الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تيأسوا
من كان يظن سنة 1927 ونحن في أعقاب الثورة السورية والفرنسيون هم الحاكمون، والمستشار هو الوزير، والمفوض هو السيد المطلق
…
هو الحكومة وهو البرلمان وهو الحاكم بأمره، إن قال فقوله القانون، ورأى فرأيه الأمر، وإن نهى فنهيه التحريم، وفي كل قرية ظل من الانتداب وفي كل واد أثر من «ثعلبة» ! من كان يظن أنها لن تمر عشرون سنة حتى تستقل الشام فلا يبقى فيها جندي فرنسي واحد، وحتى تصير دارُ «الإيتاماجور» المعهدَ العربي الإسلامي، وقلعةُ غورو قلعةَ يوسف العظمة، وقصرُ المفوضية في العفيف خالياً خاوياً لا يقف عليه أحد، وقد كان مطمح الآمال؛ آمال المتزلفين والطامعين، ومهوى القلوب؛ قلوب المستوظفين والمستوزرين، وكانت الرغبة فيه، وكانت الهيبة له والرهبة منه، فغاب عنه ربه، وشرد عنه صحبه، ولم يبق منهم إلا ذكريات كادت تنطمس من النفوس، وأحاديث أوشكت أن تموت على الشفاه!
من كان يظن -قبل عشرين سنة- أنها ستكون للعرب جامعة دول، وأنه سيكون للعرب صوت في هيئة الأمم، وأنه سيكون رجل من سوريا رئيس مجلس الأمن، فيشهد له العالم بأنه خير رئيس؟ وأن تركيا سترجع إلى الإسلام؟ وأن الخمسة الذين كانوا مع الصديق الشهيد حسن البنا -رحمة الله عليه- سيصيرون مليوناً؟ ولا يزدادون على الأذى والعدوان إلا قوة
وتماسكاً؟ وأنها ستقوم في الشرق دولتان إسلاميتان عظيمتان فيهما مئة وخمسون مليوناً هما أندونيسيا والباكستان؟ وأن أمم الإسلام ستتعارف وتتدانى ويكون لها مؤتمر إسلامي يضم مصر والباكستان، وسورية والأفغان، والعراق وإيران، وأندونيسيا وسيلان، والمغرب والسودان، واليمن وتركستان، وغير هذه من الدول؟ وأن المسلمين غدوا كالجسد الواحد، تتألم الشام لمصاب مراكش، وتهتم الباكستان بقضية مصر، وتجزع دنيا الإسلام من «تهنيد» كشمير جزعها من «تهويد» فلسطين؟
فيا أيها الناس: لا تيأسوا؛ إننا نمشي إلى خير. إنها لا تزال في الأرض الأوحال، وفي السماء السحب، ولكنها أعقاب الشتاء، قد أقبل الربيع.
إنه قد طلع الفجر فلا تخشوا بقايا الظلام على حواشي الأفق. إننا كصاعد الجبل ننظر إلى الحفر تحت أقدامنا والذروة من فوقنا، فنشكو بعد الغاية، وصعوبة المرتقى، وحق لنا الشكوى. ولكن لننظر وراءنا لنرى كم قطعنا من الجبل، إننا ماشون إلى الأمام، وكل من مشى على الطريق وصل.
وإني لأرجو ألا أموت حتى أرى جامعة الدول الإسلامية قد صارت حقيقة، وأن أحكام الإسلام قد غدت قانوناً، وأن عز الإسلام قد رجع، وأن السماء قد صفت وانقشعت عنها هذه الغيوم؛ غيوم التفرق والانقسام، وإسرائيل والاستعمار، وما يؤذي الأخلاق من الفسوق، وما يؤذي العقيدة من النحل الخبيثة والمذاهب المنحرفة.
فيا دعاة الإصلاح، يا جند الإسلام، سيروا إلى الأمام مطمئنين.
***