الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقول المؤلف: فأما الدلالة على صحة العلة باطرادها ففاسد.
يعني به دوران الحكم معها وجوداً فقط لا عدما وخلاصة ما ذكر فيه المؤلف " أنه لا يدل على العلية إذ لا معنى له الا سلامتها من مفسد واحد هو النقض. والنقض هو وجود الحكم دون الوصف كما سنوضحه ان شاء الله تعالى في مبحث القوادح، وانتفاء المفاسد ليس بدليل على الصحة بل لو سلم من كل مفسد لم يكن دليلا على الصحة كما لو سلمت شهادة المجهول من جارح لم تكن حجة ما لم تقم بينة معدلة مزكية فكذلك لا يكفي في الصحة انتفاء المفسد بل لا بد من دليل على الصحة، فلو قيل دليل صحتها انتفاء المفسد، لقال الخصم دليل فساد
انتفاء المصحح.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
ثم للمعترض في افساده المعارضة بوصف مطرد يختص بالأصل فلا يجد إلى التخلص عنه طريقا كقولهم في الخل مائع لا يصاد من جنسه السمك ولا تبنى عليه القناطر فلا تحصل الطهارة به كالمرق. انتهى.
أي ومعلوم أن كونه مائعاً لا يصاد من جنسه السمك الخ.. دائر معه الحكم الذي هو عدم الطهارة مع أنها أوصاف طردية لا تناط بمثلها الأحكام فظهر أن الحكم يدور مع الوصف في الوجود وليس علة له.
(تنبيه)
ذكر جماعة من الأصوليين أنه لا يشترط في عدم الاحتجاج باطراد الوصف أن لا يكون مناسباً بالذات أو بالتبع فان كان مناسباً بالذات فهو قياس عليه لا طرد وان كان بالتبع فهو قياس شبه لا طرد وإلى هذا أشار
صاحب المراقي بقوله معرفاً للطرد:
حصول حكم حيثما الوصف حصل
…
... والاقتران في انتفا الوصف انحظل
ولم يكن تناسب بالذات
…
... أو تبع فيه لدى الثقات
ثم يبين صاحب المراقي ابطال الرد بأن المنقول عن الصحابة هو التعليل بالمناسب دون الطرد حيث قال:
وروى النقل عن الصحابة
…
...
…
ومن رأى بالأصل قد أجابه
ومعنى قوله: ومن رأى بالأصل قد أجابه أن من رأى كون الطرد يفيد العلية أجاب المانع لذلك بأن الأصل في الملازمة في الوجود أن تكون لموجب يقتضي ذلك، وهو كون الوصف الدائر معه الحكم في الوجود علة له.
(تنبيه)
لا يلتبس عليك الطرد بالوصف الطردي فان الطرد هو ما عرفناه الآن في هذا المسلك، والوصف الطردي هو الذي ليس في اناطة الحكم به مصلحة كالطول والقصر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
" متى لزم من الوصف المتضمن للمصلحة مفسدة مساوية للمصلحة أو راجحة عليها فقيل أن المناسبة تنتفى. . الخ. . "
اعلم أن التحقيق في هذه المسألة أن الخلاف فيها لفظي لأن المصلحة إذا استلزمت مفسدة مساوية أو راجحة فان الحكم لا ينبني على تلك المصلحة قولا واحداً لأن الشرع لا يأمر باستجلاب مصلحة مؤدية لمفسدة أكبر منها أو مساوية لها، ولكن الخلاف في المصلحة المعارضة بالمفسدة هل
هي منخرمة زائلة من أصلها أو هي باقية معارضة بغيرها وهو اختيار المؤلف.
فعلى أن المصلحة باقية فعدم الحكم لوجود المانع، وعلى أنها زائلة فعدم الحكم لعدم المقتضى ومن أمثلته فداء أسارى المسلمين بالسلاح إذا كان يؤدي إلى قدرة الكفار بذلك السلاح على قتل عدد الأسارى أو أكثر من المسلمين.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
(فصل)
(في قياس الشبه)
واختلف في نفسيره وفي أنه حجة. . الخ. .
اعلم أولا: أن هذا المسلك من مسالك العلة هو أصعبها وأدقها فهماً كما رح به الأصوليون وحدوه بحدود مختلفة غالبها يرجع إلى أن الوصف في قياس الشبه مرتبة بين الطردي والمناسب فمن حيث أنه لم تتحقق فيه المناسبة أشبه الطردي، ومن حيث أنه لم يتحقق فيه انتفاؤها أشبه المناسب، ولهذا سمي شبهاً، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المؤلف ذكر في حده قولين:
الأول: قول القاضي يعقوب: أن الشبه هو أن يتردد الفرع بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً كالاختلاف في العبد، هل يملك، وهل إذا قتل تلزم فيه القيمة أو الدية فانه يشبه المال من حيث أنه يباع ويوهب ويورث ونحو ذلك، ويشبه الحر من حيث أنه يثاب ويعاقب وينكح ويطلق ونحو ذلك فيلحق بأكثرهما شبهاً، والأكثر على أن شبهه بالمال أكثر فتلزم فيه القيمة إذا قتل وقيل بالعكس، وهذا النوع هو المعروف بغلبة الأشباه.
وأجمع الجمهور على أن غلبة الأشباه لا يخرج عن الشبه لأنه إما أن يكون هو بعينه وإما أن يكون نوعاً منه خلافاً لما زعمه العضد من أنه ليس نوعاً من المسلك المسمى (بالشبه) وإن حاصله تعارض مناسبين بالذات رجح أحدهما فهو من مسلك المناسب بالذات وأن الشبه لفظ مشترك يطلق على كل منهما، وغلبة الأشباه من أقوى قياسات الشبه.
وأقوى أنواعه الشبه في الحكم والصفة معاً، ثم الشبه في الحكم فقط، ثم الشبه في الصفة فقط.
ومثال الشبه في الصفة والحكم معاً شبه العبد بالمال في أن يورث ويباع ويشتري ونحو ذلك، وهذا شبه في الحكم، وشبهه للمال في الصفة هو كون العبيد تتفاوت قيمة أفرادهم بحسب تفاوت أوصافهم جودة ورداءة.
والشبه في الصفة فقط كشبه الأقوات بالبر والشعير في الربا.
والشبه في الحكم فقط، لم أذكر مثالا الآن.
الثاني: أن الشبه هو الجمع بين الأصل والفرع بوصف يوهم اشتماله على حكمة الحكم من جلب مصلحة أو دفع مفسدة وذلك أن الأوصاف ثلاثة أقسام:
الأول: قسم يعلم اشتماله على المناسبة كالاسكار وقياسه وهو قياس العلة.
الثاني: قسسم لا تتوهم فيه مناسبة، كالطول والقصر، وهو الطردي والقياس به باطل.
الثالث: قسم بين القسمين الأولين وهو ما يتوهم اشتماله على مصلحة الحكم ويظن أن مظنتها من غير اطلاع على عين المصلحة، مع عهدنا
اعتبار الشارع له في بعض الأحكام، كالجمع بين مسح الرأس ومسح الخف في نفي التكرار بجامع كونه مسحاً.
والجمع بينه وبين الأعضاء المغسولة في التكرار بكونه عضواً من أعضاء الوضوء كالوجه، وهذا هو قياس الشبه وهو مختلف فيه، واختلفت فيه الرواية بالصحة وعدمها عن الإمام أحمد، وأكثر الأصوليين على قبوله لأنه يثير ظناً بثبوت الحكم.
قال مقيده عفا الله عنه: -
الذي يظهر لي في كلام المؤلف رحمه الله في هذا المسلك أنه لا يخلو من بعض نظر الله تعالى أعلم، وذلك لأن مثاله للقول الثاني من القولين اللذين ذكرهما في نفسير الشبه وهو بعينه مثال الأول، لأن قضية تكرار مسح الرأس في الوضوء راجعة إلى غلبة الأشباه، لأن
تكرار مسح الرأس في الوضوء دائر بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً.
أحدهما: أنه مسح فلا يتكرر كغيره من المسح كمسح الوجه واليدين في التيمم ومسح الخف في الوضوء.
ثانيهما: أنه ركن من أركان الوضوء الأربعة المذكورة في الآية فيكرر كما يكرر غسل الوجه واليدين فمن قال بعدم تكرار مسحه قال أنه أكثر شبها بالأول، ومن قال: بتكراره قال أنه أكثر شبهاً بالثاني، والقول الأخير في تفسير الشبه مثل له صاحب المستصفى بأمثلة متعددة منها قول الشافعي رحمه لله في مسألة اشتراط النية في طهارة الحدث: طهارة موجبها (1) في غير محل موجبها فتفتقر إلى النية قياساً على التيمم وهذا يوهم الاجتماع في
(1) بفتح الجيم وهو غسل اعضاء الوضوء في غير محل موجبها بكسر الجيم وهو الناقض للوضوء كالريح مثلا، فانه موجب لغسل اعضاء غير محل الناقض، بخلاف الطهارة من النجس فنها تستوجب غسل المحل الذي فيه النجاسة، فيطهر بازالتها عنه بدون نية.
مناسب هو مأخذ النية وإن لم يطلع على ذلك المناسب.
ومنها تشبيه الأرز والزبيب بالتمر والبر لكونهما مطعومين أو قوتين فان ذلك إذا قوبل بالتشبيه بكونهما مقدرين أو مكيلين ظهر الفرق، إذ يعلم أن الربا ثبت لسر ومصلحة والطعم والقوت وصف ينبئ عن معنى به قوام النفس والأغلب على الظن أن تلك المصلحة في ضمنها لا في ضمن الكيل الذي هو عبارة عن تقدير الأجسام إلى غير ذلك من أمثلته لهذا النوع المذكور.
وقد أوضح مسلك الشبه جماعة من أهل الأصول بأنه هو ما كان الوصف الجامع ليس مناسباً بالذات ولكنه مناسب بالتبع أي مستلزم للوصف المناسب. وقد شهد الشرع بتأثير الجنس القريب لذلك الوصف في الجنس القريب لذلك الحكم ومثلوا لذلك بأمثلة، ومنها قولهم في الخل مائع لا تبنى القنطرة على جنسه فلا تحصل به الطهارة قياساً على الدهن فقولهم: لا تبنى القنطرة على جنسه، ليس مناسباً في ذاته، لكنه مستلزم للمناسب، لأن العادة أن القنطرة لا تبنى على الأشياء القليلة بل على الكثيرة كالأنهار فالقلة مناسبة لعدم مشروعية المتصف
بها من المائعات للطهارة العامة، لأن الشرع العام يقتضي أن تكون أسبابه عامة الوجود، أما تكليف جميع لناس بما لا يجده الا بعضهم فبعيد عن قواعد الشرع، فقولهم: لا تبنى القنطرة على جنسه ليس بمناسب وهو مستلزم للمناسب وقد شهد الشرع بتأثير جنس القلة والتعذر في عدم مشروعية الطهارة بدليل أن الماء إذا قل واشتدت إليه الحاجة فانه تترك الطهارة به وينتقل إلى التيمم.
ومنها تعليلهم بوجوب النية في التيمم بكونه طهارة، فيقاس عليه الوضوء بجامع أنه طهارة، فإن الطهارة من حيث هي لا تناسب اشتراط