الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواية هشام بن العاص الأموي رضي الله عنه (ننقلها من تفسير ابن كثير)
«الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل» ، وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشّروا أممهم ببعثه، وأمروهم بمتابعته. ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم كما روى الامام أحمد
…
وقال الحاكم صاحب المستدرك: أخبرنا.. عن أبي أمامة الباهلي، عن هشام ابن العاص الأموي قال: بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام. فخرجنا حتى قدمنا الغوطة يعني غوطة دمشق. فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني. فدخلنا عليه فاذا هو على سرير له. فأرسل إلينا برسوله نكلّمه. فقلنا: والله لا نكلّم رسولا وإنما بعثنا إلى الملك.
فان أذن لنا كلّمناه، وإلا لم نكلم الرسول. فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك. قال: فأذن لنا، فقال: تكلموا. فكلمه هشام بن العاص، ودعاه إلى الإسلام. فاذا عليه ثياب سود. فقال له هشام: وما هذه التي عليك؟ قال: لبستها، وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشأم.
قلنا: ومجلسك هذا والله لنأخذنّه ولنأخذنّ ملك الملك الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فقال: لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل. فكيف صومكم؟ فأخبرنا.
فملىء وجهه سوادا. فقال: قوموا. وبعث معنا رسولا إلى الملك.
فخرجنا، حتى إذا كنّا قريبا من المدينة، قال الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك. فان شئتم حملناكم على براذين وبغال. قلنا:
والله لا ندخل إلا عليها. فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك. فأمرهم أن ندخل على رواحلنا. فدخلنا عليها (؟ فيها) متقلدين سيوفنا، حتى انتهينا إلى غرفة له. فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا. فقلنا: لا إله إلا الله، والله أكبر. فالله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح. قال: فأرسل إلينا: ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم.
وأرسل إلينا: أن ادخلوا. فدخلنا عليه، وهو على فراش له، وعنده بطارقته من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمر، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة. فدنونا منه. فضحك فقال: ما عليكم لو جئتموني بتحيتكم فيما بينكم؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية، كثير الكلام.
فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحلّ لك، وتحيتك التي تحيا بها لا يحلّ لنا أن نحييك بها. قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا: السلام عليك.
قال: فكيف تحيّون ملككم؟ قلنا: بها. قال: فكيف يرّدّ عليكم؟
قلنا: بها. قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلّا الله والله أكبر. فلما تكلمنا بها، والله يعلم، لقد انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها. قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انتفضت الغرفة، أفكلما قلتموها في بيوتكم انتفضت عليكم غرفكم؟ قلنا:
لا، ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك. قال: لوددت أنكم كلما قلتم انتفض كل شيء عليكم واني قد خرجت من نصف ملكي! قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة وأنها تكون من حيل الناس. ثم سألنا عما أراد. فأخبرناه. ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه. فقال: قوموا. فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير.
فأقمنا ثلاثا، فأرسل إلينا ليلا. فدخلنا عليه. فاستعاد قولنا. فأعدناه.
ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة، فيها بيوت صغار، عليها أبواب. ففتح بيتا وقفلا فاستخرج حريرة سوداء فنشرناها (؟ فنشرها) فاذا فيها صورة حمراء وإذا فيها رجل ضخم العينين، عظيم الاليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله. فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا آدم عليه السلام، واذا هو أكثر الناس شعرا. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا له شعر كثير القطط، أحمر العينين، ضخم الهامة، حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا نوح عليه السلام. ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة سوداء، وإذا فيها رجل شديد
البياض، حسن العينين، صلت الجبين، طويل الخد، أبيض اللحية، كأنه يتبسّم. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا ابراهيم عليه السلام. ثم فتح بابا آخر فاذا فيه صورة بيضاء، وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وبكينا. قال: والله يعلم أنه قام قائما، ثم جلس، وقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم إنه لهو كأنك تنظر إليه. فأمسك ساعة ينظر إليها. ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكن عجّلته لكم لأنظر ما عندكم. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة أدماء وسحماء، وإذا رجل جعد، قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، متقلص الشفة كأنه غضبان. فقال: أتعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا موسى عليه السلام. وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في عينيه قبل. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا هارون بن عمران عليه السلام. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء، فاذا فيها صورة رجل آدم، سبط، ربعة، كأنه غضبان. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا لوط عليه السلام. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فاذا فيها صورة رجل أبيض، مشرب حمرة، أقني، خفيف العارضين، حسن الوجه.
فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا إسحاق عليه السلام. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فاذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفته خال. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا يعقوب عليه السلام. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه، أقني الأنف، حسن القامة، يعلو وجهه نور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب الحمرة. قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا:
لا. قال: هذا إسماعيل عليه السلام جد نبيكم صلى الله عليه وسلم. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فاذا فيها صورة كصورة آدم، كأن وجهه الشمس. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا يوسف
عليه السلام. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فاذا فيها صورة رجل أحمر، حمش الساقين، أخفش العينين، ضخم البطن، ربعة، متقلد سيفا. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا داود عليه السلام. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء، فيها صورة رجل ضخم الاليتين، طويل الرجلين، راكب فرسا. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا سليمان بن داود عليهما السلام. ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة بيضاء، وإذا شابّ شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه. فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا. قال: هذا عيسى بن مريم عليه السلام. قلنا:
من أين لك هذه الصور؟ لأنّا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء عليهم السلام، لأنّا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله. فقال: إن آدم عليه السلام سأل ربّه أن يريه الأنبياء من ولده. فأنزل عليهم صورهم.
فكانت في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس، فدفعها إلى دانيال. ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي وأني كنت عبدا لأشرّكم ملكة حتى أموت. ثم أجازنا فأحسن جائزتنا، وسرحنا. فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فحدثناه بما أرانا وبما قال لنا وما أجازنا. قال: فبكى أبو بكر، وقال: مسكين، لو أراد الله به خيرا لفعل. ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم.
- هكذا أورده الحافظ الكبير أبو بكر البيهقي رحمه الله في كتاب دلائل النبوة، عن الحاكم إجازة، فذكره وإسناده لا بأس به.
- ليس في القصة صراحة كتاب إلى هرقل. وسوف لا نذكر اختلافات الرواية، فهي يسيرة، إما لتقديم وتأخير، أو اختصار على الأكثر.