الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السابق:
على لفظ السابق ضد المسبوق.
من أهل بريدة الذين قدموا إليها من الشماس، وهم من أهل الشماس من القدماء الذين كانت لهم إمارة بلدة الشماس، وكان أوائلهم هم الذين أسسوا الشماس، يقال أن أول من أسسه منهم شماس بن سابق.
منهم الشيخ فوزان بن سابق معتمد المملكة في مصر، ومن طلبة العلم الكرماء والوجهاء، ترجم له الزركلي في الأعلام ترجمة حافلة.
توفي عام 1373 هـ.
وترجم له الشيخ عبد الله بن بسام وذكر أنه من أهل الشماسية، وأن أسرته انتقلت إلى بريدة من الشماسية والواقع أن أجدادهم انتقلوا من الشماس إلى بريدة حينما هدمه أمير بريدة حجيلان بن حمد عام 1196 هـ، كما فصلت ذلك في معجم بلاد القصيم، وذكرت فذلكة لذلك عند ذكر أسرة (الشماسي)، ولكن بعض (السابق) كانوا قد ارتحلوا إلى الشماسية وبعضهم انتقلوا من الشماس عند هدمه إلى بريدة مباشرة، ولم يذهبوا إلى الشماسية، ومنهم أجداد الشيخ فوزان بن سابق هذا.
وبعض آل سابق الذين ذهبوا من الشماس إلى الشماسية وهم يحملون إلى اليوم هذا الاسم انتقلوا إلى بريدة ومنهم سميه فوزان بن عبد الله الآتي ذكره فيما بعد، ولا يزال بعض آل سابق في الشماسية حتى الآن.
إن الشيخ فوزان السابق شخصية مهمة متعددة المواهب، أو لنقل: إنها متعددة المذاهب بمعنى الطرق في الخير.
فهو من كبار عقيل وهم تجار المواشي الذين كانوا يتاجرون بها من القصيم إلى الشام وفلسطين ومصر، وقد أقام في مصر، فكان شخصية مهمة
لذلك عينه الملك عبد العزيز في أول حكمه معتمدًا له في مصر فصار اسمه معتمد المملكة النجدية، ثم صار بعد ذلك (حكومة الحجاز ونجد وملحقاتها).
وذلك لكون الملك عبد العزيز له علاقات بالقبائل العربية، وقد تحدث بين رعيته من الأعراب وبين الأعراب الآخرين خلافات على مرعى أو مورد ماءٍ كما هي العادة، كما أن الشام ومصر كان يحكمها آنذاك حكام من الدول غير العربية مثل تركيا وبريطانيا، ومثل فرنسا على سوريا، فعين الشيخ فوزان السابق معتمدًا له في مصر، وعين سليمان بن علي المشيقح معتمدًا له في الشام.
وقد استمر الشيخ فوزان السابق في ذلك حتى أصبحت البلاد (المملكة العربية السعودية) فصار سفير المملكة العربية السعودية إلى أن أسن وتوفي.
والشيخ فوزان السابق طالب علم مجيد، بل شيخ مؤلف كما سيأتي نقل الحديث عن كتابه العلمي الذي ألفه.
وقد جمع مكتبة لا بأس بها، أذكر مما يتعلق بها أنه عندما رأى شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله وجزاه الله عنا خيرًا بأن يزود المبنى المتخذ في شرقي جامع بريدة بالكتب، وذلك في عام 1364 هـ ليكون أول مكتبة عامة في بريدة عهد إليَّ بذلك وسمى وظيفتي (قيِّم مكتبة الجامع) وأعطاني على ذلك راتبًا مجزيًا في ذلك الوقت مضحكًا في الوقت الراهن.
فصرنا نجمع لها الكتب من الذين عندهم كتب يمكن أن يسهموا بها في بريدة فأعطانا (العجاجات - جمع العجاجي) مقدارًا جيدًا من الكتب وأعطانا آل رواف كتبًا قيمة فيها بعض المخطوطات.
وكان الشيخ فوزان السابق قد جعل (المشيقح) وهم الوجيه الثري المعروف عبد العزيز بن حمود المشيقح وأبناؤه وكلاء على كل ما له في بريدة من مال أو عقار يتصرفون فيه بما تقتضيه المصلحة، فذهبت إلى الشيخ عبد الله بن عبد العزيز
المشيقح كبير أسرة المشيقح بعد أبيه وهو الزعيم الداهية المعروف وطلبت منه أن يعطينا مكتبة الشيخ فوزان السابق لنضمها إلى مكتبة جامع بريدة.
فقال لي: أنت يا أخ محمد - وكان عمري آنذاك - تسع عشرة سنة، تعرف أننا ما نقدر نتصرف بها، وهي أمانة للشيخ فوزان عندنا مثل سائر ممتلكاته، لكن إذا كتبتم إليه وسألنا وهو في الغالب سيسألنا، وإذا سألنا ذكرنا له أن المصلحة تقتضي وضعها في مكتبة الجامع لينتفع منها طلبة العلم.
فعرضت الأمر على شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد ورجوته أن يكتب كتابًا للشيخ فوزان السابق وهو سفير المملكة في مصر آنذاك، فأمرني أن أعد الكتاب، ووقعه الشيخ وأرسله للشيخ فوزان إلى مصر، وجاء الأمر من الشيخ فوزان بالموافقة على ضمها إلى مكتبة بريدة، وكانت أكبر مكتبة خاصة ضمت لتلك المكتبة (مكتبة جامع بريدة) التي هي مكتبة عامة.
وقد ذكرت شيئا من ذلك في كتاب (ستون عامًا في الوظيفة الحكومية) وكتاب: (يوميات نجدي).
وقد غلط الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام فيما يتعلق بمكتبة الشيخ فوزان إذ قال:
وله مكتبة من أكبر المكتبات في بريدة، فقد طلب منه العلامة الشيخ عمر بن سليم أن يضعها في جامع بريدة، فوافق على ذلك، وقد وضيعت هي ومكتبة الشيخ عيسى بن رميح في مبنى أعده الشيخ عمر بن سليم في شرق جامع بريدة، وكلف الشيخ عمر رحمه الله، الشيخ علي العبد العزيز العجاجي، بالإشراف على المكتبة، وهي أول مكتبة أسست في بريدة، وهي الأساس للمكتبة السعودية القائمة الآن، التي طورها فيما بعد الشيخ عبد الله بن حميد.
ثم ضمَّت للمعارف بعد سفر الشيخ عبد الله بن حميد من بريدة، وكان
الشيخ عمر بن سليم رحمه الله قد قرّر تطويرها، وأن يضع فيها كتب طلبة العلم، الذين يتوفون فيما بعد، وأن يزودها بما يطبع من كتب العلم، وما يحصل عليه من المخطوطات النادرة (1).
والصحيح أن الشيخ عمر بن سليم رحمه الله هو الذي بنى المكتبة في الركن الشمالي الشرقي من جامع بريدة عندما هدم جامع بريدة في عام 1359 هـ - وهو الذي كان مبنيًّا من الطين والحجارة، بالنسبة إلى العمد التي يقوم عليها سقفه، وإلي أساساته، وكان هدم الجامع لخلل فيه، وتعرضه للسقوط، بناء على ما قررته لجنة من (الستودية) وهم معلمو البناء بالطين مؤلفة من (الستاد) علي بن محمد الحامد والستاد عبد الله الماضي - فرفع الشيخ عمر بن سليم الأمر إلى الملك عبد العزيز يطلب فيه أن يأمر الملك بهدم المسجد الجامع وإعادة بنائه على نفقته، وقد وافق الملك عبد العزيز وأرسل للشيخ عمر بن سليم مبلغًا من المال.
وعهد الشيخ عمر للستاد علي بن محمد الحامد بأن يكون (استاد) بناء الجامع فبدأ بذلك في عام 1359 هـ وكنت أعي ذلك تمامًا إذ كان عمري آنذاك 14 سنة، فكان والدي أخذني إلى رؤية بداية إعادة بناء المسجد، وكان الستاد ابن حامد صديقه الخاص.
وأذكر فيما يخص والدي أن أول مرة عرفت فيها أن والدي كان يعاني بداية الماء الأبيض (الكاتاركت) في عينيه عندما زرنا ذلك المسجد، وإلا لم يكن أخبرنا، ولم نكن لاحظنا عليه شيئًا، وبعد ذلك لم يزل الماء يزيد في عينيه حتى كف بصره بسبب ذلك الماء الأبيض.
وقد أمر الشيخ عمر بن سليم بإنشاء مكتبة في الطابق الثاني من رواق المسجد الشرقي الذي يلي بيته، أي بيت الشيخ عمر بن سليم ليس بينهما إلَّا زقاق
(1) علماء نجد خلال ثمانية قرون، ج 5، ص 383.
معتاد، وهدف الشيخ عمر بن سليم أن يضع فيها أولًا الكتب الموقوفة على طلبة العلم من أهل بريدة، إذ كان فريق من أهل بريدة يشترون الكتب على غلاء ثمنها، وندرة من يملكونها ويوقفونها على طلبة العلم من أهل بريدة، وأحيانا يوقف الكتاب على طالب علم معين أو شيخ معروف في وقته فيتوفى الموقوف عليه، ويبقى الكتاب عند ذريته، وإذا فرض أن القاضي أو ولي الأمر أو ورثة الموقوف أخذوه منهم، فإنه لا يوجد مكان عام يوضع فيه، وينتفع منه الجميع.
لذلك جاءت تلك الفكرة المفيدة في ذهن الشيخ عمر بن سليم رحمه الله ونفذها ببناء المكتبة التي هي قاعة كبيرة نسبيًا، ولكنه عندما انتهت عمارة الجامع في عام 1360 هـ مرض وألح عليه المرض حتى توفي في آخر عام 1362 هـ وبقيت المكتبة، أو على الأدق مكانها أو لنقل: إنه مبناها مهجورًا لم يوضع فيه كتاب واحد، ولا يفتح مطلقًا لأنه ليس فيه شيء.
وعندما عين شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد على قضاء بريدة في النصف الأخير من عام 1363 هـ طرح موضوع إكمال مشروع المكتبة التي بناها الشيخ عمر بن سليم، ولم يوضع فيها كتب وكان من الذين ذكروا ذلك للشيخ عبد الله بن حميد صديقنا وزميلنا الحبيب علي بن عبد العزيز العجاجي رحمه الله.
فكان أن كتب الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد كتابًا للملك عبد العزيز يخبره بموضوع المكتبة، ويطلب منه أن يتفضل بتخصيص مبلغ سنوي للمكتبة لكي ينتفع بها طلبة العلم.
وقد وافق الملك عبد العزيز على تخصيص ثلاثة آلاف ريال (فرانسه).
فكانت بداية النشاط العملي لتلك المكتبة، وعينني الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد في المكتبة باسم (قيم مكتبة جامع بريدة) استهداء بالتسميات التي كان سار عليها علماء الحنابلة وغيرهم في القرون الوسيطة، ومن ذلك تسمية العلامة الشيهير محمد أبي بكر بابن (قيم الجوزية)، لأن والده كان (قيم المكتبة الجوزية) في دمشق.
ومن هنا كانت بداية (مكتبة جامع بريدة)، وهذا شيء عرفته وعايشته.
وبذلك يتضح أن ما ذكره الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام عن الشيخ عمر بن سليم من أنه طلب من فوزان السابق أن يضع مكتبته التي هي من أكبر المكتبات في بريدة في جامع بريدة غير صحيح وهو محض خيال ممن رواه للشيخ عبد الله بن بسام، إلا إذا كان الشيخ عمر قد طلب من الشيخ فوزان ذلك مجرد طلب لم ينفذ، ولم نعلم به.
وأما مكتبة الشيخ فوزان السابق التي قد يتوهم بعضهم أنها في مقر خاص بها، فإنها لم توجد قط كما يعرف في المكتبة، وإنما كان الشيخ فوزان السابق له مال وكتب وغيرها، وقد وكل آل مشيقح على جميع ماله في بريدة فكانوا يحفظونه ويتصرفون فيه لمصلحته حسبما اتفقوا معه عليه.
وعندما عينني الشيخ عبد الله بن حميد في مكتبة الجامع عام 1364 هـ.
وعرفنا أن للشيخ فوزان السابق كتبا موجودة عند آل مشيقح لأنهم كانوا وكلاءه، فذهبت للشيخ عبد الله بن عبد العزيز المشيقح وهو من كبار الجماعة آنذاك، وطالب علم حافظ للقرآن، وقلت له بحماسة الشباب: يا أبوسليمان يذكرون أنكم عندكم كتب لفوزان السابق، والآن فتحت مكتبة في الجامع فلعلكم تحتسبون وتحطونها في المكتبة.
فقال وهو طالب علم: تعرف - يا أخ محمد - أن هذه الكتب ليست لنا وإنما هي للشيخ فوزان السابق، ولا يجوز لنا أن نتصرف فيها مثل هذا التصرف إلَّا بأمره، فإذا كان الشيخ عبد الله بن حميد يرى هالراي - فقاطعته قائلا:
نعم، الشيخ عبد الله يرى ذلك - قال: يكتب الشيخ عبد الله بن حميد كتابًا للشيخ فوزان ويطلب فيه أن يخبرنا أننا نعطي كتبه لمكتبة الجامع.
فأخبرت شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد بذلك فوافق عليه وطلب مني أن