الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمة العاقلة لا تسرف
روت الصحف أن أول ما صنعه جلال بايار بعدما صار رئيس الجمهورية التركية أن فض الموكب وصرف الحاشية، واستغنى عن تلك السيارات وذلك الحرس، واكتفى بسيارته تمضي به وحده؛ يحرسه عدله، وماضيه، ومنزلته في نفوس الناس.
وروى التاريخ أن عمر بن عبد العزيز لما بايعه الناس خليفة المشرق والمغرب، وسيد المملكة التي تحكم ما بين الصين وفرنسا، وخرج لينصرف، رأى المواكب الضخمة والمراكب عليها سرج الذهب والألوية والشارات، فقال:"ما لي ولهذا؟ نحّوه عني وقربوا لي بغلتي"
…
وركب بغلته إلى داره (في موضع السميساطية) لا إلى الخضراء قصر الخلافة (1).
فما ضر جلالاً أن اكتفى بسيارة واحدة وهو رئيس؟ وما ضر عمر أن اقتصر على بغلته يركبها ويسير بها في طرق دمشق وحيداً، وهو الحاكم المطلق في تسع وعشرين دولة من دول اليوم، وهو الذي إن قال: لا، لم يكن على ظهر الأرض من يجرؤ على أن يقول: نعم، وإن قال: نعم، لم يقل بشر: لا!
(1) قصر معاوية وخلفائه في موضع القباقبية ومصبغة الخضراء اليوم.
هل قلّ بذلك قدرهما، وهبط مكانهما، أم ازدادا بذلك رفعة وقدراً، وصارا بذلك مثلاً خالداً للمجد الخالد؟
فما للعرب، لا يسمع «كبارهم» ولهم تضرب هذه الأمثال؟ ما لهم: همهم المظهر لا الجوهر، والإطار لا الصورة، والكأس لا الشراب؟ أما لنا في باكستان عبرة، وهي الدولة ذات الثمانين مليوناً، ودوائرها تحت الخيام، لأنها تريد أن تبني المصانع والقلاع، قبل أن تشيد القصور والمغاني؟
وماذا يضر الوزير والموظف الكبير أن يركب الترام مع الناس، وقد كان مركبَه قبل الوزارة، وإليه معاده بعدها؟ وماذا يضر النائب أن يضرب من نفسه المثل فيقرر لها أربعمئة ليرة بدل الثمانمئة؟
وماذا يضر هذه الأمة لو عقلت، فتركت الترف وهذا السرف، وأخذت بأحد المثلين: المثل العربي في أول الزمان، أو المثل التركي في آخر الزمان؟
متى نعقل؟!
***