المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

النسخ، والى هذا أشار في المراقي بقوله:   للامتثال كلف الرقيب … - مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر- ط مكتبة العلوم والحكم

[محمد الأمين الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌حقيقة الحكم وأقسامه

- ‌ما لا يتم الواجب الا به

- ‌(تنبيه)

- ‌(ما لا يتم ترك الحرام الا بتركه

- ‌الواجب الذى لا يتقيد بحد محدود كالطمأنينة فى الركوع والسجود

- ‌(المندوب)

- ‌(المباح)

- ‌(تنبيه)

- ‌(المكروه)

- ‌الأمر المطلق لا يتناول المكروه

- ‌(الحرام)

- ‌الأمر بالشىء نهى عن ضده

- ‌(تنبيه)

- ‌التكليف فى اللغة

- ‌ شروط التكليف

- ‌(تنبيه)

- ‌ خطاب الكفار بفروع الاسلام

- ‌(تنبيه)

- ‌ السبب

- ‌ الشرط

- ‌ الصحة

- ‌ الفساد

- ‌(تنبيه)

- ‌ العزيمة

- ‌ الرخصة

- ‌باب أدلة الأحكام

- ‌(تنبيه)

- ‌المحكم والمتشابه

- ‌(باب النسخ)

- ‌ الفرق بين النسخ والتخصيص

- ‌(تنبيه)

- ‌ نسخ الأمر قبل التمكن

- ‌(تنبيه)

- ‌(تنبيه آخر)

- ‌ نسخ السنة بالقرآن

- ‌ نسخ القرآن بالسنة المتواترة

- ‌تنبيهان

- ‌ما يعرف به النسخ

- ‌(مقرر‌‌ السنةالثانية)

- ‌ السنة

- ‌لا يجوز على أهل التواتر كتمان

- ‌ أخبار الآحاد

- ‌تنبيه:

- ‌ خبر مجهول الحال

- ‌ يسمع الجرح والتعديل من واحد

- ‌ التزكية

- ‌ تعارض الجرح والتعديل

- ‌ قبول التعديل بدون بيان السبب

- ‌العمل بالإجازة

- ‌ المناولة

- ‌اذا أنكر الشيخ الحديث

- ‌(تنبيه)

- ‌(تنبيه)

- ‌ رواية الحديث بالمعنى

- ‌التحقيق في هذه المسألة

- ‌تنبيهات:

- ‌ مراسيل غير الصحابة

- ‌تنبيهات:

- ‌(تنبيه)

- ‌الأصل الثالث: الإجماع

- ‌ اعتبار علماء العصر من أهل الاجتهاد

- ‌اجماع أهل المدينة

- ‌إجماع أهل كل عصر حجة

- ‌(تنبيه)

- ‌الإجماع السكوتي

- ‌ مستند الإجماع

- ‌الأخذ بأقل ما قيل ليس تمسكا بالإجماع

- ‌((الأصل الرابع الاستصحاب))

- ‌ استصحاب العدم

- ‌ استصحاب دليل الشرع

- ‌ استصحاب حال الإجماع

- ‌ شرع من قبلنا

- ‌(قول الصحابي)

- ‌الاستحسان

- ‌ الاستصلاح

- ‌مقرر السنة الثالثة

- ‌(باب في تقسيم الكلام والأسماء)

- ‌(تنبيه)

- ‌(تنبيه)

- ‌(تنبيه)

- ‌ الإجمال في لفظ مركب

- ‌(فصل في البيان)

- ‌باب الأمر

- ‌(مسألة)

- ‌(فصل)الأمر المطلق لا يقتضي التكرار

- ‌تنبيهان:

- ‌(مسألة)

- ‌(فصل)الواجب الموقت لا يسقط بفوات وقته

- ‌(مسألة)

- ‌(فصل)الأمر يتعلق بالمعدوم

- ‌ألفاظ العموم خمسة

- ‌(تنبيه)

- ‌(فصل)اذا ورد لفظ العموم على سبب خاص

- ‌(تنبيه)

- ‌(تنبيه)

- ‌اللفظ العام يجب اعتقاد عمومه

- ‌(فصل)في الأدلة التي يخص بها العموم

- ‌فصل في الاستثناء

- ‌ جواز الاستثناء المنقطع

- ‌ استثناء الأكثر

- ‌(تنبيه)

- ‌إذا تعقب الاستثناء جمل

- ‌(فصل)في الشرط

- ‌(تنبيه)

- ‌ دلالة الاقتضاء

- ‌ دلالة الإشارة:

- ‌ دلالة الإيماء والتنبيه

- ‌ دليل الخطاب

- ‌(تنبيه)

- ‌مقرر السنة الرابعة

- ‌باب القياس

- ‌(إثبات القياس على منكريه)

- ‌(تنبيه)

- ‌(تنبيه)

- ‌أضرب إثبات العلة بالنقل:

- ‌أضرب إثبات العلة بالاستنباط

- ‌تنبيهان:

- ‌النقض برائحة الخمر

- ‌(تنبيه)

- ‌(تنبيه)

- ‌(تنبيه)

- ‌(تنبيه)

- ‌(أركان القياس)

- ‌ القياس المركب

- ‌ الثاني الحكم:

- ‌ الثالث: الفرع:

- ‌ الرابع: العلة:

- ‌ من شرط العلة أن تكون متعدية

- ‌(فصل)في اطراد العلة

- ‌(تنبيه)

- ‌(تنبيه)

- ‌الأول: الاستفسار:

- ‌ الثاني: فساد الاعتبار:

- ‌ الثالث - فساد الوضع:

- ‌تنبيهان:

- ‌ الرابع: المنع:

- ‌ الخامس: التقسيم:

- ‌شروط صحة التقسيم

- ‌ السادس: المطالبة:

- ‌ السابع: النقض:

- ‌(تنبيه)

- ‌تنبيهات:

- ‌التنبيه الثاني:

- ‌التنبيه الثالث:

- ‌التنبيه الرابع:

- ‌التنبيه الخامس:

- ‌ الثامن: القلب

- ‌ التاسع: المعارضة

- ‌ العاشر: عدم التأثير

- ‌ الثاني عشر: القول بالموجب

- ‌تنبيهان:

- ‌الترجيح

- ‌(ترجيح المعاني)

- ‌تنبيهات:

- ‌ملحق لمبحث القياس

الفصل: النسخ، والى هذا أشار في المراقي بقوله:   للامتثال كلف الرقيب …

النسخ، والى هذا أشار في المراقي بقوله:

للامتثال كلف الرقيب

فموجب تمكنا مصيب

أو بينه ولابتلاء ترددا

شرط تمكن عليه انفقدا

وأشار إلى المسألة التي نحن بصددها بقوله:

والنسخ من قبل وقوع الفعل

... جاء وقوعا في صحيح النقل

(تنبيه آخر)

ذكر بعض أهل الأصول، أن هذه القاعدة المذكورة آنفاً التي هي هل حكمة التكليف مترددة بين الامتثال والابتلاء أو هي الامتثال فقط التي هي مبنى الخلاف في جواز النسخ قبل التمكن من الامتثال، ينبني عليها بعض الفروع الفقهية.

من ذلك مثلاً من علمت بالعادة المطردة أنها تحيض في أثناء النهار غداً فبيتت الافطار ثم حاضت في أثناء النهار بالفعل كما كانت تعتقده، ومن تعتاده حمى الربع وعادته أن تأتيه غداً في أثناء النهار فبيت الأفطار لذلك ثم أصابته الحمى بالفعل في أثناء النهار كما كان يعتقد، فعلى أن الحكمة في التكليف مترددة بين الامتثال والابتلاء فتبيت الفطر ممنوع على كل منهما، وقيل فيه بالكفارة أن فعل موجبها قبل حصول الحيض أو الحما وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى ومن وافقه.

وعلى أن الحكمة الامتثال فقط فلا كفارة ولا مانع من تبييت الافطار، لأنه غلب على ظنه انتفاء الحكمة المقصودة بوجود العذر والله تعالى أعلم.

ص: 88

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(فصل)

والزيادة على النص ليست بنسخ، وهي على ثلاثة مراتب أحدها ألا تتعلق الزيادة بالمزيد عليه، كما اذا أوجب الصلاة ثم أوجب الصوم فلا نعلم خلافاً لأن النسخ رفع الحكم وتبديله ولم يتغير حكم المزيد عليه بل بقي وجوبه واجزاؤه إلى آخره.

لا يخفى ان زيادة وجوب الصوم على وجوب الصلاة ليس نسخاً للصلاة كما ترى، وايضاح هذا المبحث أن فيه تفصيلاً لابد منه لم يذكره المؤلف، وهو أن الزيادة على النص لها حالتان:

الأولى: أن تنفي ما أثبته النص الأول أو تثبت ما نفاه وهذه لا شك أنها نسخ، ولم يتعرض لها المؤلف رحمه الله ومثالها تحريم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ونحو ذلك، فان تحريم هذه المحرمات ونحوها زادته السنة، على آية " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة " الآية، مع أن هذه الآية

الكريمة تدل على اباحة الحمر الأهلية وما ذكر معها، بدليل حصر المحرمات في الأربع المذكورة في الآية بأقوى أدوات الحصر، وهي النفي والاثبات ونظير الآية حصر المحرمات في الأربع المذكورة في النحل والبقرة بقوله تعالى في النحل "إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به " وقوله تعالى في البقرة " إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله".

ص: 89

وقد تقرر في الأصول في مبحث دليل الخطاب أعني مفهوم المخالفة، وفي المعاني في مبحث القصر، إن (انما) من أدوات الحصر وهو الحق، فأحاديث تحريم الحمر الأهلية وذي الناب من السباع مثلاً، زادت تحريم شيء قد دل القرآن قبل ورود تحريمه على أنه مباح، فكونها نسخاً لا شك فيه، وان خالف فيه كثر من أهل العلم لوضوح النسخ فيه كما ترى، لأنه رفع حكم سابق دل عليه القرآن بخطاب جديد.

الحالة الثانية هي التي ذكرها المؤلف رحمه الله وقسمها إلى مرتبتين:

المرتبة الأولى: أن تتعلق الزيادة بالمزيد عليه، على وجه لا يكون شرطاً فيه كزيادة تغريب الزاني البكر على جلده مائة.

والمرتبة الثانية: أن تتعلق الزيادة بالمزيد عليه، تعلق الشرط بالمشروط والتحقيق أن هاتين المرتبتين حكمهما واحد كما نصره المؤلف، وكما هو الحق وايضاحه أن الأولى منها زيادة جزء، والثانية زيادة شرط، وحكم زيادتهما واحد لأن التغريب جزء من الحد فزيادته على الجلد، زيادة جزء من الحد كما هو واضح، ومثله زيادة ركعتين في الرباعية بناء على أن الصلاة فرضت اثنتين، ثم زيد في صلاة الحضر

وبقيت صلاة السفر على ما كانت عليه كما جاء به الحديث.

ومثال زيادة الشرط زيادة وصف الايمان في صفة رقبة كفارة اليمين والظهار فمذهب الجمهور وهو الظاهر أن هذا النوع من الزيادات لا يكون نسخاً لأنه لم يرفع حكماً شرعياً، وانما رفع البراءة الأصلية التي هي الاباحة العقلية وهي استصحاب العدم الأصلي حتى يرد دليل صارف عنه والزيادة في مثل هذا زيادة شيء سكت عنه النص الأول فلم يتعرض له بصريح اثبات ولا نفي وخالف في هذا الامام أبو حنيفة رحمه الله فمنع كون التغريب جزءاً من الحد، وان جاء بذلك الحديث الصحيح

قائلاً، ان الجلد كان مجزءاً

ص: 90

وحده وزيادة التغريب دلت على أنه لا يكفي وحده بل لابد معه من زيادة التغريب، وهذا نسخ لاستقلال الجلد بتمام الحد وهذا بناء على أن المتواتر لا ينسخ بالآحاد لأن آية الجلد متواترة وأحاديث زيادة التغريب آحاد، والغرض عنده أن الزيادة نسخ والمتواتر لا ينسخ بالآحاد، فلم يقبل ثبوت التغريب بالآحاد بناء على ذلك ولأجل هذا بعينه لم يقل بالحكم بالشاهد واليمين في الأموال، الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بناء على أنه آحاد وأنه زيادة على آية " فان لم يكونا رجلين فرجل

وامرأتان ممن ترضون من الشهداء" وأن الزيادة على النص نسخ وأن المتواتر لا ينسخ بالآحاد، وكذلك قال الجمهور ان شرط وصف الايمان في رقبة كفارة اليمين والظهار ليس نسخاً فيلزم القول به حملاً للمطلق وهو رقبة كفارة اليمين والظهار على المقيد بالإيمان وهو كفارة القتل خطأ.

ومنع ذلك أبو حنيفة بأن الزيادة على النص نسخ وحمل المطلق على المقيد لا يصلح دليلاً على النسخ وايضاح هذا.

ان الجمهور قالوا هذا النوع من الزيادة لا تعارض بينه وبين النص الأول، والناسخ والمنسوخ يشترط فيهما المنافاة بحيث يكون ثبوت أحدهما يقتضي نفي الآخر ولا يمكن الجمع بينهما فالمزيد في مثل هذا مسكوت عنه، فان قيل هو مدلول عليه بمفهوم المخالفة فالجواب أن الحنفية المخالفين في هذا لا يقولون بمفهوم المخالفة أصلاً ونحن لا نقول به هنا، مع أنا لا نسلم دلالة المفهوم عليه فقوله تعالى "فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " لا يدل على عدم وجوب شيء آخر بدليل آخر، اذ ليس فيه ما يدل على الحصر، فالمزيد مسكوت عنه في

النص المتقدم والزيادة رافعة للبراءة الأصلية لا لحكم شرعي منصوص بدليل شرعي،

ص: 91

ثم تلك الدعوى انما تستقيم لو ثبت أنه ورد حكم المفهوم واستقر ثم وردت الزيادة بعده وهذا لا سبيل إلىمعرفته بل لعله ورد بياناً لاسقاط المفهوم متصلاً به أو قريباً منه كما أشار له المؤلف.

وايضاحه أنا لا نسلم أن قوله تعالى " فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" دل بمفهومه على عدم التغريب، ثم استقر حكم هذا المفهوم بعدم التغريب ثم وردت الزيادة بالتغريب بعد ذلك حتى يقال أنها نسخ ن بل يمكن أن تكون زيادة التغريب ذكرها النبي - صلى

الله عليه وسلم - متصلة بنزول آية الجلد بياناً لأنه لا مفهوم يراد به الاقتصار على الجلد دون التغريب ويدل لعدم الانفصال بينهما حديث " خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً " لاحديث فالسبيل آية الحد، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم التغريب مقترناً بذكره لها كما ترى، والعلم عند الله تعالى والى التفصيل المذكور آنفاً أشار في المراقي بقوله:

وليس نسخاً كل ما أفادا

فيما رسا بالنص لازديادا

قال المؤلف رحمه الله تعالى: ـ

(فصل)

ونسخ جزء العبادة المتصل بها أو شرطها ليس نسخاً لجملتها على آخره.

حاصل هذا المبحث، أن نسخ الجزء أو الشرط نسخ لنفس ذلك الجزء وذلك الشرط فقط، لا نسخ لجميع الحكم وهو واضح لأن هذا نسخ وهذا أبقى على ما كان عليه، فمثال نسخ الشرط أن استقبال بيت المقدس كان شرطاً في صحة الصلاة فنسخ هذا الشرط ولم يكن نسخه نسخاً لحكم

ص: 92

الصلاة من أصلها كما ترى، ومثال نسخ الجزء نسخ عشر رضعات بخمس ولا سيما عند من يقول ببقاء خمس رضعات إلى الآن كالشافعي وحجة من قال بأن نسخ الجزء أو الشرط نسخ لجملة الحكم هو أن الاقتصار على الحكم بدون ذلك الجزء أو ذلك الشرط كان ممنوعاً لا يعتد معه بذلك الحكم،

وبعده كان الحكم تاماً، وهذا نسخ، وأجيب من جهة الجمهور، أن ذلك الشرط أو ذلك الجزء انما كان وقت تشريعه رافعاً للبراءة الأصلية، فلما نسخ رجع سقوطه إلى حكم البراءة الأصلية، والباقي كان مشروعاً ولم يزل كذلك وأشار إلى هذا في المراقي بقوله:

والنسخ للجزء أو الشرط انتقى

... نسخه للساقط لا للذبقى

قال المؤلف رحمه الله تعالى.

(فصل)

يجوز نسخ العبادة إلى غير بدل، وقيل لا يجوز لقوله تعالى:" ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها " الآية.

قال مقيده عفا الله عنه:

هذا الذي حكاه رحمه الله بصيغة التضعيف التي هي قيل، يجب المصير غليه، ولا يجوز القول بسواه البتة لأن الله جل وعلا صرح به في كتابه، والله يقول:" ومن أصدق من الله حديثاً "، "ومن

ص: 93

أصدق من الله قيلا"، " وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً، الآيات، أي صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام، فالعجب كل العجب من كثرة هؤلاء العلماء وجلالتهم من مالكية وشافعية وحنابلة وغيرهم، القائلين بجواز النسخ لا إلى بدل ووقوعه مع أن الله يصرح بخلاف ذلك في قوله تعالى "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها " فقد ربط

بين نسخها وبين الاتيان بخير منها أو مثلها، بأداة الشرط ربط الجزاء بشرطه ومعلوم عند المحققين أن الشرطية انما يتوارد فيها الصدق والكذب على نفس الربط، ولا شك أن هذا الربط الذي صرح الله به بين هذا الشرط والجزاء في هذه الآية صحيح لا يمكن تخلفه بحال فمن ادعى انفكاكه وأنه يمكن النسخ بدون الاتيان بخير أو مثل فهو مناقض للقرآن مناقضة صريحة لا خفاء بها، ومناقض القاطع كاذب يقيناً لاستحالة اجتماع النقيضين، صدق الله العظيم، وأخطأ كل من خالف شيئاً من كلامه جل وعلا، وقول المؤلف رحمه الله: ولنا أنه متصور

عقلاً ظاهر السقوط لأن صريح القرآن لا يناقض بالتجويز العقلي، وقوله قام دليله شرعاً ليس بصحيح، اذ لا يمكن قيام دليل شرعي على ما يخالف صريح القرآن، وقوله أن نسخ النهي عن ادخار لحوم الأضاحي وتقديم الصدقة أمام المناجاة كلاهما نسخ إلى غير بدل، وأن ذلك دليل على النسخ لا إلى بدل، غير صحيح لأن النهي عن ادخار لحوم الأضاحي نسخ ببدل خير منه وهو التخيير في الادخار والانفاق المذكور في الأحاديث وتقديم الصدقة أمام المناجاة منسوخ ببدل خير منه وهو التخيير بين الصدقة تطوعاً ابتغاء لما عند الله وبين الامساك عن

ذلك كما يدل عليه قوله: " فاذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم " الآية.

وقول المؤلف رحمه الله فأما الآية فانها وردت في التلاوة، وليس للحكم

ص: 94

فيها ذكر، ظاهر السقوط كما ترى، لأن الآية الكريمة صريحة في أنه مهما نسخ آية أو أنساها أتى بخير منها أو مثلها كما هو واضح، وقول المؤلف على أنه يجوز أن يكون رفعها خيراً منها في الوقت الثاني لكونها لو وجدت فيه لكانت مفسدة.

يقال فيه ذلك الرفع الذي هو خير منها، هو عين البدل الذي هو خير منها، الذي هو محل النزاع، وما أجاب به صاحب نشر البنود شرح مراقي السعود تبعاً للقرافي من أن الجواب لا يجب أن يكون ممكناً فضلاً عن أن يكون واقعاً، نحو إن كان الواحد نصف العشرة، فالعشرة اثنان، ظاهر السقوط أيضاً، لأن مورد الصدق والكذب في الشرطية، إنما هو الربط فتكون صادقة لصدق ربطها ولو كانت كاذبة الطرفين لو حل ربطها ألا ترى أن قوله تعالى " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " قضية شرطية في غاية الصدق مع أنها لو أزيل منها الربط

لكذب طرفاها، إذ يصير الطرف الأول كان فيهما آلهة إلا الله وهذا باطل قطعاً، ويصير الطرف الثاني فسدتا أي السماوات والأرض وهو باطل أيضاً والربط لا شك في صحته وبصحته تصدق الشرطية، فلو كان فيهما آلهة غير الله لفسد كل شيء بلا شك، وكذلك لو صح أن الواحد نصف العشرة لصح أن العشرة اثنان، لكنه لم يصح فيهما آلهة غير الله، ولا أن الواحد نصف العشرة، كما هو معروف بخلاف الشرط في الآية فقد صح وبصحته يلزم وجود المشروط، واعلم أن قول من قال أن أهل العربية يجعلون الصدق والكذب في الشرطية، إنما يتواردان على

الجزاء والشرط إنما هو شرط ذلك غير صحيح، بل التحقيق أن الصدق والكذب عندهم يتواردان على الربط بينهما كما ذكرنا كما حققه السيد في حوشيه على المطول، وكما حققه البناني في شرح السلم، وهو الحق الذي لا شك فيه لصدق الشرطية مع كذب الطرفين كما بينا.

ص: 95

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

(فصل)

ويجوز النسخ بالأخف والأثقل إلى آخره، حاصل هذا المبحث أنه يجوز نسخ الحكم الأثقل بالأخف منه، كما يجوز نسخ الأخف بالأثقل منه، ومثال نسخ الأثقل بالأخف، نسخ الاعتداد بالحول في قوله تعالى:" متاعاً إلى الحول غير اخراج " الآية. بأربعة أشهر وعشر في قوله تعالى: " يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " الآية. ومعلوم أن الأربعة أشهر وعشر ليال أخف من السنة وكنسخ مصابرة الواحد عشرة من الكفار، المنصوص في قوله تعالى:" إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين " الآية.

بمصابرة أثنين المنصوص في قوله تعالى: " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين " الآية. فان مصابرة أثنين أخف من مصابرة عشرة: وكنسخ قوله تعالى: " وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " الآية. بقوله " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " الآية. ومثال نسخ الأخف بالأثقل نسخ التخيير بين الصوم والاطعام، المنصوص في قوله تعالى:" وعلى الذين يطيقون فدية طعام مسكين " الآية.

بقوله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " الآية لأن ايجاب الصوم أثقل من التخيير بينه وبين الاطعام، ونسخ حبس الزواني في البيوت المنصوص عليه بقوله تعالى: " فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن

ص: 96

الموت " الآية. والرجم أثقل من الحبس في البيوت، ولو قبل أن آية الحبس في البيوت غير منسوخة لأنها كانت لها غاية، هي قوله تعالى: " حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا " الآية.

وقد حصلت الغاية بجعل السبيل كما قال صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا " الحديث، فذلك السبيل هو الجلد والرجم لكان حسنا متجهاً.

ومن أمثلته نسخ إباحة الخمر المنصوص في قوله تعالى: " تتخذون منه سكراً ورزقاً حسنا " الآية. بقوله تعالى: " إنما الخمر والميسر - إلى قوله - فهل أنتم منتهون "، خلافاً لمن زعم أن تحريم الخمر رافع للبراءة الأصلية لا حكم شرعي، فليس عنده بنسخ، لأنه فسر قوله تعالى:" تتخذون منه سكراً " بأن المراد بالسكر الطعم أو الخل لا الخمر، وهو خلاف الصحيح،

فان قيل كيف جاز نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف مع أن الله يقول: " نأت بخير منها أو مثلها " فان كان الأثقل خيراً لكثرة الأجر فلم جاز نسخه بالأخف، وإن كان الأخف خيراً لسهولته فلم جاز نسخه بالأثقل.

فالجواب أن الخيرية دائرة بين الأخف والأثقل فتارة تكون في الأخف فينسخ به الأثقل لسهولة الأخف، وتارة تكون في الأثقل لكثرة الأجر فيه فينسخ به الأخف، وانكار الظاهرية لنسخ الأخف بالأثقل محتجين بقوله تعالى:"يريد الله بكم اليسر" وقوله: "يريد الله أن يخفف عنكم "، ونحو ذلك من الآيات لا وجه له، لأن

ص: 97

المراد بالآيات التخفيف بالجملة، فلا ينافي أنه ربما شرع حكماً أثقل مما قبله كما أوجب الصوم بعد التخيير، ونحو ذلك والى هذه المسألة أشار في المراقي بقوله:

وينسخ الخف بما له له ثقل

وقد يجيء عارياً من البدل

قال المؤلف رحمه الله تعالى: ـ

(فصل)

اذا نزل الناسخ فهل يكون نسخاً في حق من لم يبلغه الخ

حاصل هذا المبحث أن الحكم اختلف فيه، هل يثبت بمجرد وروده، وان لم يبلغ المكلف أو لا يثبت بحق المكلف الا بعد بلوغه له، وقال القاضي أنه لا يكون نسخاً حتى يبلغ المكلف، لأن أهل قباء بلغهم نسخ استقبال بيت المقدس وهم في الصلاة فاعتدوا بما مضى من صلاتهم، ولو كان الحكم يستقر بمجرد وروده وان لم يعلم به المكلف لما اعتدوا بما مضى من الصلاة قبل العلم بالناسخ، قال أبو الخطاب يتخرج أن يكون نسخاً، بناء على قول الامام أحمد رحمه الله تعالى في الوكيل أنه ينعزل بعزل الموكل، وان لم يعلم الوكيل بالعزل ويتفرع

على هذا الخلاف نسخ خمسة وأربعين صلاة ليلة الاسراء فعلى أن الحكم يثبت بمجرد الورود فهي منسوخة في حق الأمة، وعلى عكسه فلا، ومن الفروع المبنية عليه عزل الوكيل بموت موكله أو عزله له قبل العلم، وهل تصرفه بعد موت موكله، أو بعد عزله له، قبل علمه بذلك ماضي أو لا.

الخلاف في ذلك مبني على الخلاف في هذه المسألة وينبني على الخلاف

ص: 98

في هذه المسألة أيضاً من أسلم في دار الكفر ولم يجد من يعلمه أمر دينه كالصلاة والصوم، ومن نشأ على شاهق جبل وهو على الفطرة ولم يجد من يعلمه، ثم بعد ذلك حصل العلم بأمور الدين

لكل منهما فعلى أن الحكم يثبت بالورود فعليهما قضاء ما فاتهما من الصلاة والصوم، وعلى أنه لا يستقل الا ببلوغه للمكلف فلا قضاء عليهما، واحتج من قال لا يستقل الا ببلوغه للمكلف بأن الناسخ خطاب والخطاب يشترط فيه علم المخاطب به فلا يكون خطاباً في حق من لم يبلغه، ورد القائلون بثبوته بالورود وان لم يبلغ المكلف، الاحتجاج بقصة أهل قباء بأن الخطأ في القبلة يعذر فيه كمن صلى إلى غير القبلة يظن أنها القبلة، وكما يدل له قوله تعالى:" فأينما تولوا فثم وجه الله " على أحد التفسيرات وعليه أكثر أهل العلم والى

هذه المسألة أشار في المراقي بقوله:

هل يستقل الحكم بالورود

أو ببلوغه الى الموجود

فالعزل بالموت أو العزل عرض

كذا قضاء جاهل للمفترض

قال المؤلف رحمه الله تعالى: ـ

(فصل)

يجوز نسخ القرآن بالقرآن والسنة المتواترة بمثلها والآحاد بالآحاد، الخ.

أعلم أن هذه الصور الثلاث لا خلاف فيها بين العلماء يعتد به كما حكى غير واحد عليها الاجماع، وخلاف من خالف في ذلك لا يعتد به ولا وجه له، فنسخ القرآن بالقرآن كنسخ الاعتداد بالحول بالاعتداد

ص: 99