الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتكون الاقسام أربعة مثال المنهى عنه لذاته الشرك والزنا ومثال المنهى عنه لوصفه القائم به الخمر بالنسبة إلى الاسكار ومثل له المؤلف بالصلاة فى حالة السكر لانها منهى عنها لوصف السكر القائم بالمصلى، ومثال المنهى عنه لخارج غير لازم، الصلاة بالحرير، ومثال المنهى عنه لخارج لازم عند المؤلف،
الصلاة فى المكان المغصوب والنهى يقتضى البطلان فى ثلاثة منها وهى ما نهى عنه لذاته أو لوصفه القائم به أو لخارج عنه لازم له لزوما غير منفك. أما الرابع فلا يقتضى البطلان وهو ما كان النهى عنه لخارج غير لازم وقد قدمنا اختلافهم فى انفكاك الجهة وقد بين صاحب مراقى السعود بعض المسائل التي اختلفوا فى انفكاك الجهة فيها وعدمه بقوله:
مثل الصلاة بالحرير والذهب أو فى مكان الغصب والوضوء انقلب
ومعطن ومنهج ومقبره كنيسة وذى حميم مجزره
والمؤلف رحمه الله يرى أن الصلاة فى الأمكنة المنهى عنها باطلة والخلاف فيها مشهور.
(فصل)
قال المؤلف _رحمه الله _:
الأمر بالشىء نهى عن ضده
من حيث المعنى فأما الصيغة فلا، فان
قوله (قم) غير قوله لا تقعد وانما النظر فى المعنى وهو أن طلب القيام هل هو بعينه طلب برك القعود إلى آخره.
اعلم أن كون الأمر بالشيء نهياً عن ضده فيه ثلاثة مذاهب: الأول أن الأمر بالشىء هو عين النهى عن ضده وهذا قول جمهور المتكلمين، قالوا أسكن مثلا، السكون المأمور به فيه، هو عين ترك الحركة، قالوا وشغل الجسم فراغاً هو عين تفريغه للفراغ الذى انتقل عنه، والبعد من المغرب هو عين القرب من المشرق وهو بالنسية إليه أمر، وإلى الحركة نهى، والذين قالوا بهذا القول اشترطوا فى الأمر كون المأمور به معيناً وكون وقته مضيقاً ولم يذكر ذلك المؤلف، أما اذا كان غير معين كالأمر بواحد من خصال الكفارة فلا يكون نهياً عن
ضده، فلا يكون فى آية الكفارة نهى عن ضد الاعتاق، مثلا، لجواز ترك الاعتاق من أصله والتلبس بضده والتكفير بالاطعام مثلا، وذلك بالنظر إلى ما صدقه أي فرده المعين كما مثلنا لا بالنظر إلى مفهومه وهو الأحد الدائر بين تلك الاشياء.
ذى حميم: أي الحمام لوجود الماء الحار. ومنه قوله تعالى: (وسقوا ماء حميماً) .
فان الأمر حينئذ نهى عن ضد الأحد الدائر، وضده هو ما عدا تلك الأشياء المخير بينها وكذلك الوقت الموسع فلا يكون الامر بالصلاة فى أول الوقت نهياً على التلبس بضدها في أول الوقت وتأخيرها إلى وسطه أو آخره بحكم توسيع الوقت.
قال مقيده عفا الله عنه:
الذى يظهر والله أعلم أن قول المتكلمين ومن وافقهم من الأصوليين أن الامر بالشىء هو عين النهى عن ضده، مبنى على زعمهم الفاسد أن الأمر قسمان: نفسى ولفظى، وأن الامر النفسى، هو المعنى القائم بالذات
المجرد عن الصيغة وبقطعهم النظر عن الصيغة، واعتبارهم الكلام
النفسي، زعموا أن الامر هو عين النهى عن الضد، مع أن متعلق الأمر طلب، ومتعلق النهى ترك، والطلب استدعاء أمر موجود، النهى استدعاء ترك، فليس استدعاء شىء موجود، وبهذا يظهر أن الامر ليس عين النهى عن الضد وأنه لا يمكن القول بذلك الا على زعم أن الامر هو الخطاب النفسى القائم بالذات المجرد عن الصيغة، ويوضح ذلك اشتراطهم فى كون الامر نهياً عن الضد أن يكون الامر نفسياً يعنون الخطاب النفسى المجرد عن الصيغة، وجزم ببناء هذه المسألة على الكلام النفسي صاحب الضياء اللامع وغيره، وقد أشار المؤلف إلى هذا
بقوله من حيث المعنى، وأما الصيغة فلا ولم ينتبه لان هذا من المسائل التي فيها النار تحت الرماد، لان أصل هذا الكلام مبنى على زعم باطل وهو أن كلام الله مجرد المعنى القائم بالذات المجرد عن الحروف والألفاظ، لان هذا القول الباطل يقتضى أن ألفاظ كلمات القرآن بحروفها لم يتكلم بها رب السموات والارض، وبطلان ذلك واضح وسيأتى له ان شاء الله زيادة ايضاح فى مباحث القرآن ومباحث الأمر.
المذهب الثانى: ان الأمر بالشىء ليس عين النهى عن ضده، ولكنه يستلزمه، وهذا هو أظهر الأقوال لان قولك أسكن مثلا يستلزم نهيك عن الحركة لان المأمور به لا يمكن وجوده مع التلبس بضده لاستحالة اجتماع الضدين وما لا يتم الواجب الا به واجب كما تقدم، وعلى هذا القول أكثر أصحاب مالك، وإليه رجع الباقلانى فى آخر مصنفاته وكان يقول بالأول:
المذهب الثالث: أنه ليس عينه ولا يتضمنه وهو قول المعتزلة والأبيارة من المالكية، وامام الحرمين والغزإلى من الشافعية، واستدل من قال بهذا بأن الآمر يجوز أن يكون وقت الأمر ذاهلا عن ضده واذا كان ذاهلا عنه
فليس ناهياً عنه اذ لا يتصور النهى عن الشىء مع عدم خطوره بالبال أصلا، ويجاب عن هذا بأن الكف عن الضد لازم لأمره مستلزم ضرورة للنهى عن ضده لاستحالة اجتماع الضدين قالوا ولا تشترط ارادة الآمر كما أشار إليه المؤلف رحمه الله.
قال مقيده عفا الله عنه:
قولهم هنا ولا تشترط ارادة الآمر فى هذا المبحث غلط، لان المراد بعدم اشتراط الارادة فى الامر ارادة الآمر وقوع المأمور به أما ارادته لنفس اقتضاء الطلب المعبر عنه بالامر، فلا بد منها على كل حال وهى محل النزاع هنا ومن المسائل التي تنبنى على الاختلاف فى هذه المسألة قول الرجل لأمرأته ان خالفت نهيى فأنت طالق، ثم قال قومى فقعدت فعلى أن الامر بالشيء نهى عن ضده، فقوله قومى هو عين النهى عن القعود فيكون قعودها مخالفة لنهيه المعبر عنه بصيغة الامر فتطلق وعلى أنه مستلزم له فيتفرع على الخلاف المشهور فى لازم
القول هل هو قول أولا، وعلى أنه ليس عين النهى عن الضد ولا مستلزما له فانها لا تطلق، ومن المسائل المبينة عليها أيضاً ما لو سرق المصلى فى صلاته أو لبس حريراً أو نظر محرما، فعلى أن الامر بالشىء نهى عن ضده فيكون الامر بالصلاة هو عين النهى عن السرقة مثلا فتبطل الصلاة، بناء على أن النهى يستلزم الفساد، فعين السرقة منهى عنها فى الصلاة بنفس الامر بالصلاة، فعلى أن النهى يقتضى الفساد فالصلاة باطلة. وسيأتى لهذا زيادة ايضاح ان شاء الله تعالى وخلاف العلماء فى مثل هذه الفروع مشهور.