الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا التعريف للاستحسان هو الصحيح عند المؤلف ولذا رد التعريفين الآخرين.
الثاني: أن المراد به ما يستحسنه المجتهد بعقله.
الثالث: أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على التعبير عنه.
وبطلان هذه التعريفين ظاهر لأن المجتهد ليس له الاستناد إلى مجرد عقله في تحسين شئ ، وما لم يعبر عنه لا يمكن الحكم له بالقبول حتى يظهر ويعرض على الشرع.
ومثال الاستحسان على معنه الذي ارتضاه المؤلف: ما لو باع رجل سلعة بثمن لأجل ثم اشتراها بائعها بعينها قبل قبض ثمنها بأكثر من الثمن الأول لأبعد من الأجل الأول. فالقياس يقتضي جواز البيعتين فيهما لأن كلا منهما بيع سلعة بثمن إلى أجل معلوم لكن عدل بهذه المسألة عن نظائرها من أفراد بيع سلعة بثمن إلى أجل بدليل خاص وهو هنا أنت السلعة الخارجة من اليد العائدة إليها ملغاة فيؤول الأمر إلى أخذه عند الأجل الأول نقداً ودفعة أكثر منه من حينه عند الأجل الثاني وهذا عين الربا.
وأشار في المراقي إلى مسألة الاستحسان بقوله:
والأخذ بالذى له رجحان
…
من الأدلة هو استحسان
أو هو تخصيص يعرف ما يعم
…
ورعى
الاستصلاح
بعضهم
الاستصلاح بعضهم يؤم
ورد كونه دليلاً ينقدح
…
ويقصر التعبير عنه متضح
الأصل الرابع المختلف فيه: الاستصلاح: وهو الوصف الذي لم يشهد الشرع لا بإلغائه ولا باعتباره:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: -
الرابع من الأصول المختلف فيها الاستصلاح واتباع المصلحة المرسلة ، الخ
…
وخلاصة ما ذكره المؤلف في هذا الحديث: أن المصلحة المرسلة ، إن كانت من الحاجيات أو التحسينيات فهو لا يعلم خلافاً في منع التمسك بها لأنه وضع حكم بغير دليل.
وان كانت من الضروريات ، فهو يرى جواز العمل بها عن مالك وبعض الشافعية مع أنه يرى منع العمل بها مطلقاً.
قال مقيده عفا الله عنه: -
اعلم أن الوصف من حيث هو إما أن يكون في إناطة الحكم به مصلحة أو لا ، فان لم تكن في إناطة الحكم به مصلحة فهو الوصف الطردي كالطول والقصر بالنسبة إلى جميع الأحكام وكالذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق ، والطردي لا يعلل به حكم ، وان كان في إناطة الحكم به مصلحة فهو المسمى بالوصف المناسب وهو على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يشهد الشرع باعتبار تلك المصلحة كالاسكار فانه وصف مناسب لتحريم الخمر لتضمنه مصلحة حفظ العقل. وقد نص الشرع على اعتبار هذه المصلحة فحرم الخمر لأجلها. وهذا هو المؤثر والملائم. وسيأتي الكلام عليهما في القياس إن شاء الله ، فقول المؤلف: أن هذا القسم هو القياس لا يخلوا من نظر.
الثاني: أن يلغي الشرع تلك المصلحة ولا ينظر إليها كما لو ظاهر الملك من امرأته ، فالمصلحة في تكفيره بالصوم لأنه هو الذي يردعه لخفة العتق ونحوه عليه لكن الشرع ألغى هذه المصلحة.
وأوجب الكفارة بالعتق من غير نظر إلى وصف المكفر بكونه فقيراً أو ملكاً وهذا الوصف يسمى الغريب عند جماعة أهل الأصول.
الثالث: أن لا يشهد الشرع لاعتبار تلك المصلحة بدليل خاص ، ولا لإلغائها بدليل خاص ، وهذا بعينه هو الاستصلاح ، ويسمى المرسل ، والمصلحة المرسلة ، والمصالح المرسلة ، وسمي مصلحة لاشتماله على المصلحة وسميت مرسلة لعدم التنصيص على اعتباره ولا على إلغائها. وعرفه في المراقي بقوله:
والوصف حيث الاعتبار يجهل
…
فهو الاستصلاح قل والمرسل
واعلم أن المصالح من حيث هي ثلاث أقسام:
الأول: مصلحة درء المفاسد ، وهي المعرفة بالضروريات وهي ستة لأن درء المفسدة اما عن الدين، أو النفس ، أو العقل ، أو النسب ، أو المال ، أو العرض ، ومن فروع درء المفاسد نصب الأئمة ووجوب قتل المرتد ، وعقوبة المضل صيانة للدين ، وتحريم القتل ووجوب القصاص فيه صيانة للأنفس ، وتحريم الخمر ووجوب الجلد فيها صيانة للعقول ، وتحريم الزنا ووجوب الحد فيه صيانة للنسب ، وتحريم السرقة ووجوب القطع فيها صيانة للمال ، وتحريم القذف ووجوب الحد فيه صيانة للأغراض ، وقد جعلها المؤلف خمساً بحذف العرض ، وانتابه فيها لا بد
منه.
الثاني: التحسينات: وتسمى التتميمات وهي الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات ، ومن فروعها خصال الفطرة كاعفاء اللحى وقص الشارب ، ومنها تحري المستقذرات ووجوب الانفاق علتى الأقارب الفقراء كالآباء والأبناء.
واعلم أن مالكاً يراعي المصلحة المرسلة في الحاجيات والضروريات كما قرره علماء مذهبه خلافاً لما قله عنه المؤلف من عدم مراعاتها في الحاجيات.
ودليل ما لك على مراعاتها اجماع الصحابة عليها كتولية أبي بكر لعمر واتخاذ عمر سجناً وكتبه أسماء الجند في ديوان ، واحداث عثمان لأذان آخر في الجمعة وأمثال ذلك كثيرة جداً.
فقد عرفت أنواع المصالح ، وعرفت المرسل منها وغير المرسل ، وعرفت أن مالكاً يراعيها في الحاجيات كالضروريات.
واعلم أن الضروري له مكمل والحاجي له مكمل.
فمكمل الضروري كتحريم القليل جداً من المسكر ، ومكمل الحاجي كالخيار في البيع والرهن بناء على ان البيع من الحاجيات.
والحق أن أهل المذاهب كلهم يعملون بالمصلحة المرسلة وان قرروا في أصولهم أنها غير حجة كما أوضحه القراني في التنقيح ، وما ذكره الؤلف رحمه الله من أن مالكاً رحمه الله أجاز قتل الثلث لا صلاح الثلثين ذكره الجويني وغيره عن مالك وهو غير صحيح ولم يروه عن مالك أحد من أصحابه ولم يقله مالك كما حققه العلامة محمد بن الحسن البناني في حاشيته على شرح عبد الباقي الزرقاني لمختصر خليل ، وأشار صاحب المراقي إلى هذه المسألة بقوله:
ثم المناسب عنيت الحكمة
…
منه ضرورى وجا تتمة
بينهما ما ينتمى للحاجى
…
وقدم القوى فى الرواج
دين فنفس ثم عقل نسب
…
مال إلى ضرورة تنتسب
ورتبن ولتعطف مساويا
…
عرضا على المال تكن موافياً
فحفظها حتم على الإنسان
…
فى كل شرعة من الأديان
الحق به ما كان ذا تكميل
…
كالحد فيما يسكر القليل
إلى أن قال:
والبيع كاإجارة الحاجى
…
خيار بيع لاحق جلى
وما يتمم لدى الحذاق
…
حث على مكارم الأخلاق
وبهذا الإيضاح يظهر لك أن ما يوهمه كلام المؤلف من شمول الاستصلاح لما دل الشرع على اعتباره غير مراد له ، لكن المؤلف رحمه الله ترجم للاستصلاح الذي هو المصلحة المرسلة ثم ذكر جميع أنواع المصالح من مرسلة وغيرها الإيهام. وقد عرفت التحقيق.