الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثل الثلاثة ورجح النظر
…
تواتراً لها لدى من قد غبر
تواتر السبع عليه أجمعوا
…
ولم يكن في الوحي حشو يقع
(تنبيه)
اختلف العلماء في البسملة، هل هي آية من أول كل سورة، أو من الفاتحة فقط، أو ليست آية مطلقاً. أما قوله في سورة النمل " انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم" فهي آية من القرآن اجماعاً.
وأما سورة براءة فليست البسملة آية منها اجماعاً، واختلف فيما سوى هذا، فذكر بعض أهلا الاصول أن البسملة ليست من القرآن وقال قوم هي منه في الفاتحة فقط، وقيل هي آية من أول كل سورة وهو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى.
قال مقيده عفا الله عنه:
ومن أحسن ما قيل في ذلك، الجمع بين الأقوال، بأن البسملة في بعض القراءات كقراءة ابن كثير آية من القرآن وفي بعض القرآن ليست آية، ولا غرابة في هذا.
فقوله في سورة الحديد " فان الله هو الغني الحميد" لفظة (هو) من القرآن في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وليست من القرآن، في قراءة نافع وابن عامر لأنهما قرءا " فان الله الغني الحميد" وبعض المصاحف فيه لفظة (هو) وبعضها ليست فيه وقوله " فأينما تولوا فثم وجه الله فان الله واسع عليم". " وقالوا اتخذ الله ولداً" الآية.
فالواو من قوله (وقالوا) في هذه الآية من القرآن، على قراءة السبعة غير ابن عامر، وهي في قراءة ابن عامر ليست من القرآن لأنه قرأ " قالوا اتخذ الله ولداً" بغير واو وهي محذوفة في مصحف أهل الشام، وقس على هذا وبه تعرف أنه لا اشكال في كون البسملة آية في بعض الحروف دون بعض، وبذلك تتفق أقوال العلماء. وأشار إلى هذا الجمع في المراقي بقوله:
وليس للقرآن تعزى البسملة
…
وكونها منه الخلاف (1) نقله
وبعضهم الى القرآن نظر
…
وذاك للوفاق رأي معتبر
(فصل)
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
فأما ما نقل نقلاً غير متواتر كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) فقد قال قوم ليس بحجة، لأنه خطأ قطعاً إلى آخره.
خلاصة ما ذكره في هذا الفصل، أن ما نقل أحاداً كقراءة (متتابعات) المذكورة لا يكون قرآناً وهذا لا خلاف فيه وهل يجوز الاحتجاج به مع الجزم بأنه ليس قرآناً. قال جمع من أهل الأصول: لا يجوز الاحتجاج به لأنه رواه على أنه قرآن، فلما بطل كونه قرآناً بطل الاحتجاج به من أصله.
وقال قوم: يجوز الاحتجاج به كأخبار الآحاد، لأنه لا يخرج عن
(1) الخلاف: أي المخالف، أي أن المخالف نقل كون البسملة من القرآن الكريم.
كونه مسموعاً من النبي صلى الله عليه وسلم ومروياً عنه، وهذا هو اختيار المؤلف، وعليه فلا مانع من أخذ لزوم التتابع في صوم كفارة اليمين من قراءة ابن مسعود متتابعات وان جزمنا أنها ليست من القرآن.
(تنبيه)
الأشياء التي لابدَ منها في ثبوت القرآن ثلاثة عند بعضهم. ومظمها ابن الجزري بقوله:
وكل ما وافق وجها نحوى
…
وكان للرسم احتمالاً يحوي
وصح اسناداً هو القرآن
…
فهذه الثلاثة الأركان
(فصل)
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
والقرآن يشتمل على الحقيقة والمجاز، وهو اللفظ المستعمل في غير موضعه الأصلي، على وجه يصح كقوله:
(واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) ، (واسأل القرية)(جداراً يريد ان ينقض) ، (أو جاء أحد منكم من الغائط) ، (وجزاء سيئة سيئة مثلها) ، (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) ، (ان الذين
يؤذون الله) أي أولياء الله، وذلك كله مجاز لأنه استعمال اللفظ في غير موضعه ومن منع فقد كابر ومن سلم وقال لا أسميه مجازاً فهو نزاع في عبارة لا فائدة في المشاحة فيه، معنى كلامه واضح ظاهر.
واعلم أن ممن منع القول بالمجاز في القرآن ابن خويز منداد من المالكية وأبا الحسن الخرزي البغدادي الحنبلي وأبا عبد الله بن حامد وأبا الفضل التميمي وداوود بن علي وابنه أبا بكر ومنذر بن سعيد البلوطي وألف فيه مصنفاً، وقد بينا أدلة منعه في القرآن في رسالتنا المسماة منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والاعجاز ومن أوضح الادلة في ذلك أن جميع القائلين بالمجاز متفقون على أن من الفوارق بينه وبين الحقيقة أن المجاز يجوز نفيه باعتبار الحقيقة، دون الحقيقة فلا يجوز نفيها، فتقول لمن قال رأيت أسداً على فرسه، هو
ليس بأسد وانما هو رجل شجاع، والقول في القرآن بالمجاز يلزم منه أن في القرآن ما يجوز نفيه، وهو باطل قطعاً، وبهذا الباطل توصل المعطلون إلى نفي صفات الكمال والجلال الثابتة لله تعالى في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بدعوى أنها مجاز كقولهم في استوى استولى. وقس على ذلك غيره، من نفيهم للصفات عن طريق المجاز. أما الآيات التي ذكرها المؤلف فلا يتعين في شيء منها أنه مجاز.
أما قوله: " واخفض لهما جناح الذل " فليس المراد به أن للذل جناحاً وان كان كلام العلامة ابن القيم رحمه الله يقتضيه، وظن أبو تمام أنه معنى الآية لما قيل له صب في هذا الاناء من ماء الملام يعني قوله:
لا تسقني ماء الملام فانني
…
صب قد استعذبت مات بكائي
فقال هات ريشة من جناح الذل، حتى أصب لك من ماء الملام، بل المراد بالآية الكريمة كما يدل عليه كلام جماعة أهل التفسير أنها من اضافة
الموصوف إلى صفته، أي واخفض لهما جناحك الذليل لهما من الرحمة، ونظيره من كلام العرب قولهم حاتم الجود، أي الموصوف
بالجود ووصف الجناح بالذل مع أنه صفة الانسان لأن البطش يظهر برفع الجناح، والتواضع واللين يظهر بخفضه، فخفضه كناية عن لين الجانب كما قال:
وأنت الشهير بخفض الجناح
…
فلا تك برفعه أجدلا
وأنت الشهير بخفض الجناح
…
فلا تك برفعه أجدلا
ونظيره في القرآن " مطر السوء" وعذاب الهون" أي المطر الموصوف بأنه يسوء من وقع عليه، والعذاب الموصوف بوقوع الهون على من نزل به، واضافة صفة الانسان لبعض أجزائه أسلوب من أساليب اللغة العربية كما قال هنا جناح الذل، مع أن الذليل صاحب الجناح، ونظيره قوله تعالى: " ناصية كاذبة
خاطئة " والمراد صاحب الناصية التي هي مقدم شعر الرأس، وقوله تعالى " وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة " مع أن تلك الصفات لأصحاب الوجوه وقوله تعالى " واسأل القرية" فيه حذف مضاف، وحذف المضاف واقامة المضاف إليه مقامه، أسلوب من أساليب اللغة معروف، عقده في الخلاصة بقوله:
وما يلي المضاف يأتي خلفا
…
عنه في الاعراب إذا ما حذفا
والمضاف المحذوف مدلول عليه بدلالة الاقتضاء، وهي عند جماهير الأصوليين، دلالة الالتزام وليست من المجاز عندهم، كما هو معروف في محله، وقوله "جداراً يريد أن ينقض " لا مجاز فيه، اذ لا مانع من حمل الارادة في الآية على حقيقتها لان للجمادات ارادات حقيقية يعلمها الله جل وعلا، ونحن لا نعلمها ويوضح ذلك حنين الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم لما تحول عنه إلى المنبر، وذلك الحنين ناشئ عن ارادة يعلمها الله تعالى وقد ثبت في صحيح
مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اني لأعرف حجراً كان
يسلم علي في مكة وسلامه عليه، عن ارادة يعلمها الله ونحن لا نعلمها كما صرح تعالى بذلك في قوله جل وعلا " وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " فصرح بأننا لا نفقهه، وأمثال ذلك كثيرة في الكتاب والسنة، وكذلك لا مانع من كون الارادة تطلق في اللغة على معناها المعروف والسنة، وكذلك لا مانع من كون الارادة تطلق في اللغة على معناها المعروف، وعلى مقاربة الشيء والميل اليه فبكون معنى ارادة الجدار، ميله إلى السقوط وقربه منه، وهذا أسلوب عربي معروف، ومنه قول الراعي:
في مهمه قلت به هاماتها
…
قلق الفؤس اذا أردن نصولا
وقول الآخر:
يريد الرمح صدر أبي براء
…
ويعدل عن دماء بني عقيل
وكذلك قوله " أو جاء أحد منكم من الغائط" لامجاز فيه، بل اطلاق اسم المحل على الحال فيه وعكسه، كلاهما أسلوب معروف من أساليب اللغة العربية، وكلاهما حقيقة في محله، كما أقروا بنظيره في أن نسخ العرف للحقيقة اللغوية لا يمنع من اطلاق اسم الحقيقة عليه فيسمونه حقيقة عرفية، وكذلك قوله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " وقوله " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه " الآية.
لا مجاز فيه، وبذلك اعترف أكثر علماء البلاغة، حيث عدوا هذا النوع من البديع وسموه باسم المشاكلة، ومعلوم أن المجاز من فن البيان، لا من فن البديع، فأكثرهم قالوا ان المشاكلة من البديع كقوله:
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخة
…
قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً
والحق أن هذا أسلوب من أساليب اللغة، ومنه الآيتان، نعم زعم قوم من علماء البلاغة أن المشاكلة من علاقات المجاز المرسل، فسموا ما استعمل في غير معناه عندهم للمشاكلة مجازاً، وأما تفسيره " يؤذون الله" بقوله يؤذون أولياءه فليس بصحيح، بل معنى ايذاءهم
الله كفرهم به وجعلهم له الأولاد والشركاء، وتكذيبهم رسله. ويوضح ذلك حديث (ليس أحد اصبر على أذى يسمعه " من الله انهم يدعون له ولداً وأنه ليعافيهم ويرزقهم) ، وأكثر المتأخرين على أن في الآيات التي ذكرها المؤلف مجازاً، كما هو معروف، وقد بينا منع القول بالمجاز في القرآن في رسالتنا التي ألفناها في ذلك، وقول المؤلف في تعريف المجاز، وهو اللفظ المستعمل في غير موضعه الاصلي على وجه يصح، يعني بقوله على وجه يصح أن تكون هناك علاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي، وأن تكون ثم أيضاً قرينة صارفة عن قصد
المعنى الأصلي، وتعريفه للمجاز لا يدخل فيه الا اثنان من أنواع المجاز الأربعة، وهما المجاز المفرد وهو عندهم الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له لعلاقة مع قرينة صارفة عن قصد المعنى الأصلي، والعلاقة ان كانت المشابهة كقولك رأيت أسداً يرمي سمي هذا النوع من المجاز استعارة، وحد الاستعارة مجاز علاقته المشابهة، وان كانت علاقته غير المشابهة كالسببية والمسببية ونحو ذلك سمي مجازاً مفرداً مرسلاً كقول الشاعر:
أكلت دماً ان لم أرعك بضرة
…
بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
أطلق الدم وأراد الدية مجازاً مرسلاً علاقته السببية لأن الدية المعبر عنها بالدم سببها الدم وهي مسبب له.
الثاني من النوعين الذين دخلا في كلامه، المجاز المركب وضابطه أن يستعمل كلام مفيد في معنى كلام مفيد آخر، لعلاقة بينهما ولا نظر فيه إلى المفردات، فقد تكون حقائق لغوية، وقد تكون مجازات مفردة، وقد
يكون بعضها مجازاً وبعضها حقيقة، وعلاقته ان كانت المشابهة فهو استعارة تمثيلية، ومنها جميع الأمثال ال
سائرة والمثل يحكي بلفظه الأول، ومثاله قولك لمن فرط في أمر وقت امكان فرصته، ثم بعد ان فات امكان
فرصته جاء يطلبه (الصيف ضيعت اللبن) وأصل المثل أن إمرأة من تميم خطبها رجلان أحدهما كبير في السن وله مواشي كثيرة، والثاني شاب وماشيته قليلة، فاختارت الشاب، وكانت الخطبة زمن الصيف، ثم طلبت بعد ذلك من الكبير الذي ردت خطبته لبناً فقال لها:(الصيف ضيعت اللبن) وهذا الاستعمال لعلاقة المشابهة، بين مجموع الصورتين وان كانت علاقته غير المشابهة، سمي مجازاً مركباً مرسلاً كقوله:
…
هواي مع الركب اليمانيين مصعد
…
...
…
... جنيب وجثماني بمكة موثق
فالبيت كلام خبري أريد به انشاء التحسر والتأسف لان ما أخبر به عن نفسه هو سبب التحصر والتأسف، وهو مجاز مركب مرسل، علاقته السببية لانه لم يقصد بهذا الخبر فائدة الخبر، ولا لازم فائدته، والنوعان اللذان لم يدخلا في كلامه هما المجاز العقلي ومجاز النقص والزيادة.
أما المجاز العقلي عندهم فالتجوز فيه في الاسناد خاصة لا في لفظ المسند إليه ولا المسند وسواء فيه كانا حقيقتين لغويتين أو مجازين مفردين أو أحدهما حقيقة والثاني مجازاً لأن التجوز فيه في خصوص الاسناد كقول المؤمن (أنبت الربيع البقل) فالربيع
وانبات البقل كلاهما مستعمل في حقيقته، والتجوز انما هو في اسناد الانبات إلى الربيع وهو لله جل وعلا عند المتكلم وكذلك هو في الواقع وأنكر المجاز العقلي السكاكي ورده إلى الاستعارة المكنية، وأما مجاز النقص عندهم (واسأل القرية)
وهذا المثال ذكره المؤلف مع أنه لم يدخل في تعريفه للمجاز، لأن جميع ألفاظه مستعملة فيما وضعت له، والتجوز من جهة الحذف المغير للاعراب، ومثال مجاز الزيادة عندهم ليس كمثله شيء وقد بينا أنه لا ينبغي للمسلم أن يقول ان في كتاب الله مجازاً والتحقيق أن اللغة العربية لا مجاز فيها
وانما هي أساليب عربية تكلمت بجميعها العرب، ولو كلفنا من قال بالوضع للمعنى الحقيقي أولاً ثم للمعنى المجازي ثانياً بالدليل على ذلك لعجز عن اثبات ذلك عجزاً لاشك فيه.
قال المؤلف رحمه الله:
قال القاضي ليس في القرآن لفظ بغير العربية إلى آخره، خلاصة ما ذكره في هذا الفصل أن العلماء اختلفوا هل في القرآن ألفاظ أصلها أعجمية ولكن عربت أو كله عربي، فحجة من قال كله عربي الآيات الدالة على ذلك كقوله:"انا جعلناه قرآناً عربياً" الآية.
وقوله " وهذا لسان عربي مبين" وقوله " ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي، ونحو ذلك من الآيات وحجة من قال فيه عجمي معرب ادعاءه الوقوع قال: كناشئة الليل أصلها حبشية و (مشكاة) أصلها هندية (واستبرق) أصلها فارسية وقال هذا الوقوع لا يعارض الآيات المذكورة لأن اشتمال القرآن الكريم على كلمات قليلة عجمية لا يخرجه عن كونه عربياً أو لأن العرب لما نطقت به وعربته صار عربياً.
قال مقيده عفا الله عنه:
أظهر القولين عندي ما اختار بعض أهل العلم، كابن جرير من أن القرآن ليس فيه لفظ من غير العربية وأن بعض كلماته في النادر لا مانع منه. والدليل على هذا القول أن دعوى أن أصله عجمي ثم عرب معارضة