الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في نقد الإذاعة
شرعت أكتب هذه الكلمة وما أدري: أتُنشَر أم تؤثر «الأيام» المجاملة فتُطوى ويذهب عنائي في كتابتها هدراً، لذلك أسطر فيها طرفاً مما ينبغي أن يقال، وأدع الباقي ليوم آخر.
وليثق القراء أني ما أكتب عن «الإذاعة» بغضاً بمن فيها، ولا حقداً عليها، ولكني أكتب للمصلحة العامة. وتحت يدي كتب ورسائل كثر تفيض بالشكاة المرة وبالألم والحسرة على ما انتهت إليه إذاعتنا، وتقول إن إذاعة إسرائيل لا تزال تحفز الهمم، وتشد العزائم، وتعد قومها لليوم الأسود، وتوجههم وجهة الجد والحماسة، وإذاعتنا تخدر الأعصاب بهذه الأغاني الماجنة الرخوة. وإذا هي جاوزت إلى تلاوةٍ ذكّرت السامعين بحديث: «رب تال للقرآن
…
» لأنها لا تكاد تجيئنا إلا بقارئين يغنون بالقرآن غناء، ويقفون حيث لا يجوز الوقف، ويتلون آيات العذاب بالنغمات اللطاف وآيات النعيم باللحن القوي، ويقرؤون أول الآية بالقرار الخافت الذي لا يُسمع، ثم يثبون في آخرها إلى الجواب العالي الذي لا يُدرك، ومنهم من يقطع القراءة في وسط الآية ويقف عند مبتدأ لا خبر له أو فعل لم يأت فاعله
…
لأن الوقت قد انتهى!
وإن أسمعتنا الإذاعة أحاديث كان أكثرها فياضاً باللحن القبيح المزري.
وأذكر -على سبيل المثال- الحديث الذي أذيع صباح الجمعة (أمس)، وهو ليس إلا سرداً لقصة تاريخية مشهورة، ومع ذلك لم يعرف المحدّث كيف يقرؤها؛ فقرأ:"جدٌّ لما جئنا له" وأعادها مرتين وهو يجعل «جد» اسماً مرفوعاً ولا يدري أنه لا يبقى لها بذلك معنى وإنما هي «جُدَّ» ؛ فعل أمر من الجد، وقرأ «الفضل بن عياض» وأطفال المدارس يعلمون أنه «الفضيل» ، وقال:«بر» بضم الباء وهي بالكسرة (1)، وقال عليٌّ بن أبي طالب (بالتنوين) مع أن القاعدة (التي تُقرأ في الصف الأول الثانوي) أن كل عَلَمٍ وُصف بابن لا يُنوَّن.
وهذا مثال صغير من اللحن في الأحاديث، أما اللحن في الأخبار فلا يمكن إحصاؤه. والأخبار لا يُراعى في سردها مصلحة قومية، ولا وعي وطني، بل ربما جاء فيها ما هو مناف للمصلحة القومية؛ كخبر إعطاء جائزة للدكتور بانش ومدحه والثناء عليه مع أن موقفه في فلسطين معروف، (والجائزة لم تعطَ له إلا بفعل اليهود كيداً للعرب وإيذاء لهم).
والجلسات التي تعقد للطلاب أقل ما يقال فيها إنها لا ترضي العلم ولا اللغة، ولا يمكن أن ترضيهما ما دام يقوم عليها مذيع عادي، ولم يوسد أمرها إلى أستاذ كبير مشهود له بالعلم والبيان.
إن الإذاعة هي ترجمان الأمة، ولسان الوطن. وإنه ينبغي أن يكون عليها أديب ضليع، قوي المشاركة في العلم، موثوق من إيمانه ومتانة أخلاقه وإخلاصه للوطن.
…
(1) البِر (بكسر الباء) الخير، والبُر (بضمها) حبّ القمح.