الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاوموا هذه الأفلام
ما كنت أدري -قبل اليوم- مبلغ ما تصنع هذه الأفلام بنفوس الشبان، وكنت إن أنا رأيتها (ونادر أن أراها
…
) أنظر إليها بعين رجل جاز الأربعين من سنين، وبلغ ذروة العمر ثم هبط الجبل من الوجه الآخر، فلم يبق له من ميول الشباب إلا ما يبقى من زاد المسافر في آخر السفر، وخبت في أضلاعه تلك النار فلم تخلف إلا جمرات توشك أن تصير رماداً. فكنت أنكر منها أنها فقدت سنا الفن فاستبدلت به بريق الخلاعة، وأضاعت عقدة القصة، وقوة الإخراج، فوضعت مكانها هذا الغناء المخنث الذي يسمع في كل موقف، ورقص البطن الذي يظهر في كل مشهد، وهذا التهريج الذي لا تخلو منه رواية ولو كانت في زعم مخرجها ملحمة (دراما) لا يصلح لها إلا حوافز البطولة، أو مأساة (تراجيدي) لا يفيد فيها إلا دوافع الألم.
ولكني عرفت اليوم أن هذه الأفلام ليست كفراً بالفن وحده، ولا إلحاداً في الذوق فقط، ولكنها مدمرة للأخلاق، مفسدة للشباب، مضيعة للرجولة. عرفت ذلك من الحديث الذي كان يتهامس به تلميذان قعدا إلى جواري في الترام، تلميذان لا أحسبهما فارقا المدرسة الابتدائية، ولا أراهما بلغا مبلغ الرجال، كانت تمر على لسانيهما ألفاظ أرتجف أنا الرجل الكهل عند سماعها تومئ إلى معانٍ خبيثة ما كنت أظن البغايا القارحات يعرفنها، لا، ولا الفساق العتاق من رواد الحانات وقطان المواخير، ويصرحان خلال ذلك بأسماء فلانة وفلانة من الممثلات، ويعرّضان تعريضات نجسة مخيفة
ببنات يذكران أسماءهن مقرونة بضحكات ذات دلالات وآهات وإشارات بالأيدي، قدرت أنهن من بنات الجيران أو قريبات الأسرة.
فجعلت أفكر في هذين الولدين: كيف ينصرفان إلى درس أو يصغيان إلى مدرس، ولهما من هذه الهواجس ما يملأ حياتهما حتى ما يدع فيها فراغاً لعلم ولا لعمل؟ وماذا يكون منهما إذا كبرا غداً ودخلا مدخل البلوغ، وتفجرت في أعصابهما الشهوة التي أودعها الله أعصاب الشباب، ماذا يصنعان يومئذ؟ إنهما لن يكونا إلا عبدين من عبيد إبليس، لن يكونا إلا لصين من لصوص الأعراض، لن يكونا إلا مصيبة على البلد ووبالاً على أهله.
لا. لا تحسبوا أني أبالغ، فإن هذه هي النتيجة الحتمية للمقدمات التي دل عليها ذلكم الحديث. ولقد أشرت إليه الإشارة التي تحتملها صحيفة سيارة تدخل كل بيت ويقرؤها كل شاب وتراها كل فتاة، ولو أني استطعت أن أنقل الحديث بنصه لقفّت من هوله شعور القراء، ولعلموا أن عرض هذه الأفلام على الفتيان والفتيات جريمة وطنية قبل أن يكون جريمة دينية أو خلقية؛ لأننا نريد شباباً أقوياء يحمون الحمى ويذودون عن البلاد، تفيض قلوبهم رجولة وتلتهب دماؤهم حماسة في الخير، لا مخنثين قد ضاعت عقولهم بين الأفخاذ والبطون!
إن هذه الأفلام تفسد كل ما تصنع المساجد في تربية القلوب والمدارس في تنمية العقول والثكنات في تقوية الرجولات، ولو كانت من عمل إسرائيل لتقتل بها روح الجهاد في هذا الشعب لما كانت شراً مما هي الآن.
فكافحوها كما تكافحون الكوليرا والجراد وإسرائيل.
***