الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدالة الاجتماعية
زارني شرطي دمشقي فقال إن له اثنتي عشرة سنة في الوظيفة وراتبه خمس وخمسون ليرة في الشهر، ويبلغ مع الضمائم وتعويض الأسرة مئة وخمساً وخمسين، وله امرأة وثمانية أولاد، وقد نُقل إلى اللاذقية. وسألني كيف يمكن أن يعيش فيها؟ من أين يأتي بأجرة الدار وثمن الطعام واللباس والدواء وتكاليف المدرسة؟
كيف يمكن أن يعيش؟ أأنا الذي يُسأَل عن هذا؟!
إنما تُسأل عنه الحكومة، إنما تسأل عنه السلطات التشريعية التي وضعت قانون الموظفين، وحددت المراتب والرواتب.
كيف يمكن أن يعيش؟ ألا يتنازل أحدٌ من أهل الحل والعقد فيفكر فيه؟ ألا يلتفت إليه أحد؟ أليس بشراً؟ أليس سورياً؟ أليس له على هذا الوطن الذي يخدمه ويحمي أمنه وراحته حق السكنى والطعام واللباس له ولأسرته؟
والحارس الذي يبقى في الطرقات في تلك الليالي الباردات، على حين نأوي نحن إلى دورنا الدافئات، والذي يسهر الليل كله ليدفع عنا الأخطار ونحن نيام، ألا يحق له أن يحيا الحياة التي يتمتع بها الدواب: يأكل وينام؟
فهل يكفيه راتبه ليجد هو وأهله كوخاً ينامون فيه، وطعاماً يشبعون به؟ وآذن (1) المحكمة، وخادم المدرسة، وموزع البريد، والدركي، وجندي الإطفاء، ومراقب الإنتاج، وممرض المستشفى
…
كيف يعيشون؟
وكيف يكونون أعفّةً أمناء لا يسرقون أموال الدولة، ولا يبتزون أموال الناس؟ لقد نُشر في الجريدة الرسمية من نحو سنة أن أقل أجرة للقميمي (الذي يقعد على الزبل ويشتغل بوقود الزبل) مئة وعشرون ليرة، فإن أعطاه الحمّامي أقلَّ منها كان له أن يدعي عليه في المحكمة ويطالبه بالفرق، فخبروني: على مَن يدعي الموظف الذي تعطيه الحكومة أقل من الراتب الذي حددته للقميمي؟ وإلى أي محكمة يرفع شكواه؟ ومن هو الذي ينصفه ويدفع عنه ظلامته؟
ومتى تفرغ الحكومة لإصلاح الملاكات، فتلغي الوظائف الكبيرة التي لا ضرورة لها، وتزيد الرواتب الصغيرة التي لا يصبر عليها، حتى لا يكون في الدولة موظف لا عمل له، ولا يكون فيها موظف لا يكفيه راتبه؟
وبذلك نكون أمة ديمقراطية، ويكون فينا عدالة اجتماعية!
…
(1) ويُسمّى في المملكة الفرّاش.