الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من يريد أن يتعلم أو ينهل من ثقافته التجارية والاجتماعية الثورة التي تركها.
لقد كان رحمه الله وأسكنه فسيح جناته رجلًا كريمًا ومضيافًا جمع بين الكرم والتواضع، وكان الشيخ السلمان سباقًا في ميادين البذل وقاسمًا مشتركًا في الكثير من اللجان الخيرية والاجتماعية بالمنطقة، وكان للفقيد دور كبير في دعم الشباب من خلال مجموعته التجارية سواء بإتاحة الفرص الوظيفية لهم أو تقديم العون للجان التدريب والتأهيل لهؤلاء الشباب لدخول سوق العمل.
رحم الله السلمان بقدر ما أعطى لأهله ولمدينته وأبنائها بوجه خاص وبقدر ما أعطى لوطنه على وجه العموم، ورحمه الله بقدر ما أعلن وبقدر ما أسر لنفسه من أعمال خاصة لوجه الله سبحانه وتعالى.
وقال الشيخ صالح بن محمد بن سليمان السعوي، إمام وخطيب المريدسة في جريدة الجزيرة الصادرة في 9 ربيع الآخر سنة 1327 هـ:
كلمة وجيزة في وفاة الشيخ صالح السلمان:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة الحسنى للمؤمنين المتقين، والحمد لله الذي من حمده واسترجع عند المصائب أمر أن يبني له بيت في الجنة باسم بيت الحمد، وهذا ما نرجوه من ربنا لنا ولكل مسلم أصيب بمصيبة، والمصائب كثيرة وتتنوع، ومصيبة الموت لابد أن تمر على كل حي من الأنفس البشرية، وهذه المصيبة تعظم في حق أناس وتكون خفيفة في حق آخرين، تعظم بحسب منزلة الميت في هذه الدنيا ومقامه بين الناس وعظم الاستفادة منه في حياته.
والمسلم تتنوع منه المنافع، فمنهم: من تكون المنفعة عامة شاملة من ولاية صالحة مصلحة عادلة وقسطة، ومنهم: من تكون المنفعة منه ما يحمله من العلم النافع من تعليم وبيان ودعوة ونصح ووعظ وإرشاد وتوجيه وفتيا وقيام بوظائف دينية، ومنهم: من تكون المنفعة منه بما فتح الله عليه بالأموال
ووفقه وأعانه على الإنفاق منها في طرق الخير المتنوعة والمنافع العامة.
وهذا مما كان عليه أخونا وصاحبنا الرجل المحبوب الشيخ صالح بن عبد الله بن عمر السلمان رحمه الله تعالى وغفر له.
لقد جمع في حياته من الخصال الطيبة التي حمد عليها ما لم يجمعه كثير من أصحاب الأموال في عصره، وقل منهم من يماثله حتى وإن علت حصيلتهم المالية.
ولذلك لأن هذا الرجل الفقيد الذي بكت في وفاته القلوب وذرفت بالدمع على فقده العيون، كانت مبذولاته من أمواله المباركة تتنوع وتتشعب فلم يقتصر بها على دفع الزكاة ولا على الفقراء والمساكين، ولا على من حل بهم كوارث وحوائج ولا على الذين يلتقون به ويسألونه ولا على الجمعيات والمستودعات والمجمعات الخيرية، ولا على طباعة الكتب المفيدة والنشرات والتقاويم والدعوات ولا على جمعيات تحفيظ القرآن والحلق والدور ولا على الأضياف وتقديم الوجبات الغذائية لكثير من المناسبات العامة والخاصة، ولا على التبرعات النقدية والعينية، ولا على الاقتصار في المبذولات المتنوعة لأسرته ومن يرتبط بها، وأصدقائه ومحبيه وغيرهم، بل المعروف عنه أنه في جميع تلك السبل يضفي إحسانه من غير أن يخشى أن يلحق ماله نقص أو يعود إلى قلة، بل هو مؤمن بالله، واثق به بأن الانفاق من المال ينميه ويزيده، ويحصنه ويحفظه من الجوائح.
وفيه دفع البلاء وخلف من الله ومضاعفة للأجر من الله بما لا يعلمه إلَّا هو سبحانه، لأنه جل وعلا يضاعف لمن يشاء أضعافا كثيرة، فالحسنة بعشر أمثالها، وهذا بأقل مضاعفة إلى سبعين ضعفا، إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
ومن خصال فقيدنا رحمه الله تعالى المحمودة ما كان يتمتع به في حياته من حسن الخلق والتواضع والتلطف للناس، ولين الجانب لهم، والبشاشة عند
الملاقاة، وطلاقة الوجه، وإظهار الفرح والسرور حال الإلتقاء بهم ومواجهتهم، والتبسم في وجوههم، والتحدث معهم بصدق وصراحة، وبيان وفصاحة، حتى إن النفوس تطمئن إليه كثيرًا، وتهوي مجالسته، وتأنس به، وترغب في محادثته، وتصغي للفظات لسانه، وتستفيد من توجيهاته، وتقتبس من تصرفاته، وحسن مخاطبته، وينصبغ بها ما تشاهده من سعة صدره، وراحة نفسه، ومراعاته لحق الجليس، حتى إنه إذا نزل به ضيوف أنس بهم وتلقاهم بالفرح والسرور والاستبشار والتوقير والاحترام، وفرغ نفسه لهم وصار كأن لم يكن من ذوي المشاغل والارتباطات، مع أن صاحبنا الفقيد ارتباطاته كثيرة ومتواصلة، وأكثرها من المهمات الاحتسابية لعلاقته بأصدقاء المرضى ومجالس الجمعيات الخيرية، وكبار المسؤولين في المنطقة، وحضور الندوات والحفلات والدعوات في المناسبات التي تكون دعوته لحضورها في مقدمة المدعوين.
كما كان له من الارتباطات تلقي كبار المسؤولين في الدولة والعرض عليهم في استضافتهم والزيارات المتواصلة في التهنئة والسلام وعيادة المرضى وحضور تشييع الجنائز والتعزية للمصابين وهذا مع صلة الأرحام.
ومن توفيق الله له أن وُهب بأولاد بررة وكل إليهم القيام بأعمال تجارته، وصار لكل واحد منهم إدارة أعمال خص بها واصبح هو المسؤول الأول عنها، وذلك لتعدد أنواع نشاط المؤسسة التي تحولت إلى شركة وعرفت باسمه وأولاده واكتفي بهم في إدارة الأعمال، وهم أهل لها، وموضع أمانة وثقة عليها، وهذا مما جعله يتفرغ لعبادة ربه والتزود من الأعمال الصالحة والمزيد من أفعال الخير التي تقدم بيان شيء منها.
وكان يتحدث بنعم الله عليه وعلى الناس ويشرح للناس أطوار حياته منذ أول نشأته وما مر عليه من أمور وأحوال يحسن التذكير بها لكي يحصل الاعتبار والاتعاظ.
ومن تواضعه وعدم غفلته ونسيانه للماضي فإنه يذكر بسيرته حينما كان يزاول الأعمال الحرفية الشاقة لكسب لقمة العيش في العصر الذي كان أكثر أهله على قلة من المال ولا يدركون ما يسد رمقهم ويقيت عوائلهم إلَّا عن طريق الحرف والصناعة اليدوية.
وذكره لذلك لكي يتحقق منه ومن سامع حديثه شكر الله على نعمه الظاهرة والباطنة؛ فالله أحال تلك المضايقات إلى ما بالعباد من السعة والغني وتنوع الأسباب والوسائل الممكنة من تحصيل المال والاستغناء به عن النظر إلى ما في أيدي الناس وسؤالهم أموالهم.
وفقيدنا هذا كان في حياته وإلى آخر أنفاسه يكثر من شكر الله على ما هو فيه من نعم لا تعد ولا تحصى أسبغها عليه الرب المنعم الذي ما بالعباد من نعمة إلَّا وهي منه سبحانه، فهو متع بنعم من غنى النفس وتوافر المال بين يديه ومواهب الله له بالأولاد والأحفاد والتفافهم حوله، وبرهم به وقيامهم بالخدمة ومسك الأعمال لكي يتفرغ عن الأشغال في تنمية التجارة واستحصال مكتسباتها وما يلزمها من تدابير قد تشغل النفس، وتتعب البدن.
وكان قصده من تذكير الناس بما أنعم الله عليه من النعم الكثيرة والوفيرة من باب شكر الله الذي وعد بالمزيد للشاكرين والجزاء العظيم لهم لما قام في نفوسهم من الشكر والحمد والثناء له جل وعلا، ولكي يذكر الناس بما هم فيه من نعم فيشكرون الله عليها ويرعونها حق رعايتها ويستعينون بها على طاعة الله ويبذلون منها ما أمكن لذوي الفقر والمسكنة واليتم والترمل والإعانة في الكوارث والجوائح وفي المبرات الخيرية والمشاريع الإحسانية مما تكون المصالح منها عامة النفع والانتفاع فلا يكتفوا بما فرض عليهم في أموالهم وهي الزكاة، فالغموض فرض القيام به ويجب الوفاء به في حينه من غير تذكير به وحث عليه، ومتابعة في سبيل
أدائه والتخلص من سوء عاقبة تأخيره أو رفضه.
ولا يظن بالمسلمين إلَّا خيرًا فهم يقيمون الفرائض والواجبات، ولكن التأثير والإنهاض لأن يكون في أموال أصحاب الثروات جزء خارج الزكاة ينفقونه في سبيل الله بما تلم بالمسلمين من حاجة إلى المال وإلى كثير من المشاريع الخيرية والمبرات والصلة.
وما دامت هذه الكلمات الموجزة عن محسن قضى نحبه وسكن قبره، جعله الله له روضة من رياض الجنة، فلي أن أذكر ما تيسر من مبراته في المريدسية التي هي مسقط رأسه وقضاء سنوات شبابه ومنها: إقامة بناء المسجد الجامع من دورين وتوسعته وإكمال ما يلزمه، وحفر بئر عميق في الأرض التي باعها على بعض الأهالي بسعر رمزي وأمن له الغطاس والكيابل والأنابيب، ومد الشبكة الأنبوبية للبيوت، وإيصال التيار الكهربائي إلى موقع البئر، وتركيب العداد، وبعزمه إقامة مسجد الحي غير أن أحد المحبين لنا وله طلب منه التنازل له فوافق وأقام المسجد عن طريقه.
وله من المبرات قيامه بتأثيث دار الإحسان النسائية لتحفيظ القرآن والعون في إمدادها بما يلزمها من نفقات كغيره من المحسنين وللفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والمحاويج نصيب معلوم من الزكاة والصدقات وتلك المبرات وغيرها كان يحققها من غير طلب منه لها، وقد شافهني قبل موته عزمه بإقامة بعض المشاريع الخيرية في المريدسية، ونية المؤمن خير من عمله.
وكما أسلفنا أن المصيبة بوفاته ليست كالمصيبة في عامة المسلمين، وهي من المصائب التي لها ما يخففها ومنها: أنه في حين سمع خبر وفاته، وإذا بالكبير والصغير والذكر والأنثى من الناس يحمدون الله ويسترجعون ويدعون له بالمغفرة بقلوب حزينة وأدمع تتدفق من العيون غزيرة.