الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثالهما في قصة الأعرابي المذكورة. فقد نقح فيها المناط الشافعي وأحمد مرة واحدة وهي تنقيحه بحذف بعض الأوصاف كما قلنا.
ونقحه مالك وأبو حنيفة مرتين: الأولى هي هذه التي ذكرنا، والثانية هي تنقيحه بزيادة بعض الأوصاف وهي: أن سالكا وأبا حنيفة ألفيا خصوص الوقاع وأناطا الحكم بانتهاك حرمة رمضان فأوجبا الكفارة في الأكل والشرب عمداً فزادا الأكل والشرب على الوقاع تنقيحاً بزيادة بعض الأوصاف.
(تنبيه)
هذه الصورة التي فسر بها المؤلف تنقيح المناط وهي تنقيحة النقص هي السير والتقسيم بعينه وتنقيحة الزيادة هي مفهوم الموافقة بعينه وهو المعروف عند الشافعي رحمه الله بالقياس في معنى الأصل.
الضرب الثالث: تخريج المناط: وهو استخراج العلة بمسلك المناسبة والإخالة بعينه وسيأتي ان شاء الله في استنباط العلة بالمناسبة. هذا هو المعروف في الاصطلاح. وظاهر كام المؤلف أن مراده بتخريج المناط هو استخراج العلة بالاستنباط مطلقاً فيدخل فيه السبر والتقسيم والدوران الوجودي والعدمي مع المناسبة والإخالة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
(فصل)
في
(إثبات القياس على منكريه)
قال بعض أصحابنا: يجوز التعبد بالقياس شرعاً وعقلا لقول أحمد
رحمه الله: لا يستغني أحد عن القياس وبه قال عامة الفقهاء والمتكلمين.
وذهب أهل الظاهر والنظام إلى أنه لا يجوز التعبد به عقلا ولا شرعاً، وأومأ إليه أحمد رحمه الله فقال:(يجتنب المتكلم في الفقه المجمل والقياس) وحمله القاضي على قياس يخالف نصاً. . إلخ.
اعلم أولاد ان ما ورد عن الصحابة من ذم الرأي والتحذير منه إنما يعنون به الرأي الفاسد، كالقياس المخالف للنص أو المبني على الجهل لا جماعهم على العمل بالرأي والاجتهاد فيما لا نص فيه وإلى هذا أشار في المراقي بقوله:
وما روى من ذمه فقد عنى
…
...
…
به الذي على الفساد قد بنى
وذكر المؤلف أدلة لوجوب العمل بالقياس منها:
1-
أن عدم العمل به يفضي إلى خلو كثير من الحوادث عن الأحكام لقلة النصوص وكون الصور لا نهاية لها.
2-
ومنها أن العقل يدرك حكم العلل الشرعية إذ مناسبتها للحكم عقلية مصلحية يدرك العقل طلب تحصيلها وورود الشرع بها.
3-
ومنها أننا نستفيد بالقياس ظناً غالباً، والعمل بالظن الراجح متعين.
4-
ومنها اجماع الصحابة رضي الله عنهم على الحكم بالرأي في الوقائع الخالية من النص، كقياسهم العهد على العقد في الإمامة العظمى، وكاجتهادهم في مسألة الجد والأخوة، وتمثيلهم في ذلك بالغضين والخليجين. وكقولهم في المشركة. وكقول أبي بكر رضي الله عنه في الكلالة: أقول فيها برأيي.
وكقول عمر رحمه الله لأبي موسى الأشعري: " اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور برأيك ". وكقولهم في السكران: إذا سكر هذى، وإذا
هذى افترى فحدوه حد الفرية. وكقول معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يجتهد حيث لا كتاب ولا سنة، فصوبه النبي صلى الله عليه وسلم. وأمثال هذا كثيرة جداً، أن لم تتواتر آحادها حصل بمجموعها العلم الضروري أنهم كانوا يجتهدون فيما لا نص فيه.
5-
وقد استدل على اثبات القياس بقوله تعالى: " فاعبروا يا أولي الأبصار "، وحقيقة الاعتبار مقايسة الشيء بغيره كقولهم:(اعتبر الدينار بالصنجة) وهذا الاعتبار هو القياس.
6-
وقوله صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله) .
7-
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر. .) .
8-
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق أن يقضى. فهو تنبيه على قياس دين الله على دين المخلوق) .
9-
وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر حين سأله عن القبلة للصائم: (أرأيت لو تمضمضت فهو قياس للقبلة على المضمضة بجامع أن الكل مقدمة الفطر، وأمثال هذا كثرة جداً.
(تنبيه)
هذه الأدلة التي ذكر منها ما هم أعم من محل النزاع لأن مطلق الاجتهاد أعم من القياس، ومنها ما يدل على محل النزاع كقصة
معاذ، فإنه صرح فيها بأن اجتهاده في ما لا نص فيه، وذلك أنما يكون بالالحاق بالمنصوص وكحديث الذين والمضمضة.
ومن أصرح الأدلة على اثبات القياس ما ثبت في الصحيحين من قصة الذي ولد له ولد أسود يخالف لونه لون أمه وأبيه فقاسه صلى الله عليه وسلم على أولاد الإبل الحمر يكون فيها الأورق. وقال فيه عليه الصلاة والسلام: فلعله نزعه عرق. والقصة صحيحة مشهورة (1) .
قال المؤلف رحمه الله: -
(أوجه تطرق الخطأ إلى القياس)
اعلم أن القياس يتطرق إليه الخطأ من خمسة أوجه:
1-
ألا يكون الحكم معللا كان يعلل نقض الوضوء بلحم الجزور بأنه " حار " فيلحق به لحم الظبي فيجعله ناقضاً. وهذا بناء على أن نقض الوضوء بلحم الجزور ليس تعبدياً.
2-
ألا يصيب علته في نفس الأمر كأن لا تكون علة الربا في البر الطعم بالنسبة إلى من يعلل بالطعم.
3-
أن يقصر في بعض أوصاف العلة، كأن يقول: علة القصاص " القتل العمد " ويحذف العدوان. فيلزم على علته القصاص من ولي الدم إذا اقتص
(1) 1- وسيأتي إن شاء الله في آخر المذكرة ملحق خاص من دروس رمضان في المسجد النبوي الشريف لفضيلة المؤلف في اثبات القياس واقسامه ومناقشة ابن حزم مما يتحتم في هذا المبحث.