الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((ان ابني من أهلي)) فبين له أنه ليس من أهله بقوله: ((يا نوح انه ليس من أهلك)) وبأن آيات الصلاة والزكاة والحج بينتها السنة بالتراخي والتدريج في أوقات الحاجة. وبأن النسخ بيان لانقضاء زمن الحكم الأول. ولا خلاف في تأخير بيانه إلى وقته. إلى غير ذلك من الأدلة وأشار في المراقي إلى هذا الخلاف في هذه المسألة مع زيادة قول رابع بقوله:
باب الأمر
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
الأمر استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء ، وقيل هو القول المقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به
…
الخ. وهو فاسد
…
الخ.
وجد فساد الحد الأخير أن فيه لفظة ((المأمور)) مرتين وهي مشتقة من الأمر فيحصل الدور فيمتنع الفهم. ومفهوم قوله على وجه الاستعلاء أنه ان كان على عكس ذلك فهو دعاء وان كان التساوي فهو التماس كما قال الأخضري في سلمة:
واشترط الاستعلاء الذي مشى عليه المؤلف هو قول الفخر الرازي وأبي الحسين والآمدي وابن الحاجب والباجي.
وقيل يشترط فيه العلو فقط ، وهو قول المعتزلة وأبي اسحق الشيرازي ، وابن الصباغ والسمعاني ، وقيل
يشترط فيه العلو والاستعلاء معاً وهو قول القشيري والقاضي عبد الوهاب ، وقيل لا يشترط فيه علو ولا استعلاء فيصح من المساوي والا دون على غير وجه الاستعلاء. وهو مذهب المتكلمين واختاره غير واحد من متأخري الأصوليين.
وأشار في المراقي إلى هذه الأقوال بقوله:
والاستعلاء: كون الأمر على وجه الغلظة والترفع والقهر ، والعلو شرف الآمر وعلو منزلته في نفس الأمر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
وللأمر صيغة مبينة تدل بمجردها على كونها أمراً اذا تعرب عن القرائن وهي: افعل للحاضر وليفعل للغائب هذا قول الجمهور
…
الخ.
اعلم ان الصيغ الدالة على الأمر أربع وكلها في القرآن وهي:
1-
فعل الأمر نحو:: أقم الصلاة.
2-
المضارع المجزوم بلام الأمر نحو: فليحذر الذين يخالفون عن أمره.
3-
اسم فعل الأمر نحو عليكم أنفسكم.
4-
المصدر النائب عن فعله نحو ((فضرب الرقاب))
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
وزعمت فرقة من المبدعة أنه لا صيغة للأمر بناء على خيالهم ان الكلام
معنى قائم بالنفي فخالفوا الكتاب والسنة وأهل اللغة والصرف
…
الخ.
أعلم أن كثيرا من المتكلمين يزعمون أن كلام الله معنى قائم بذاته مجرد عن الألفاظ والحروف والأمر عندهم هو اقتضاء الفعل بذلك المعنى القائم بالنفس المجرد عن الصيغة ولأجل هذا الاعتقاد الفاسد قسموا الأمر إلى قسمين: نفسي ، ولفظي. فالأمر النفسي عندهم هو ما ذكرنا. والأمر اللفظي هو اللفظ الدال عليه كصيغة افعل.
وأشار إلى مرادهم هذا صاحب مراقي السعود بقوله في تعريف النفسي عندهم واللفظي:
اذا علمت ذلك فأعلم أن هذا المذهب باطل وأن الحق أن كلام الله هو هذا الذي نقرؤه بألفاظه: فالكلام كلام الباري والصوت صوت القارئ وقد صرح تعالى بذلك في قوله: ((فأجره حتى يسمع كلام الله)) فصرح بأن ما يسمع ذلك المشرك المستجير بألفاظه ومعانيه كلامه تعالى.
وأقام المؤلف الحجج على أنه ما في النفس ان لم يتكلم به لا يسمي كلاماً كقوله في قصة زكريا ((قال آيتك أن لا تكلم الناس)) مع أنه أشار إليهم ، كما قال ((فأوحي إليهم أن سبحوه)) فلم يكن ذلك المعنى القائم بنفسه الذي عبر عنه بالإشارة كلاماً وكذلك في قصة مريم ((اني نذرت للرحمن صوماً)) الآية. مع قوله فأشارت إليه وفي الحديث:((إن الله عفي لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به)) .
واتفق أهل اللسان على أن الكلام: اسم ، وفعل ، وحرف. وأجمع الفقهاء على أن من حلف لا يتكلم لا يخنث بحديث النفس وانما يحنث بالكلام.
قال مقيده عفا الله عنه: -
واذا أطلق الكلام في بعض الأحيان على ما في النفس فلا بد أن يقيد بما يدل على ذلك كقوله تعالى: ((ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله)) الآية. فلو لم يقيد بقوله ((في أنفسهم)) لا نصرف إلى الكلام باللسان كما قرره المؤلف رحمه الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
فأما الدليل على أن هذه صيغة الأمر فاتفاق أهل اللسان على تسمية هذه الصيغة أمراً ولو قال رجل لعبده: ((اسقني ماء)) عد أمراً وعد العبد مطيعاً بالامتثال. وهذا واضح. ومن الواضح أيضاً أن لا يقدح في كون افعل صيغة أمر كونها قد ترد لغير ذلك كالندب في قوله ((فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيراً)) على القول به ، والإباحة في قوله:((فإذا حللم فاصطادوا)) .
والإكرام في قوله: ((ادخلوها بسلام آمنين)) .
والإهانة في قوله: ((ذق انك أنت العزيز الكريم)) .
والتهديد في قوله: ((اعملوا ما شئتم)) .
والتعجيز في قوله: ((فادرؤا عن أنفسكم الموت)) إلى غير ذلك من المعاني لأن صيغة ((فعل)) حقيقة متبادرة في استدعاء الفعل وطلبه مع أنها تستعمل في معنى آخر مع قرينة تبين أن المراد ذلك المعنى الآخر. وهكذا لا أشكال فيه كما أوضحه المؤلف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
(فصل)
ولا يشترط في كون الأمر أمراً اراده الأمر
…
الخ.
أعلم أن التحقيق في هذا المبحث أن الإرادة نوعان:
إرادة شرعية دينية
…
وارادة كونية قدرية. والأمر الشرعي انما تلازمه الإرادة الشرعية الدينية ولا تلازم بينه وبين الإرادة الكونية القدرية فالله أمر أبا جهل مثلا بالإيمان ، وأراده منه شرعاً وديناً. ولم يرده منه كوناً وقدراً. اذ لو أراده كوناً لوقع. ((ولو شاء الله ما أشركوا)) . ((ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها)) . ولو شاء الله لجمعهم على الهدى.
فان قيل: ما الحكمة في أمره بشيء وهو يعلم أنه يريد وقوعه كوناً وقدراً؟ .
فالجواب: أن الحكمة في ذلك ابتلاء الخلق وتمييز المطيع من غير المطيع وقد صرح تعالى بهذه الحكمة فانه تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده مع أنه لم يرد وقوع ذبحه بالفعل كوناً وقدراً. وقد صرح بأن الحكمة في ذلك ابتلاء إبراهيم حيث قال: ابن هذا لهو البلاء المبين. فظهر بطلان قول المعتزلة أن لا يكون أمرا