الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
(فصل)
اللفظ العام يجب اعتقاد عمومه
في الحال في قول أبي بكر والقاضي.
وقال أبو الخطاب: لا يجب حتى يبحث فلا يجد ما يخصصه. قال وقد أومأ إليه في رواية صالح وأبي الحارث الخ
…
حاصله: أن التحقيق ومذهب الجمهور وجوب اعتقاد العموم والعمل من غير توقف على البحث عن المخصص لأن اللفظ موضوع للعموم فيجب العمل بمقتضاه فان اطلع على مخصص عمل به ، وقيل لا يجوز اعتقاد عمومه ولا العمل به حتى يبحث عن المخصص بحثاً يغلب به على الظن عدم وجوده لأنه قبل البحث محتمل للتخصيص.
قلت: وقد قدمنا إن الظاهر يجب العمل به حتى يوجد دليل صارف عنه ، ولا شك أن العموم ظاهر في شمول جميع الأفراد كما لا يخفى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
(فصل)
في الأدلة التي يخص بها العموم
، ولا نعلم اختلافاً في جواز تخصيص العموم الخ..
اعلم أولاً أنه رحمة الله لم يذكر تعريف التخصيص ولا تقسيم المخصص إلى متصل ومنفصل ، ونحن نوضح ذلك إن شاء الله ،
فالتخصيص في الاصطلاح قصر العام على بعض أفراده بدليل يدل على ذلك وعرفه في الراقي بقوله:
والمخصص ينقسم عند أهل الأصول إلى متصل ومنفصل:
1-
الاستثناء نحو: ((ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً)) إلى قوله: ((إلا الذين تابوا)) وقوله: ((ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)) .
2-
الشرط نحو: ((لكل واحد منها السدس مما ترك إن كان له ولد)) وقوله: ((والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ً)) .
3-
الصفة نحو: ((من فتياتكم المؤمنات)) الآية. وفي الغنم السائمة الزكاة.
4-
الغاية: نحو: ((ولا تقربوهن حتى يطهرن)) الآية. ((ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله)) .
5-
الخامس يدل البعض من الكل نحو: ((ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)) وأشار في المراقي للتخصيص بالاستثناء بقوله في المخصص المتصل:
وأشار في المراقي للشرط بقوله:
وأشار للوصف بقوله:
وأشار للغاية بقوله:
وأشار لبدل البعض من الكل بقوله:
(ب) وأما المخصص المنفصل فهو ما يستقل بنفسه دون العام من لفظ أو غيره وهو ثمانية أقسام عند أهل الأصول:
1-
الحس: وهم يمثلون له بقوله تعالى في ريح عاد: ((تدمر كل شئ)) الآية. فيقولون: أثبت الحس أموراً لم تدمرها تلك الريح ، كالسموات والأرض والجبال.
قلت: وفيه عندي نظر لأن التخصيص قد يفهم من قوله تعالى: ((بأمر ربها)) وقوله: ((ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم)) . نعم قد يصلح مثاله بقوله: ((وأوتيت من كل شئ)) . الآية. ((وتجبى إليه
ثمرات كل شئ)) الآية. لأن من تتبع أقطار الدنيا قد يشاهد بالحسن بعض الأشياء التي لم تؤتها بلقيس ولم تجب إلى الحرم.
2-
العقل: ويمثلون له بقوله تعالى: ((خالق كل شئ)) الآية.
يقولون. دل العقل على أنه تعالى لا يتناوله ذلك وان كان لفظ الشيء يتناول كقوله: ((كل شئ هالك إلا وجه)) وقوله: ((قل أي شئ اكبر شهادة قل الله شهيد)) .
ومثل له المؤلف بقوله: ((ولله على الناس حج البيت)) فان العقل دل على أن فاقد العقل بالكلية لا يدخل في هذا الخطاب.
3-
الإجماع: ومثل له بعضهم بإجماع المسلمين على أن الأخت من الرضاع لا تحل بملك اليمين فيلزم تخصيص: ((أو ما ملكت أيمانهم)) الآية. بالإجماع.
والإجماع في الحقيقة ((هنا)) إنما يدل على مستند للتخصيص فمستند هذا الإجماع الذي ذكرنا هو قوله تعالى: ((وأخواتكم من الرضاعة)) .
4-
الرابع القياس كقوله تعالى: ((الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما)) الآية. فان عموم الزانية خصص بالنص وهو قوله في الإماء: ((فعليهن نصف ما على المحصنات)) الآية.
فقيس عليها العبد فخص عموم ((الزاني)) بهذا القياس أعني قياس العبد على الأمة في تشطير الحد عنها المنصوص عليه بقوله: ((فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب)) بجامع الرق فيلزم جلد العبد
خمسين لقياسه على الأمة ويخرج بذلك من عموم ((الزاني)) الذي يجلد مائة ، وهذا التخصيص في الحقيقة إنما هو بما دل عليه قوله:((فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب)) من أن الرق مناط تشطير الحد.
5-
الخامس: المفهوم وهو:
(أ) مفهوم موافقة.
(ب) ومفهوم مخالفة.
فمثال الخصيص بمفهوم الموافقة تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته. الحديث) بمفهوم الموافقة في قوله تعالى:: ((فلا تقل لهما أف)) الآية. فانه يفهم منه منع جس الوالد في الدين فلا يجس في دين ولده.
ومثال التخصيص بمفهوم المخالفة تخصيص حديث (في أربعين شاة شاة بمفهوم المخالفة في قوله: في الغنم السائمة الزكاة فمفهوم السائمة أنه لا زكاة في المعلوفة فتخرج من عموم في أربعين شاة شاة) .
6-
السادس: العرف المقارن للخطاب ، ولم يذكره المؤلف رحمه ، ومثاله: ما رواه الإمام احمد ومسلم من حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (الطعام بالطعام مثلا بمثل ، وكان طعامنا يؤمئذ الشعير ، فمن يقول: بأن علة الربا غير الطعم خصص عموم إطعام في هذا الحديث بالشعير للعرف المقارن للخطاب.
7-
السابع: نص آخره يخصص العموم وهذا النوع أربعة أقسام لأن كلا من المخصص والمخصص باسم الفاعل والمفعول تارة يكون كتاباً وتارة يكون
سنة ، فالمجموع أربعة من ضرب أثنتين في أثنتين.
1-
الأولى: تخصيص كتبا بكتاب كتخصيص عموم ((والمطلقات يتربصن بأنفسهن)) الآية. ، بقوله:((وألات الأجمال أجلهن)) الآية. وقوله: ((يا أيها الذين آمنوا اذا نكحتم المؤمنات)) الآية. وكتخصيص: ((ولا تنكحوا المشركات)) بقوله: ((والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب)) الآية.
2-
الثانية: تخصيص كتاب سنة كتخصيص ((وأحل لكم ما وراء ذلك)) الآية. بحديث: (لا تكح المرأة على عمتها ولا على خالتها. الحديث) . وتخصيص: ((يوصيكم الله في أولادكم. للذكر مثل حظ الأنثيين)) . الآية. بحديث: (انا معشر الأنبياء لا نورث. الحديث) .
3-
الثالثة: تخصيص سنة بسنة كتخصيص فيما سقت السماء العشر بقوله: (ليس فيما دون خمسة أو سق صدقة) ويدخل في هذا النوع التخصيص بفعله صلى الله عليه وسلم أو تقريره لأن التقرير فعل ضمني وفعله من سنته صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة تخصيص القرآن بالفعل تخصيص: ((ولا تقربوهن حتى يطهرن)) بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بعض أزواجه أن تشد ازارها ثم يباشرها وهي حائض.
4-
الرابعة: تخصيص السنة بالكتاب ، مثاله. حديث ما أبين من حي فهو ميت. فان عمومه مخصص بقوله تعالى: ((ومن أصوافها
وأوبارها)) الآية. وكتخصيص حديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا (أن لا اله الا الله) بقوله تعالى: ((حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون)) . وأشار في المراقي إلى تعريف المخصص المنفصل وأقسامه بوله:
…
واعلم أن التحقيق أنه يجوز تخصيص المتواتر بأخبار الآحاد لأن التخصيص بيان وقد قدمنا أن المتواتر يبين الآحاد قرآناً أو سنة كما أن التحقيق أيضاً جواز تخصيص السنة بالكتاب كما ذكرنا خلافاً لمن منعه محتجاً بقوله: ((لتبين للناس ما نزل إليهم)) . ومن الحجة عليه: ((وأنزلنا عليك الكتاب تبيناناً لكل شئ)) . الآية.
واعلم أيضاً أن التحقيق هو تخصيص العام بالخاص سواء تقدم عنه أو تأخر خلافاً لأبي حنيفة القائل بأن المتأخر منهما ناسخ ، محتجاً بقول ابن عباس أو الزهري كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث وبأن العام قطعي الشمول للأفراد عنده ، وعليه ان جهل التاريخ يلزم التوقف حتى يدل دليل على أحدهما. وهذا المذهب رواية أيضاً عن أحمد. والدليل على تقديم الخاص على العام مطلقاً أمران:
الأول: أن الصحابة كانوا يقدمونه عليه كما قاله المؤلف وغيره ومن تتبع قضاياهم تحقق ذلك عنهم.
الثاني: أن دلالة الخاصة أقوى من تناولهم العام له فلا شك أن دلالة ((انا معاشر الأنبياء لا نورث)) على عدم أرث فاطمه له صلى الله عليه وسلم أقوى من دلالة عموم ((يوصيكم الله في أولادكم)) الآية. على ارثها له صلى الله عليه وسلم ورضي عنها.
وزاد المؤلف من المخصصات المنفصلة ، قول الصحابي عند من يراه حجة ، وقد قدمنا أن قول الصحابي لا يمكن أن يخص به العام إلا إذا كان له حكم الرفع بكونه لا مجال للرأي فيه.
والمؤلف جعل فعله وتقريره صلى الله عليه وسلم مخصصين مستقلين ، ونحن أدرجنا هما في التخصيص بالسنة ، لأن السنة قول وفعل وتقرير. وقد مثلنا للفعل ومثل بعضهم للتقرر بتقريره صلى الله عليه وسلم على عدم إخراج الزكاة من الخيل فانه يخصص وجوب الزكاة مع أن الخيل جاء بها نص وهو حديث:(ليس على مسلم في عبده ولا في فرسه صدقة) متفق عليه. والمخالف يقول: ان كثرت وكانت سائمة ففيها الزكاة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
(فصل)
اذا تعارض العمومان فان أمكن الجمع بينهما جمع الخ
…
قال مقيده عفا الله عنه: -
حاصل كلام أخل الأصول في التعارض أنه له ثلاث حالات:
الأولى: تعارض عام وخاص ، وهي التي قدمنا أن العام فيها يحمل على الخاص خلافاً لأي حنيفة القائل بأن المتخر ناسخ وهو رواية عن أحمد.
الثانية: تعارض خاصين فيجب الترجيح كتعارض حديث ابن عباس أنه النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم ، مع حديث ميمونة وأبي رافع بخلاف ذلك. فيرجع حديث ميمونة بأنها صاحبة القصة فهي أدرى بها وحديث أبي رافع بأنه هو السفير بينهما ، والمباشر أعلم بالقصة من غيره.
الثالثة: تعارض عامين مطلقاً أو من وجه ، فان أمكن الجمع جمع والا وجب الترجيح ، مثال ما أمكن فيه الجمع: أحاديث ذم من يشهد قبل أن يستشهد مع أحاديث مدحه. فيجمع بحمل ذمه على؟ أن يكون عالماً بأن صاحب الحق عالم بأنه يعرف حقه. ويحمل مدحه على كونه لم يعلم بأنه شاهد له على حقه.
ومثال ما يجب فيه الترجيح حديث وجوب الوضوء من مس الذكر وحديث عدم وجوبه فيرجع حديث الوجوب بأنه أحوط في الخروج من العهدة.
ومثال الترجيح في الأعمين من وجه ترجيح عموم ((وأن تجمعوا بين الأختين على عموم)) أو ما ملكت أيمانهم ، بأنه أحوط أيضاً وبأنه نص مقصود لتحريم النساء وتحليلهن بخلاف ((أو ما ملكت أيمانهم فانه في معرض مدح المتقين.
وحاصل تحريره أن المتعارضين يجب الجمع بينهما ان أمكن فان لم يمكن رجح أحدهما ، فان لم يرجح فالأخير ناسخ فان لم يعلم الأخير طلب الدليل من غيرها.