الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«صحفي»
!
نشرت سنة 1932
كان على درجة من الاطلاع والعلم لا بأس بها. لولا أنه كثير الفخر بهذا العلم، فلا يدع مجلساً يُذكر فيه العلماء والمثقفون إلا وتحدث فيه عن نفسه؛ بأنه درس كثيراً من العلوم في الصف السادس الابتدائي، منذ عشر سنوات. وعلى الرغم من أن هذه العلوم الجليلة قد تبخرت من رأسه فقد بقي مجيداً للقراءة والكتابة، يقرأ المقالة ذات العمودين ولا يخطئ إلا عشرين خطيئة، لا في النحو والصرف؛ فهذا مُغتفر له، بل في التهجية، ولا مؤاخذة! أما أخلاقه فلم يكن فيها من عيب إلا أنها على غاية من
…
وأنها نموذج كامل للـ
…
...
مرّت سنوات لم أره فيها، ولم أفكر فيه أبداً؛ بم لأن صلتي به لم تكن تتعدى حد السلام، ولأنه خالٍ من كل ميزة علمية أو أخلاقية أذكره بها، وليس فيه إلا جماله وأنه غض غريض جذاب، ولكن هذه ميزة تعني غيري!
رأيته منذ أيام، بعد غيبة عني هذه السنين، فسلمت عليه كعادتي فلم
يرد عليّ كعادته، ولحظت أنه يسير منتفخاً كالكرة، شامخاً بأنفه إلى أعلى. فعجبت من شأنه وعزمت على التحدث إليه لأرى أي عظمة أفيضت عليه؛ أأصاب إرثاً من قريب له في أميركا (بلد المال) أم صار زعيماً في الشام (بلد الزعامات)؟ وإذا كان زعيماً فلماذا لا تصدره الشام إلى بلاد الله الأخرى، كما تصدر كل بلد ما تنتجه، فتعوض بإصدار هذا النوع ما خسرته من «القمر الدين» ولا تنتبه البلاد الأخرى إلى أنه «مغشوش» لأن الغش فيه فنيٌّ يصعب اكتشافه!
ولحقت به ففتحت معه باب الحديث: ها، سلامات سيد؟
…
سيد؟
- «فلان» !
…
سلامات.
- كيف الحال، إن شاء الله بخير، لم أرك منذ مدة، هل كنت مسافراً؟ ماذا تعمل في هذه الأيام؟
- والله
…
صحافي!
- صحافي؟ .. ها، لعلك درست في هذه السنين، وأحطت بما لا بد منه للصحافي من ثقافة واطلاع و
…
- درست؟ أنسيت أن متخرج من
…
- من الصف السادس الابتدائي. أعرف ذلك، ولكن الصحافة تحتاج إلى أكثر من هذه المعلومات. وكما أنه لا يجوز لامرئ أن يكون معلماً أو محامياً أو طبيباً إلّا بعلم وشهادة فكذلك لا يجوز لأي إنسان، جاهلاً كان أو
…
وكنت أريد أن أمضي في حديثي لأكشف النقطة التي خفيت على
كثيراً، لولا أنه فاجأني بقهقهة مريعة أرعبتني، وضربة على كتفي جعلتني أقف مبهوتاً، ثم قال:"شو ها الحكي؟ بلا علم بلا ثقافة؛ نحن في الشام! ".
فأدركت حقيقة الواقع المؤلمة، وانصرفت عنه وأنا أقول: ولهذا صارت الشام دون بلاد الله .. اللهم زد في صحافيينا المحترمين وبارك! (1)
…
(1) لا نحتاج إلى إيضاح بأننا لا نعني بهذا كل صحافيّي البلد، بل من قفز منهم من رعي الخروف أو من صندوق الحروف إلى رئاسة التحرير. وتبارك الخالق المبدع!