الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا القول الأخير ان النسخ بيان لانقضاء زمن الحكم الأول لأن ظاهر الخطاب الأول أن الحكم مؤبد والناسخ قد دل على انتهاء زمنه، وأشار إلى القولين في المراقي بقوله في تعريف النسخ:
رفع لحكم أو بيان الزمن
…
بمحكم القرآن أو بالسنن
وعلى هذا القول الثاني فالنسخ يرجع إلى التخصيص في الأزمان وهو معترض، لأنه لا يشمل النسخ قبل التمكن من الفعل، واعلم أن حد المعتزلة للنسخ الذي ذكره المؤلف باطل، فلا حاجة له، وما أورد من الاعتراضات على حد النسخ الذي ذكرنا بأنه رفع الحكم كله ساقط، والحد صحيح.
واعلم أن النسخ لا يلزمه البدل الذي هو الرأي المتجدد، لأن الله يشرع الحكم الأول وهو يعلم أنه سينسخه في الوقت الذي تزول مصلحته فيه وتصير المصلحة في الناسخ.
فاذا جاء ذل الوقت نسخ الحكم الأول وعوض منه الحكم الناسخ على وفق ما سبق في علمه أنه سيفعله، كما أن المرض بعد الصحة وعكسه والموت بعد الحياة وعكسه والفقر بعد الغنى وعكسه ونحو ذلك ليس فيه بدءاً لسبق علمه تعالى بأنه سيفعل ذلك في وقته كما هو ظاهر.
قال المؤلف:
فان قيل فما
الفرق بين النسخ والتخصيص
إلى آخره.
أعلم أن السلف يطلقون اسم النسخ على ما يطلقه عليه الأصوليون وعلى التخصيص والتقييد، فالجميع يسمونه نسخاً كما نبه عليه غير واحد.
وأما الأصوليون فلا يطلقون النسخ على التخصيص ولا التخصيص على النسخ.
وحد النسخ عندهم هو ما تقدم.
وحد التخصيص في اصطلاحهم هو قصر العام على بعض أفراده بدليل يقتضي ذلك كما سيأتي إن شاء الله.
وبتعريف كل منها يظهر الفرق وذكر المؤلف الفرق بينهما من سبعة أوجه:
الأول: أن التخصيص بيان أن المخصوص غير مراد باللفظ والنسخ يخرج ما أريد باللفظ الدلالة عليه وايضاحه أن مثل قوله تعالى " فلبث فيهم ألف سنة " الآية ظاهرة أنها ألف كاملة لكن قوله " إلا خمسين عاماً " بين أن هذه الخمسين غير مراد دخولها في الألف وأن
المراد بالألف تسعمائة وخمسون بدليل قوله إلا خمسين عاما، وهذا المثال بناء على أن الاستثناء بالا ونحوها من العدد تخصيص وهو قول الأكثر كما أشار إليه في المراقي بقوله:
وعدد مع كالا قد وجب
…
له الخصوص عند جل من ذهب
بخلاف النسخ فالذي يرفعه الناسخ كان قبل النسخ مقصوداً دخوله في معنى اللفظ وفي الحكم كما هو واضح.
الثاني: أن النسخ يشترط تراخيه كما تقدم بخلاف التخصيص فانه يجوز اقترانه، وربما لزم كالتخصيص بالشرط والصفة والغاية والاستثناء وبدل البعض من الكل كما يأتي إيضاحه إن شاء الله في مبحث المخصصات.
الثالث: أن النسخ يدخل في الشيء الواحد كنسخ استقبال بيت المقدس بيت الله الحرام، فالمنسوخ شيء واحد بخلاف التخصيص فلا يدخل إلا في عام له أفراد متعددة يخرج بعضها بالمخصص، ويبقى بعضها الآخر.
الرابع: أن النسخ لا يكون إلا بخطاب جديد، والتخصيص قد يقع بغير خطاب كالتخصيص بالقياس والعقل وبالعرف المقارن للخطاب وغير ذلك كما سيأتي إيضاحه في مبحث المخصصات المنفصلة.
الخامس: أن النسخ لا يدخل الأخبار، وإنما هو في الإنشاء فقط بخلاف التخصيص فإنه يكون في الإنشاء وفي الخبر.
السادس: أن النسخ لا يبقى معه دلالة اللفظ على ما تحته والتخصيص لا ينتفي معه ذلك، إيضاحه أن مثل قوله تعالى:" والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج " لما نسخ بقوله تعالى: " يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً " لم تبق دلالة الآية. الأولى على الحول من العدة، مقصودة في المستقبل بعد ورود الناسخ، بخلاف التخصيص وسيأتي أن التحقيق عند متأخري الأصوليين، أن العام المخصوص يراد فيه شمول جميع الأفراد، من حيث تناول اللفظ لها دون الحكم لها لوجود المخصص، أما العام المراد به الخصوص فالأفراد الخارجة بالمخصص لم ترد فيه تناولا ولا حكماً كما يأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى:
السابع: أن المتواتر لا ينسخ بالآحاد بخلاف التخصيص، فان المتواتر يخصص بالآحاد لأن النسخ رفع والتخصيص بيان، فقوله تعالى:" وأحل لكم ما وراء ذلكم " متواتر خصص عمومه بحديث (لا تنكح المرأة على عمتها أو خالتها) وهو آحاد، وقوله تعالى:" يوصيكم الله في أولادكم.. " الآية. خصص بقوله: " أنا معاشر الأنبياء لا نورث " الحديث. وهو آحاد وأمثلته كثيرة وسيأتي في مبحث التخصيص كثير منها إن شاء الله تعالى.
وأشار في المراقي إلى جواز بيان التواتر بالآحاد وبيان المنطوق بالمفهوم
بقوله:
وبين القاصر من حيث السند
…
أو الدلالة على ما يعتمد
تنبيه
أعلم أن التخصيص إن لم يرد فيه المخصص بالكسر إلا بعد العمل بالعام، والتقييد إن لم يرد فيه المقيد بالكسر إلا بعد العمل بالمطلق، فكلاهما حينئذ نسخ، ولا يجوز أن يكونا تخصيصاً وتقيداً لأن التخصيص والتقيد بيان، والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت العمل، فلما تأخر عن وقته تعين كونه نسخاً، وأشار إلى ذلك في المراقي في الأول بقوله:
وأن أتى ما خص بعد العمل
…
نسخ والغير مخصصاً جلي
وفي الثاني بقوله:
وأن يكن تأخر المقيد
…
عن عمل فالنسخ فيه يعهد
قال المؤلف رحمه الله:
(فصل)
وقد أنكر قوم النسخ وهو فاسد، إلى آخره لا شك أن إنكار النسخ فاسد وأن النسخ جائز عقلا كما قدمنا أنه لا يلزمه البداء وواقع شرعاً، والدليل قوله تعالى:" ما ننسخ من آية " الآية. وقوله تعالى: " وإذا بدلنا آية مكان آية " الآية. وإنكار أبي