الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضة
كنت أعددت لهذا العدد كلمة غير هذه وحملتها إلى الجريدة، فلقيني عند باب العمارة صديق لي من الموظفين له مرتب جيد وزوجة متعلمة بنت أكابر، وقال لي: أستحلفك بالله أن تسمع ما أقول لك وتنشره غداً.
قلت: إني هيأت كلمة الغد، وهي معي، فانتظر يوماً آخر.
قال: لا والله. لا تكتب إلا عني.
قلت: أتريد أن أعدك من غير أن أعرف الموضوع؟ لعله سخيف.
قال: إنك تكتب أشياء كثيرة لا تخلو من سخف
…
فاحسب هذه منها.
قلت: طيب
…
إنّا لله؛ تفضل.
قال: اشتريت لزوجتي الشتاء الماضي ثوباً للسهرة من الجوخ الغالي، غرمت في ثمنه وخياطته ثلث راتبي بالضبط، واضطرب ميزان مصروفي، وقاسيت الضيق أشهراً، حتى إذا أوشكت أن أسد النقص وأدفع العجز في الموازنة تغيرت «الموضة» وجاء زي التطويل والتعريض، فقامت تطلب ثوباً جديداً، ودأبت تلح علي وتثقب أذني وتأخذ بخناقي حتى ذهبت فاشتريته لها، وغرمت هذه المرة نصف الراتب. فلم ينقض إلا زمن يسير حتى تغيرت «الموضة
…
» وصار الزي أن يكون الثوب إلى نصف الساق لا يصعد
إلى الركبة كما كان أولاً ولا ينزل إلى الكعب كما صار ثانياً، فعادت إلى الطلب، فماذا أصنع؟ ومن أين أشتري لها ثوباً جديداً؟ وإذا أنا استدنت واشتريته وأكلت الخبز والجبن شهرين لوفائي الدين، فمن يضمن لي ألا تتغير «الموضة» مرة رابعة وخامسة وعاشرة ما دامت الأزياء في باريس ونيويورك تلعب بنا كما تريد وتأخذ من أموالنا وتمتص دماءنا؟ ومن يخلصني منها ومن امرأتي المحترمة التي حيرتني: إن رددت طلبها نغصت حياتي، وإن أجبتها خربت بيتي؟
ماذا تعمل أنت؟
قلت: أما أنا فقد عافاني الله مما ابتلاك به، ولكني أسأل لك القراء!
***