعمري إن أقاموا (كذا) لهم المسلمون، وصبروا فأصيبوا، لما عند الله خير للابرار.
لقد قال الله عز وجل: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. فطوبا للشهداء ولمن عقل عن الله. فمن معك من المسلمين لأسوة بالمصرعين حول رسول الله صلى الله عليه في مواطنه. فما عجزوا (ن: عجز) الذين قاتلوا في سبيل الله، ولا هابوا الموت في جنب الله، ولا وهن الذين بقوا من بعدهم، ولا استكانوا لمصيبتهم، ولكنهم تأسّوا بهم، وجاهدوا في سبيل الله (ن: في الله) من خالفهم منهم وفارق دينهم. ولقد أثنى الله عز وجل على قوم بصبرهم فقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. فأما ثواب الدنيا فالغنيمة والفتح، وأما ثواب الآخرة فالمغفرة والجنة. فاقرأ كتابي هذا على الناس ومرهم فليقاتلوا في سبيل الله، وليصبروا، كيما يؤتيهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. وأما قولك: إنه قد «جاءهم ما لا قبل لهم به» ، فان لا يكن لكم به قبل فانّ لله بهم قبلا. ولم يزل ربنا عليهم مقتدرا. ولو كنا، والله، إنما نقاتل الناس بحولنا وقوّتنا وكثرتنا لهيهات ما قد أبادونا وأهلكونا. ولكن نتوكل على الله ربنا، ونبرأ (ونبوء؟) إليه من الحول والقوة، ونسئله النصر والرحمة. وإنكم منصورون إن شاء الله على كل حال. فأخلصوا لله نياتكم، وارفعوا إليه