الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تنبيه)
تكلم المؤلف رحمه الله على الأمر بالشيء الذى له أضداد متعددة وحكمها واحد فالأمر بالشيء نهى عن الضد الواحد أو مستلزم له إلى آخره، ونهى عن جميع الأضداد المتعددة أو مستلزم لها إلى آخره مثال الواحد ضد السكون، وهو الحركة ومثال المتعددة النهى عن القيام فضده القعود والإضطجاع.
(فصل)
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
التكليف فى اللغة
الزام ما فيه كلفه أي مشقة قالت الخنساء:
يكلفه القوم ما نابهم وان كان أصغرهم مولدا
فقد عرفنا التكليف لغة واصطلاحاً فيما تقدم، وقوله وهو فى الشريعة الخطاب بأمر أو نهى قد بينا فيما تقدم وجه ادخال الجائز فى أقسام التكليف مع أنه ليس مكلفاً فعلا ولا تركان.
قال المؤلف _ رحمه الله _:
وله شروط بعضها يرجع إلى المكلف وبعضها يرجع إلى نفس الفعل المكلف به إلى آخره، أما
شروط التكليف
الراجعة إلى المكلف فذكر منها العقل والبلوغ وعدم النسيان وعدم النوم فجعل السكران الذى لا يعقل غير مكلف ولم يجعل عدم الاكراه شرطا فالمكره عنده مكلف، وذكر الخلاف فى اشتراط عدم الكفر بالنسبة إلى فروع الاسلام،
ولذا ذكر أن
الكفار اختلف فى خطابهم بفروع الاسلام، وذكر ثلاثة شروط راجعة إلى نفس الفعل المكلف به، وهى علم المكلف المأمور به، فلا يصح تكليفه بما لا يعلمه.
الثانى: كون الفعل المأمور به معدوماً لان التكليف بتحصيل الموجود تحصيل حاصل وهو محال.
الثالث: كونه ممكناً فلا يصح التكليف بالمجال.
هذا حاصل ما ذكره من شروط التكليف ودونك تحقيق المقام فى الشروط المذكورة أما اشتراط العقل فى التكليف فلا خلاف فيه بين العلماء اذ لا معنى لتكليف من لا يفهم الخطاب، وأما لزوم قيم المتلفات وأروش الجنايات لمن لا عقل له، كالصبى الصغير والمجنون فهو من خطاب الوضع لا من خطاب التكليف، وأما الصبى المميز فجمهور العلماء على أنه غير مكلف بشيء مطلقاً لأن القلم مرفوع عنه حتى يبلغ، وعن أحمد رواية مرجوحة بتكليف الصبى المميز، ومذهب مالك وأصحابه تكليف الصبى بالمكروه والمندوب فقط دون الواجب والحرام، قالوا
للاجماع على أنه لا اثم عليه بترك واجب ولا بارتكاب حرام لرفع القلم عنه، وأما المكروه والمندوب، فاستدلوا لتكليفه بهما بحديث الخثعمية التي أخذت بضبعى صبى، وقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر. وأما النائم والناسى فاختلف فى تكليفهما، فقيل غير مكلفين كما درج عليه المؤلف، للاجماع على سقوط الاثم عنهما، ولو كانا مكلفين كانا آثمين بترك العبادة حتى فات وقتها لأجل النوم والنسيان، وقيل هما مكلفان بدليل الاجماع فلى وجوب القضاء عليهما، اذ لو كانت الصلاة غير واجبة عليهما فى وقت النوم أو
النسيان لما وجب قضاءها عند اليقظة والذكر، لأن ما لم يجب لا يجب قضاءه، وجمع بعض محققى الأصوليين من المالكية بين
القولين بأن قال ان عدم النوم والنسيان شرط فى الأداء لا فى الوجوب، فالصلاة واجبة عليهما مع أنهما غير مكلفين بنفس أدائها فالتمكن من الأداء بعد النوم، والنسيان شرط فى الأداء فقط لا فى الوجوب ومرادهم بشرط الايجاب أنه شرط في الايجاب الأعلامى الذى المقصود منه اعتقاد وجوب ايجاد الفعل ومرادهم بشرط الأداء الايجاب الالزامى الذى المقصود منه الامتثال الذى لا بحصل الا بالاعتقاد والايجاد معاً،
واعلم أن ما جزم به المؤلف رحمه الله من كون الناسى والنائم غير مكلفين، يشكل عليه وجوب قضاء الصلاة والأجماع على أنها قضاء، وقد يجاب عنه بأن القضاء وجب بانعقاد سبب الوجوب، وان منع من تمامه مانع النوم أو النسيان والله تعالى أعلم.
وأما السكران الذى لا يعقل فجزم المؤلف بأنه غير مكلف وبين أن لزوم الطلاق للسكران، ولزوم قيم المتلفات للنائم والناسى أن ذلك من خطاب الوضع وذلك هو مراده بقوله من قبيل ربط الأحكام بالأسباب لأن ذلك بعينه من خطاب الوضع، واعلم أن العلماء اختلفوا فيما يلزم السكران، ومما قيل
فى ذلك التفصيل لأن السكر قد يذهب جميع عقله حتى يكون لا يعقل شيئاً، وهو المعروف بالسكران الطافح، وقد يذهب بعض عقله ويبقى معه بعضه، فالأظهر فى الطافح أنه لا يلزمه شيء من العقود ولا العتق ولا الطلاق ولا الجنايات الا ما كان من خطاب الوضع كغرم قيمة المتلف، وأما الذى لم يفقد جميع عقله فهو الذى فيه قول من قال:
لا يلزم السكران اقرار عقود بل ما جنى عتق طلاق وحدود (1)
فان قيل قد دل القرآن على تكليف السكران فى قوله تعالى: "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" لأن قوله وأنتم سكارى جملة حالية العامل فيها لا تقربوا وصاحبها الضمير الذى هو الواو والمعروف فى علم العربية أن الحال ان كانت غير مقدرة، فوقتها هو بعينه وقت عاملها فيلزم من ذلك أن وقت النهى عن قربان الصلاة هو وقت السكر بعينه ونهى السكران في وقت سكره يدل على أنه مكلف، فالجواب عن هذا الاشكال من الجهتين اللتين ذكرهما المؤلف.
الاولى: أن المراد بالنهى، النهى عن شرب الخمر فى أول الأسلام قبل تحريمها قرب أوقات الصلاة بحيث يغلب على الظن أنها يدخل وقتها وهو سكران، لأن من شرب المسكر فى وقت يظن فيه أنه يأتى وقت الصلاة وهو سكران فكانه عالم بأن صلاته تكون فى وقت سكره، ودليل هذا الوجه أن الآية لما نزلت كانوا لا يشربونها الا فى وقتين بعد صلاة العشاء وبعد صلاة الصبح، وفيما بين الصبح والظهر، وأما فى غير ذينك الوقتين فلا يشربونها لأن وقت الصلاة فى غيرهما يدخل قبل صحو السكران وهو واضح.