الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرب الثالث: ثبوت العلة بالاجماع، كالاجماع على تأثير الصغر في الولاية على المال.
واعلم أن بعض الأصوليين يقولون بتقديم الاجماع على النص، لأن النص يحتمل النسخ والاجماع لا يحتمله، وسيأتي بيان ذلك وبيان موجب تقديم الاجماع على النص في الكلام على ترتيب الأدلة، ومرادهم بالاجماع الذي يقدم على النص خصوص الاجماع القطعي دون الاجماع الظني، وضابط الاجماع القطعي هو الاجماع القولي، لا
السكوتي، بشرط أن يكون مشاهدا أو منقولا بعدد التواتر في جميع طبقات السند.
أضرب إثبات العلة بالاستنباط
الثلاثة: -
الضرب الأول: اثبات العلة بمسلك المناسبة، والمناسبة لغة الملائمة.
وفي الاصطلاح: كون الوصف يتضمن ترتب الحكم عليه مصلحة، كالاسكار، فان ترتب المنع عليه فيه مصلحة حفظ العقل من الاختلال، (ويسمى المناسبة، والمناسبة والإخالة) .
وضابط مسلك المناسبة والإخالة عند الأصوليين، أن يقترن وصف مناسب بحكم في نص من نصوص الشرع، ويكون ذلك الوصف سالما من القوادح، وبقوم دليل على استقلاله بالمناسبة دون غيره، فيعلم أنه علة ذلك الحكم، ومثاله: اقتران حكم التحريم بوصف الاسكار في قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام) فالاسكار مناسب للتحريم مقترن به في النص سالم من القوادح، مستقل بالمناسبة، واعلم أن الوصف من حيث هو قسمان:
1-
طردي كالطول والقصر.
2-
ومناسب كالاسكار والصغر لتحريم الخمر وولاية المال. إذا علمت
ذلك فالمناسب عند المؤلف ثلاثة أقسام: مؤثر، وملائم، وغريب. وعند غيره أربعة: الثلاثة الأول السابقة والرابع المرسل، وهو المعروف بالمصلحة المرسلة.
واعلم أولا أن المراد بالجنس في هذا المبحث القدر المشترك بين أفراد مختلفة حقائقها، والمراد بالنوع القدر المشترك بين أفراد متفة حقائقها.
إذا علمت ذلك فاعلم أن المؤثر عند لمؤلف قسمان:
الأول: ما دل نص أو اجماع على تأثير عين الوصف في عين الحكم، ومثل له المؤلف بنفي الفارق المتقدم.
الثاني: ما دل نص أو اجماع على تأثير عين الوصف في جنس الحكم، ومثل له المؤلف بالأخوة من الأب والأم فانه مؤثر بالنص في التقديم في الميراث. فقياس عليه ولاية النكاح.
والملائم: عند المؤلف هو ما دل نص أو اجماع على تأثير جنس الوصف في عين الحكم فيه، ومثل له بتأثير جنس المشقة في اسقاط الصلاة عن الحائض، لأنه ظهر تأثير جنس الحرج في عين اسقاط الصلاة، كتأثير مشقة السفر في اسقاط ركعتين من الرباعية.
والغريب عند المؤلف: هو ما دل الدليل المذكور على تأثير جنس الوصف في جنس الحكم فيه، ومثل له بتأثير جنس المصالح في جنس الأحكام. وقال محشيه: وذلك كالحاق الصحابة شارب الخمر بالقاذف في جلده ثمانين لأنه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى.
وذكر جماعة من أهل الأصول: أن المؤثر ما دل نص أو اجماع على اعتبار عينه في عين الحكم، والملائم هو ما دل فيه الدليل المذكور على اعتبار عينه في جنس الحكم، أو جنسه في عين الحكم، أو جنسه في جنس الحكم، وأن الغريب هو ما دل على اهدار المصلحة التي صار بها مناسبا، ومثاله
جماع الملك في نهار رمضان فالمصلحة تتمحض في تكفيره بخصوص الصوم لأنه هو الذي يردعه لخفة العتق والاطعام عليه، ولكن الشرع ألغى هذه المصلحة.
واعلم أن الشرع لا يلغي مصلحة الا لأجل مصلحة أخرى أرجح منها، فالغاؤه مصلحة بزجر الملك المجامع في نهار رمضان بخصوص الصوم إنما هو من أجل أن مصلحة اعتاق الرقبة واطعام المساكين أرجح في نظر الشرع من التضييق على الملك بخصوص الصوم لينزجر.
والمرسل: هو ما لم يقم دليل خاص على اعتبار مناسبته، ولا على اهدارها، ومثلوا لتأثير العين في العين بتأثير الصغر في عين الولاية على المال، وبتأثير مس الذكر في نقض الوضوء، ولتأثير العين في الجنس بتأثير عين الصغر في ولاية النكاح، لأن عين الصغر اعتبر اجماعا في جنس الولاية الصادق بولاية المال، لأن الجنس يوجد في كل فرد من أفراده من حيث هو قدر مشترك بينها، ومثلوا لتأثير الجنس في العين بأنه لو لم يرد دليل على الجمع في الحضر لمشقة المطر ونحوه بأن الدليل دل على اعتبار جنس المشقة في عين الحكم الذي
هو الجمع كتأثير مشقة السفر في الجمع، ومثلوا لتأثير الجنس في الجنس بتأثير القتل بالمثقل في القصاص للاجماع على اعتبار جنس الجناية في جنس القصاص.
واعلم أن للجنس مراتب بعضها أعم من بعض في الأوصاف والأحكام، فأعم أجناس الحكم كونه حكماً، وأخص من ذلك كونه
واجباً أو محرماً مثلا، وأخص من الواجب كونه عبادة أو غير عبادة. والمراد بغير العبادة ما ليس تعبدياً كقضاء الدين، ورد المغصوب والأمانة، والتعبدي كالصلاة.
ويظهر الفرق بينهما بأن فاعلها لا يقصد الامتثال يصح له الأول دون الثاني وان كان لا يؤجر الا بالنية، وأخص من العبادة كونها صلاة أو غيرها.
وأعم أنواع الوصف كونه وصفاً تناط به الأحكام، وأخص منه كونه مناسباً وأخص من المناسب كونه مصلحة أو درئ مفسدة، كالحاجيات والضروريات والتميمات.
إذا علمت مراتب الأحكام والأوصاف فاعلم أن ما هو أخص مقدم على ما هو أعم، فجنس القرابة مثلا مؤثر في نوع الميراث فيقدم الأخص فلذا تقدم البنوة على الأخوة، والأخوة على العمومة مثلا، ومن هنا قال بعض العلماء: يقدم الحرير لأن تحريم الحرير لا يختص بالصلاة فكأن تحريم النجس أقوى منه لأنه يختص بها.
وانه ان لم يجد المحرم المضطر الا ميتة وصيدا أكل الميتة دون الصيد لأن تحريم الصيد خاص باالحر، والقاعدة تقديم الأخص، وخالف بعض العلماء في الفرعين والله اعلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
النوع الثاني في اثبات العلة (السبر
…
الخ..)
اعلم أولا أن هذا المسلك من مسالك العلة، يسمى بالسبر فقط، وبالتقسيم فقط، وبهما معاً، وهو الأكثر، والسبر بالفتح لغة: الاختبار،
ومنه يسمى ما يعرف به طول الجرح وعرضه سباراً ومسباراً، وأصل هذا الدليل من حيث هو مبني على أمرين:
أحدهما: حصر أوصاف المحل، وهو المعبر عنه بالتقسيم.
ثانيهما: ابطال ما ليس صالحاً للتعليل بطريق من طرق الأبطال الآتية. . فيتعين الوصف الباقي وهو المعبر عنه بالسبر.
فإذا عرفت معنى هذا المسلك فاعلم أن خلاصته ما ذكره فيه المؤلف أن أبا الخطاب اشترط في هذا المسلك اجماع الأمة على أن الأصل المقيس عليه معلل أي غير تعبدي مع الاختلاف في تعيين العلة فيبطل المستدل بالسبر جميع ما قالوه إلا واحدة فيعلم صحتها، كي لا يخرج الحق عن أقاويل الأمة، فنقول الحكم معلل ولا علة الا كذا وكذا وقد بطل أحدهما فيتعين الآخر.
كان يقول الحنبلي مثلا: علة تحريم الربا أما الكيل وأما الطعم وأما الاقتيات والإدخار فيبطل ما سوى الكيل فيتعين الكيل فهذا المسلك متأسس على ثلاثة أمور على ما درج عليه المؤلف:
الأول: الاجماع على كون حكم الأصل معللا.
الثاني: كون التقسيم حاصراً لجميع ما يعلل به، وذلك إما بموافقة الخصم أو عدم ابدائه وصفاً زائداً سواء أقر بالعجز عن ذلك، أو أدعاه وامتنع عن ذكره.
الثالث: ابطال ما سوى ذلك الوصف ولهذا الابطال طريقان:
الأولى: وجود الحكم بدون الوصف الذي يبطله المستدل بالسبر فيظهر أنه غير العلة لوجود الحكم دونه، ومثاله قول الشافعي المعلل تحريم الربا في البر بالطعم أن وصف الكيل والاقتيات، والادخار لغو بدليل وجود
الحكم الذي هو منع الربا في ملء الكف من البر مع أنه لا يكال وليس فيه قوت لقلته، فيتعين وصف الطعم.
ومثل لهذا المحشى بقول الحنبلي والشافعي مثلا: يصح أمان العبد لأنه صادر عن عاقل مسلم غير متهم فيصلح قياساً على الحر. فيقول الحنفي مثلا: بقي وصف آخر هر الحرية لم يوجد في الفرع فيبطل القياس فيقول المستدل: وصف الحرية لغو هنا بدليل الاتفاق على صحة أمان العبد المأذون له.
الثانية: أن يكون الوصف طردياً لم يعهد من الشارع الالتفات إليه في اثبات الأحكام أما بالنسبة إلى جميع الأحكام كالطول والقصر، أو إلى بعضها كالذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق لأنهما يعتبران في غير العتق كالشهادة والميراث، ولا
يكفي المستدل بالسبر في الأبطال المذكور النقض الذي هو وجود الوصف دون الحكم، وسيأتي ايضاحه في القوادح ان شاء الله.
واعلم أن المؤلف ذكر أنه لا يكفي في حصر الأوصاف أن يقول المستدل " بحث فلم أجد إلا هذا " وأنه لا يكفي في الابطال أن يقول بحثت في الوصف الفلاني فما عثرت فيه على مناسبة لأن الخصم يعارض بمثل ذلك. ثم قال المؤلف: فان بين صلاحية ما يدعيه علة أو سلم له الخصم ذلك فانه يكفيه ابتداء بدون السبر فالسبر إذا تطويل طريق غير مفيد، فلنصطلح على رده.
قال مقيده عفا الله عنه: -
أكثر المالكية والشافعية على الاكتفاء بقوله بحثت فلم أجد غير هذا، أو عدم أو عدم ما سوى هذا الأصل، وعليه فالسبر ليس تطويل طريق، ومما