الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أول من جاء من السعوي إلى المريدسية:
أول من جاء من أسرة السعوي من قرية الشقة إلى المريدسية هو جدهم علي بن سليمان السعوي انتقل من الشقة إلى المريدسية من أجل الدعوة إلى الخير وإمامة الناس وتبصيرهم بأمور دينهم فيها.
ولم يكن مجيئة أول الأمر إليها من أجل الإقامة بها، وإنما كان بنية الرجوع إلى بلدته الأصلية الشقة غير أنه طال به المقام في المريدسية فاستطابها وسكنها منتقلًا إليها.
ووقته ليس بعيدًا بل هو في آخر القرن الثاني عشر، وأول القرن الثالث عشر، ولكن الله تعالى بارك في نسله فكثرت ذريته ونموا حتى صاروا أكثر أهل المريدسية رجالًا في العدد، مثلما كانوا أكثر أهلها في التدين وإمامة الناس في المساجد، وإرشادهم إلى الخير.
وقد وجدت ذكر الشيخ علي بن سليمان السعوي هذا في بعض الوثائق.
من أنها على بيت المال وفيها 47 قضاض القصر، وأربع ذبائح للكاشف وهو قائد تركي من الجنود الذين غزوا القصيم، والكاتب علي السعوي.
وهذه الوثيقة المؤرخة في جمادى الآخرة سنة 1239 هـ بخط علي السعوي الذي هو كما قلنا أول من جاء إلى المريدسية من أسرة السعوي.
وهي وثيقة مبايعة بين سعود وعبد الرحمن الغديري، ودهيِّم من أسرة الدهيم أبناء عم الجاسر.
والمبيع ملك سليمان الغديِّري، بمعني نخله واستثنوا عليه شقراوين أحدهما شقراء القانصي، والأخرى شقراء مبارك، وهذه الأخيرة هي التي صارت تعرف الآن بالشقراء فقط كانت تسمى (شقراء مبارك) في القديم.
والشهود جار الله بن فواز وعلي بن منيع ومحمد بن نصار.
وبعث إلي الأخ العزيز الشهم الشيخ صالح بن محمد السعوي صاحب كتاب: (المريدسية: ماض وحاضر) بترجمة له رأيت إثباتها هنا.
قال الشيخ صالح:
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف موجز عن الجد الشيخ علي السعوي رحمه الله تعالى.
الحمد لله وحده وبعد، فالباعث لكتابة هذه الكلمات الموجزة الرغبة من بعض الإخوان والأحبة التذكير بالجد الفاضل والعالم الماجد الشيخ علي بن سليمان السعوي رحمه الله تعالى وإعطاء ما تيسر من معلومات عنه بما كان عليه بعد وصوله لبلدة المريدسية واستقراره بها وتملكه فيها وتناسل أولاده وأحفاده فيها.
وجدنا الشيخ علي السعوي تحول من الشقة إلى بلدة المريدسية بسبب ما يحمله من العلم وحاجة البلدة إلى علمه، وكان ذلك التحول بطلب من الأهالي آنذاك لكي يتولى الإمامة والخطابة في الجمع والأعياد والإستسقاء، وترتيب الجلسات العلمية التعليم والوعظ والتوجيه وليتولى عقود الأنكحة وكتابة العقود والوثائق والفصل بين الناس، والصلح والإصلاح وجميع ما يلزم الأهالي مما يحتاجون إليه عادة من عالم مثله، وكاتب معتبر ثقة عدل محتسب.
وقد استقر بالمريدسية منذ جاء إليها في القرن الثاني عشر الهجري إلى أن توفي بها، وقد قام في حياته بتلك الأعمال التي تقدم ذكرها.
وحينما استقر بالمريدسية تملك فيها مزرعة لا زالت قائمة ومعروفة وعامرة بآبارها وأشجار النخيل والفواكه والمزروعات والبيوت السكنية، وله فيها وصية تستثمر بأفخر النخيل وأطيبه، وريع هذه الوصية ينفذ في كل عام بحسب ما أوصى به في حياته.
وبقاء هذه الوصية وتواصل إعمارها واستثمارها، وتنفيذ ما يستحصل من الريع والنماء مع أنه مضى عليها أكثر من قرنين من الزمان إنما هو من فضل الله ورحمته بعبده ولطفه به، وإحسانه وإنه لمن الدلائل الواضحة الجلية على حسن نية الموصي وقصده فيها النفع والانتفاع والأجر فيها والثواب عليها، والله لا يضيع أجر المحسنين.
كما يدل على توفيق الله للقائمين عليها، ورغبتهم في البر والصلة.
وهم من أحفاد الوصي الذين منهم محمد بن عبد الله بن علي السعوي رحمه الله تعالى ثم أبناؤه من بعده ثم حفيده عبد العزيز بن علي السعوي رحمه الله تعالى ومن بعده عبد الله بن عبد العزيز السعوي أثاب الله الجميع ولا يزال هو القائم عليها، وهم محتسبون فيما تحملوه من أجلها دون أن يكون لهم أجور، إنما يبتغون الأجر من الله عز وجل.
وهذا الملك العامر الذي فيه وصية الجد بالجهة الغربية من حي جامع البلدة مما يلي النفود الغربي ملاصقًا له من الشرق.
وهذا الجد الشيخ علي السعوي رحمه الله تعالى خلف بعد وفاته الأولاد الذكور سليمان وعبد الله وعبد العزيز رحمهم الله تعالى، والبنات لا يحضرني معرفة وجودهن وعددهن، والابن الأول سليمان وهو الذي خلفه بالإمامة والخطابة، وبكل ما كان يقوم به من عمل ولسليمان من الأولاد الذكور: عبد العزيز وإبراهيم ومحمد وعبد الكريم وعلي وعبد المحسن وعبد الله وناصر وصالح، واثنا عشر بنتًا.
وقد عد سليمان هذا من مشاهير علماء عصره.
والثاني: عبد الله وله من الأولاد الذكور محمد وناصر وإبراهيم وعودة وعلي.
والثالث: عبد العزيز وهو لم يخلف عقب ذكور وإنما خلف بنات منهن المرأة الصالحة أم عبد العزيز رقية بنت عبد العزيز بن علي السعوي رحمها الله تعالى تزوجها ابن عمها ناصر بن سليمان السعوي وله منها ثلاثة أبناء وبنت، فالأبناء عبد العزيز وإبراهيم وصالح والبنت نورة.
وكل من حمل هذا اللقب والشهرة فإنه من ذرية الشيخ علي بن سليمان السعوي رحمه الله تعالى ما عدا أخ الجد ويقال أن اسمه عبد الله لم يبق من عقبه غير إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم السعوي الذي توفي عام 1416 هـ وخلف ثلاثة أبناء وهم علي وسليمان وعبد الله، وكان إبراهيم من سكان هذه البلدة وله جهود طيبة تذكر عنه.
قال ذلك وكتبه بقلمه حفيد الجد علي: صالح بن محمد بن سليمان بن ناصر بن سليمان السعوي إمام وخطيب جامع المريدسية، في 10/ 10/ 1425 هـ.
ومن مشاهير أسرة السعوي: الشيخ سليمان بن ناصر السعوي:
ترجم له الشيخ صالح العمري فقال:
ولد في المريدسية عام 1308 هـ من ضواحي بريدة، تعلم القراءة والكتابة، ثم قرأ على العلامة الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم، ومن بعده على إبنيه الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم والشيخ عمر بن محمد بن سليم كما قرأ على الشيخ عبد الله بن فدَّا والشيخ عبد الله بن حسين الصالح أبا الخيل، أخذ عن هؤلاء وغيرهم، وكان رحمه الله ورعًا عابدًا متعففًا ويعمل بالزراعة في بستانه بالمريدسية.
أدركته وصليت خلفه مرارًا الجمعة وغيرها، وحضرت بعض مجالسه للتدريس، فقد كان يقرا عليه عدد من الطلبة في المسجد الجامع الذي يؤم فيه بالمريدسية من ضواحي بريدة، وكان يقوم ببعض الأعمال متطوعًا مثل عقد الأنكحة وكتابة الوثائق
والوصايا في بلده وما جاورها، كما كان يشترك أحيانًا في قسمة الأملاك والنظارة على الأضرار والطرق والمصالح العامة بتكليف من القضاة إحتسابًا، وقد توفي رحمه الله في 20 جمادى الثانية عام 1388 هـ، إنتهى (1).
حدثني سلميان العيد قال: جاء مرة إبراهيم بن محمد البليهي، وسليمان الناصر السعوي يقسمون ملك الدبيخي بين عياله أو شركاء فيه ولما سووا القهوة في حظار الملك نادوا البليهي للقهوة، وراحوا يبون ينادون سليمان الناصر السعوي للقهوة فقال البليهي: لا تروحون خلوا السعوي تراه صايم، هو يتحرى الأيام الحارة ويصوم تقربًا إلى الله.
قال: ولما حضر العشاء مع غروب الشمس سألوه هل يفطر قبل ذلك أو بعد الصلاة يجيبون العشاء أو يحضرون العشاء، فقال سليمان الناصر السعوي، هاتوا العشاء نخليه عشاء وفطور، لا يريد أن يؤخر عشاءهم، فتعشوا جميعًا قبل الصلاة.
وذكره حفيده الشيخ صالح بن محمد السعوي في ترجمة وافية لخصتها فيما يلي:
الشيخ سليمان السعوي: من مشاهير العلماء المخلصين الشيخ والعالم الجليل المبجل، الشيخ سليمان بن ناصر بن الشيخ سليمان بن الشيخ علي بن سليمان السعوي، رحمه الله، الذي خلف شيخه العلامة الشيخ عبد الله بن حسين أبا الخيل رحمه الله فيما كان يقوم به من أعمال في المريدسية، من إمامة المسجد الجامع، والخطابة في الجمع والأعياد والاستسقاء، والتدريس العلوم الشرعية بترتيب جلسات في المساجد بعد صلاة الفجر وصلاة الظهر، وفي أوقات أخرى مناسبة، مع أن كل مجالسه واجتماعاته مع الخاصة والعامة من الناس، إنما هي مجالس علم وتعليم، ووعظ وتذكير.
ومعروف عنه مقاماته الجليلة في الدعوة إلى الله، والنصح لعباد الله،
(1) علماء آل سليم، ص 255.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر والمصابرة في سبيل ذلك.
وكان كثير الخوف والوجل من عذاب الله، والبكاء من خشية الله، والغيرة لدين الله، لا تأخذه في الله لومة لائم.
وله سعي متواصل في حل المشاكل، والإصلاح بين الناس، ومشاركات في النظر والتقرير، والتقرير عن الأضرار والآفات التي تحدث في الحاصلات الزراعية، وفيما يلزم للأملاك والأثاث والمثمنات من نظر وتقرير وإبداء رأي، وصلح وإشارة بنصف، وإعطاء المعلومات اللازمة لطالبيها.
ولمكانته وعلوّ قدره عند القضاة، فإنهم يثقون به، ويضعون ما يتم من قبله موضع الانتهاء والتنفيذ، وهم يحترمونه ويقدرون له جهوده العلمية والعملية، ومقامه الطيب بين الناس، كما أنه يزاول أعمالًا احتسابية أخرى من كتابة العقود والوثائق والوصايا والمكاتبات الخاصة والعامة، والرسائل والإجابات، وإجراء عقود الأنكحة وغيرها مما يحتاج الناس فيه إليه.
وهو في جميع تلك الأعمال والأمور المهمة يزاولها بطيب نفس، ورغبة في الخير، ومحبة للإحسان، لا يأخذ أجرًا على ما يعمل، يفعل ذلك إحتسابًا وابتغاءً للأجر من الله، والثواب عليه منه سبحانه.
أمضى شيخنا الرجل الصالح سليمان رحمة الله تعالى عليه، عمره وقضى حياته كلها في تلك الأعمال الصالحة، والأفعال الطيبة، والأقوال الصادقة الصائبة، والخصال الحسنة المرضية.
وقد حمدت سيرته، وأمنت سريرته، وقبلت مواعظه وإرشاداته، واستبشر بملاقاته، وما ذلك إلا بما فتح الله عليه من العلم على بيانه وتبليغه للناس على اختلاف مقاماتهم ومداركهم من رجال ونساء، حتى الأولاد الصغار، والأكابر
من الرؤساء، مات سليمان الناصر السعوي في عام 1388 هـ (1).
وللشيخ سليمان بن ناصر السعوي أخبار عطرة وكلمات أيضًا مختصرة مفيدة كتب لي خاصة حفيده الشيخ صالح بن محمد السعوي بعضها فقال:
من أقوال شيخنا في الخير والتوصية الصالح المفيد، مختصرة وفائدتها متسعة، ووقعها في النفوس كبير.
ومن تلك الكلمات المفيدة ما سأورده فيما يأتي:
كان شيخنا يقول في كثير من المجامع: سبحان الله تريد يا هذا الجنة بجلد أملس وهذا ما يحصل انتهى.
يريد بذلك أنه لابد للمسلم أن يجاهد نفسه، ويسعى في وقايتها من النار ووقاية كل ما كان مرتبطًا بها من الأهل من زوجات وأولاد، وغيرهم، والقيام بدعوة الناس إلى الخير، ونصحهم ومناصحتهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما يعرض للمسلم في سبيل ذلك من أذى وممانعة من الاستجابة، أورد الحق والاعتراض عليه.
وكان يقول: إبدأ الناس قبل أن يبدأوك، فسئل رحمة الله تعالى عن المعنى فقال: إذا كنت تريد وعظ الناس في المجتمعات العامة فبادر بالموعظة قبل أن تختلف رؤسهم ويأخذون في تداول الكلام فلا تستطيع اجتذابهم للموعظة والإنصات لها انتهى.
ولا يعني بذلك عدم إعطاء الفرصة للحاضرين من التحدث فيما بينهم بما يلزم التحدث فيه، ولكن تقديم الموعظة على الدخول في الموضوعات والقصص التي قد تطول وتأخذ مجامع القلوب، فإذا جاءت الموعظة بعدها فقد لا تقبل عليها القلوب بجملتها وهذا من باب الرغبة في قبول الموعظة وتقديمها على القيل والقال،
(1) المريدسية ماض وحاضر، ص 86 - 88.
والرحمة بالموعوظين في تذكيرهم بمهمات أمور دينهم ودنياهم.
ومن أقوال شيخنا رحمه الله تعالى التي حفظت عنه ولا ينبغي إغفالها، أنه كان يقول: ما دام أن الجماعة اختاروا أن أكون متقدمًا عليهم بالإمامة فلماذا لا أتقدم عليهم في المجيء إلى المسجد في أول أوقات الصلوات الخمس قبل أن يحضروا إليه، انتهى.
ولذلك فإنه يبادر الأوقات فلا يكاد يؤذن المؤذن إلا وهو في المسجد، وإذا قيل له: تواني قليلًا فالوقت لم يحن بعد وأنت مبكرًا عليه، فيقول: عوقي من قول أنت مبكر، انتهى.
ويعني من كلمة عوقي أنها من وسائل تثبيط العزمات، ودواعي الكسل.
وكان شيخنا سليمان رحمه الله تعالى كيسًا فطنًا حازمًا لا يتوانى ولا يدع قربة يقدر عليها تذهب دون أن يأخذ منها بنصيب.
وكان رحمه الله تعالى يحث أئمة المساجد بالمبادرة في الحضور إلى المساجد في أول الوقت، والمحافظة على السنن الرواتب فيها ليحصل التأسي بهم، فهو يقول لهم: صلوا الرواتب في المسجد ليقتدي بكم المأموم فلا يدعوا الرواتب، وإذا لم تصلوها في المسجد فقد يقول بعضهم ما دام أن إمامنا لا يتنفل فنحن من باب أولى، حتى وإن كانت التهمة لا توجه إليكم أنكم تتركون التنقل في البيت، بل الظن فيكم حسنًا، وأنتم على سنة ولكن القدوة لها مكانتها، فكونوا قدوة صالحة لجماعتكم في الحضور إلى المساجد في أول أوقات الصلاة والطمأنينة فيها، وطول المكث فيها لتطمئن نفوس المصلين خلفكم، أنتهي.
وكان رحمه الله تعالى ينهض أئمة المساجد ويؤكد عليهم أن يواصلوا وعظ جماعتهم ما بين وقت وآخر، وأن يستديموا الوعظ فيما بين أذان العشاء، إلى إقامة الصلاة، بما يناسب من كتب التفسير والأحكام والسير والوعظ،
وبحسب ما تتحقق به استفادة الحاضرين لسماع الموعظة.
كما كان يؤكد عليهم تذكير المصلين بعد صلاة العصر بثلاثة أحاديث مع شرح موجز لمعانيها، وأن لا يتركوا ذلك حتى ولو كان جماعة المسجد علي قلة، فليس من شرط التذكير كثرة الحضور والسماع، ولكن المراد التبليغ وإحياء مجالس الذكر وتفقيه الناس.
وكان يقول: إن بعض الناس يحتاجون إلى إلزامهم بالمواعظ وشبههم بالإبل التي لا تشتهي الطعام ولكن تلزم إياه بفتح أفواهها ووضع الطعام ما بين أسنانها، وإغلاق الفم لكي تبتلع ما وضع فيه من طعام، وهكذا الحال في وعظ الناس منهم من يلزمون المواعظ حتى تنفتح نفوسهم ويرغبون في الموعظة ويستحلونها.
وكان يقول: خوف الناس بالله فإذا رايتهم بدأوا يحترقون من الخوف بالله فأذكر لهم آيات الرجاء وأحاديث الرجاء، وذلك لئلا ينهمكوا مع الرجاء ويضعفون جانب الخوف، لأن الخوف والرجاء ركنان من أركان العبادة، وما ذاك إلا لأن أكثر النفوس تميل إلى الرجاء، وتقول: الله غفور رحيم، وعفو كريم، وتنسى أو تتناسى أن الله شديد العقاب، عزيز ذو انتقام.
وكان رحمه الله تعالى يقول: (احملوا إخوانكم المسلمين على كل خير، وإذا حصل من بعضهم هفوة أو جفوة فاطلبوا لهم المعاذير وإن لم يجدوا لهم معاذير فقولوا: لعل لهم أعذارًا لا نعلمها.
وكان رحمه الله تعالى: لا يهوى أن أحدًا من الناس يتعرض الولاة والعلماء بالسباب أو الجرح أو الخوض في الكلام والتدخل فيما لا يعني، ويشتد نهيه عن ذلك، ولا يفتح المجال فيه، ويعتبر أن للولاة والعلماء حقوقًا على من دونهم من الناس، وأنهم يحتاجون إلى من يعينهم في حمل مسئولية السلطة والعلم ولو بحماية أعراضهم والدفاع عنهم، والدعاء الصالح لهم، وإنزالهم منازلهم.
وكان مما يوصي به إخوانه المسلمين أن لا يدعي أحد منهم تميزه عن أخيه المسلم ويعتبر نفسه أن له المنزلة التي لا يساميه فيها أحد غيره فيؤدي به إلى الكبر والإعجاب بالنفس، ويرى أن الناس محقوقون له فيتطلع إلى برهم به، وصلتهم له، وزيارتهم له ما بين وقت آخر، ويحرم نفسه من ثواب قيامه بالبر والصلة، وزيارة الأقارب والإخوان والمرضى بنفسه، بل يتأكد على المسلم في هذه الحياة أن يعتبر أنه هو المحقوق للمسلمين حتى يكون دائمًا فطنًا مراعيًا لما عليه من الحقوق، ومهتمًا بها، وقائمًا بها للقريب والبعيد من المسلمين.
وهي التي كان يوصي بها شيخنا، وينهي عن ترك مثل هذه الاجتماعات، ومما كان يوصي به شيخنا رحمه الله تعالى إكبار المعروف والإحسان، والدعاء الصالح، لكي تواصل فعل الخير، وتعم المنافع منه، وتنفتح أبواب التأسي بمن يفعلون الخير ويتنافسون فيه.
وكانت وصيته قائمة في إكرام العلماء وإنزالهم منزلتهم التي أنزلهم الله إياها.
حتى ولو حصل من بعضهم خطأ في أمر اجتهدوا فيه وهم معذورون به، وبين أيديهم مسائل خلاف في فروع الدين، وأكثر طلاب العلم يقل فيهم إدراك علم مسائل الخلاف، فكيف يكون تخطأة للعلماء ممن قصر علمهم، ولم يكن عندهم إلمام في مسائل الخلاف.
ومن وصاياه النافعة: حثه المتواصل لمعاصريه من الناس على اغتنام وجود العلماء وتواجدهم بن أظهر الناس في هذه البلاد المباركة بالقرب منهم ومجالستهم وحضور حلقات علمهم وتعليمهم، ووعظهم وتذكيرهم.
ويقول: إياكم أن تؤثروا عليها عوارض الشهوات، ودواع النفس الأمارة بالسوء، وترغبوا في الاشتغال عنها بالزوائد من مكتسبات الدنيا عن الكفاف، أو الأنس بالبديل عنها من قيل وقال.
وكان يقول: أشكروا نعمة الله عليكم بما أنتم فيه من نعمة الأمن والرعاة المصلين وتواجد علماء السنة بين أظهركم فلا تحتاجون في طلب العلم والفتيا إلى أسفار خارج البلاد، وتحمل نفقات وأوقات كافية تمكن من إدراك المطلب من العلم.
وكان رحمه الله تعالى: يكثر من التذكير بما قام به شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى من تجديد أمر هذا الدين، والسعي المتواصل في بيان الحق والحث على الأخذ به، وتركه ما يخالفه حتى طهرت النفوس مما علق بها من شرك وبدع وعادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان.
وكان يهتم بكتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، تعلمًا وحفظًا ومدارسة وتعليمًا، وتوصية للناس بتعلمها وحفظ أصولها، والاستفادة منها والإفادة.
وكان يهتم بكتب أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى التي حوت الرسائل والمسائل من قبل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأولاده وأحفاده وتلامذتهم رحمهم الله أجمعين.
وكان يذكر في مجالسه واجتماعاته الأيادي الطيبة لأنصار دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، ويذكر جهود الأمير محمد بن سعود رحمه الله تعالى، بما قام به من تلقي إمام الدعوة والصبر والمصابرة.
ولم يثنه عن المضي في تبليغ الدعوة المباركة خصوم الدعوة الذين يحاولون إخمادها، والتأثير السيء على أنصارها، بما يحصل به التخلي عن القيام بشد أزر الداعية وتبليغ ما جاء به، لكن ذلك الأمير الجليل فتح صدره وبذل جهده، وسخر ما لديه من قوة في سبيل استقبال المصلح شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وعقد معه العهد والميثاق للحماية والقيام بجميع ما يلزم من أمور وأحوال تتطلبها دعوة الناس للأخذ بما يدعو إليه من أصول وأحكام وأخلاق وآداب.
وكان من خصال الشيخ سليمان الحميدة دعوة الناس إلى حمد الله والثناء عليه وإظهار شكره على إقامة عائر دين الله من غير ممانع أو معارض، أو تسلط وأذى.
وكان من ضمن ما يقول في تذكير الناس بنعمة الله في إظهار شعائر دين الإسلام.
احمدوا ربكم أنكم تغدون وتروحون لبيوت الله المساجد لإقامة فريضة الصلاة وإحياء مجالس العلم والتعليم، والوعظ والتذكير والمكث بها للعبادة والمرابطة لانتظار الصلاة بعد الصلاة من غير أن يقال إلى أين تتجهون وماذا تريدون ثم يقال لكم ارجعوا من حيث أتيتم.
وهذا لما يخشاه من أنه قد يحدث فيما لو اختل الحكم وعدم الأمن، وتسلط أعداء الإسلام على المسلمين، ووقع في نفوس المسلمين ضعف الإيمان، وضعف المقاومة، وتحول المسلمون من إظهار الدين إلى إخفاء العبادات التي شرع أن تكون ظاهرة معلنة، وهذا من فقه شيخنا سليمان رحمه الله تعالى وسعة إطلاعه، وفهمه لما يطلع عليه ويقرأه من أخبار من سلف وما يتوقع حدوثه من فتن وابتلاء فيما يأتي من زمان.
انتهى كلامه
ورأيت ورقة مختصرة على هيئة رسالة من عبد الرحمن آل محمد الذي يدل كلامه على أنه له سلطة أوله علاقة بالسلطة وجهها إلى (سليمان السعوي) يقول فيها: خرِّج عبد الرحمن الحنيشل مائتين وزنة ومعنى خرِّج اعطها عبد الرحمن الحنيشل أو أجعلها تحت أمره، ثم فسر المراد منها بقوله: وهي النصف اللي للشيوخ، والشيوخ هو الحاكم، وقد كتبت في عام 1290 هـ. وذلك زمن إمارة مهنا بن صالح أبا الخيل على القصيم.
ومنهم الشيخ عبد الله بن عودة بن عبد الله السعوي، تولى عدة مناصب قضائية منها قضاء جيزان ورئاسة المحكمة الشرعية في الدمام.
ذهب الشيخ عبد الله بن عودة السعوي مع الدفعة الثانية الكبيرة من المشايخ أهل نجد الذين أرسلوا قضاة ومرشدين إلى اليمن في عام 1353 هـ. والمراد باليمن جنوب المملكة جهة جيزان وما عنها شمالًا وجنوبًا من الساحل.
وكان الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله قد طلب من الشيخ عمر بن محمد بن سليم قاضي القصيم أن يختار جماعة من الإخوان وطلبة العلم المذكورين وهم الذين حصلوا على قسط كبير من العلم يؤهلهم للقضاء والإرشاد هناك.
فاختار الشيخ عمر أحد عشر شيخًا كلهم من أهل القصيم هم:
- عثمان الحمد المضيان من أهل بريدة.
- عبد الله بن عودة السعوي من أهل بريدة.
- علي بن عبد الرحمن الغضية من أهل بريدة.
- عبد الرحمن الطرباق من أهل بريدة.
- عبد الله المحمد العامر من أهل بريدة.
- عبد الرحمن بن عقيل العقيل من أهل عنيزة.
- عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل من أهل عنيزة.
- عبد الرحمن الغانم الجمعي من أهل عنييزة.
- صالح البريه من أهل الرس.
- صالح بن محمد السلطان العمرو من أهل البكيرية.
- محمد
…
الربع من الرس.
والتحق بهم الشيخ عبد الرحمن المحيميد في مكة المكرمة.
ومما يذكر في أمرهم أن الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل وهو أحدهم حدثني بأمرهم وكيف ذهبوا من بريدة إلى مكة المكرمة للحج وأن الشيخ عمر بن سليم كان حَجَّ أيضًا وبحث أمرهم مع الملك عبد العزيز.
وقال لي الشيخ ابن عقيل: إن جميعهم قد التحقوا بالدار الآخرة إلا أنا، فأنا الوحيد الذي بقي منهم حتى الآن على قيد الحياة! ! !
حدثني بذلك عام 1423 هـ فقلت: لا عجب في ذلك لأن سفرتكم تلك كانت مضت عليها سبعون سنة.
ولكن الشيخ ابن عقيل كان ولا يزال حاضر الذهن، بل صافي الفكر، لم يتغير من فكره شيء رغم بلوغ سنه التسعين في هذا العام، إذ ذكر لي أن ولادته كانت في عام 1333 هـ.
ووالد الشيخ عبد الله بن عودة السعوي ورد ذكره في وثيقة مؤرخة في عام
1299 هـ بخط العالم المشهور صالح بن دخيل وذلك في مدينة الدائن فيها عبد الرحمن بن عبد الله الصوينع والمدين دبيان العبد الله النعيم من أهل الشماسية.
والشاهدان فيها هما عودة العبد الله السعوي ويوسف المزيني.
وخط كاتبها واضح معروف فلا حاجة إلى نقلها بحروف الطباعة وإنما ننقل صورتها هنا:
كان الشيخ عبد الله بن عودة السعوي جادًا بعيدًا عن المزح والهزل لا يطيقه إذا كان ذلك في الأمور الدينية، وقد ابتلي مرة بحمد بن محمد الصقعبي الملقب (حمدة).
كان من عادة الشيخ السعوي وهو في الدمام أن يبقى بعد صلاة الفجر في المسجد على ذكر وتلاوة قرآن، وفي تأمل أو نعاس بحيث لا يخرج من
المسجد إلى البيت إلا بعد طلوع الشمس فأراد حمد الصقعبي أن يمزح معه في وقت لا يحب فيه المزح أصلًا وهو بعد صلاة الفجر فجلس بجانبه، وقال: أحسن الله إليك أبي أسألك يا شيخ عبد الله، فقال له الشيخ: ماهوب هالحين إن شاء الله إذا طلعت الشمس تعال عندنا بالبيت أو مر علينا بالمحكمة.
فقال: لماذا؟
فقال الشيخ: لأن هذا الوقت وقت ورد ودعاء، فقال الصقعبي: أنا أبي أسألك مسألة دينية، ولا تتحمل التأجيل لأن الذي أوصاني أسألك عنها امرأة ستسافر قبل طلوع الشمس، فقال الشيخ: إسأل.
قال: المرأة إذا كان لها عبد مملوك، هل يجوز لها أن تسرره؟ يعني يكون لها (سِرِّي) يعاشرها كما يعاشرها زوجها، إذا لم يكن لها زوج، فامتعض الشيخ ابن عودة من هذا السؤال، وقال: ايش هذا؟
فقال الصقعبي قالت لي المرأة: الرجل إذا صار له عبدة مملوكة جاز له أن يتسررها ويعاشرها كما يعاشر الرجل زوجته؟ والمرأة إذا كان لها عبد تملكه ما تسرره، ويكون لها كالزوج؟
ثم استدرك الصقعبي قائلا: المرأة تقول: أنا مالي زوج وأعرف أن المرأة التي لها زوج لا يجوز لها أن (تسرر) عبدها لكن اللي مالها زوج القياس انها تسرر عبدها! !
وكان الشيخ يعلم مثلما أن الصقعبي يعلم أن ذلك لا يجوز ولكنه جاء بذلك على سبيل المزاح! ! !
توفي الشيخ عبد الله بن عودة السعوي في عام 1379 هـ.
ترجم له الشيخ إبراهيم العبيد بقوله:
وفيها وفاة الشيخ عبد الله بن عودة رحمه الله تعالى، وهذه ترجمته: هو العالم الزاهد ذو العقيدة والمعرفة الشيخ عبد الله بن عودة بن عبد الله بن علي بن سليمان آل سعوي يرجع نسبه إلى قبيلة عنزة، وكان منشأه من قرية المريدسيّة من أعمال بريدة، ولد سنة 1308 هـ. وفي السابعة من عمره أدخل مدرسة أهلية للدراسة وتعلم القرآن فأخذ يتعلم حتى ختم القرآن ثم تعلم مبادئ الكتابة والحساب على حسب سير الدراسة إذ ذاك.
ولما حفظ القرآن وكان قد بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة أخذ يطلب العلم من المشايخ فأخذ عن الشيخ عيسى الملاحي وأخذ عن الشيخ عبد الله بن حسين أبا الخيل وأخذ عن الشيخ عبد الله بن فدا العالم الزاهد، وجعل يتردد إلى مدينة بريدة يأخذ عن الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم وعن الشيخ عمر بن محمد بن سليم وكان ورعًا ناسكًا وعليه السكينة والوقار وله سمت حسن.
وفي عام 1346 هـ عين إمامًا وواعظًا ومرشدًا في قرى بني مالك، ولما كان في 1353 هـ وطلبت الحكومة من الشيخ عمر بن محمد بن سليم قضاة وأئمة ووعاظًا إلى جهة عسير وجيزان كان من ضمن الذاهبين فكان قاضيًا في صبياء ثم نقل إلى قضاء جيزان، فكان رئيسًا لمحاكمها هناك ثم إنه نقل إلى الدمام في المنطقة الشرقية فكان رئيسًا للمحاكم هناك واستمر على سيرته، وكان مسددًا في أقضيته ويحرص على الصلح ليرضي الخصمين، وكان متأنيًا ومعه خوف من الله تعالى مديمًا على ذكره وصولًا لرحمه ويحب الإصلاح بين الناس متحريًا العدل والإنصاف إلى أن شعر بالشيخوخة فتقدم بطلب إحالته إلى المعاش فأجابت الحكومة طلبه وعاد إلى وطنه بريدة.
كان له حظ في الوظائف التي نالها، ومع مزاولة هذه الأعمال فإنه لم يشاغب أحدا ولم يتقدم خصم بشكاية ضده متظلمًا، بل كان موضع الإعجاب