الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلاج بالزواج
كلما نشرت كلمة من هذه الكلمات تلقيت سيلاً من التعليقات والردود، أنشر منه ما أنشر وأحفظ ما أحفظ، وهذا تفضل من القراء تعودته منهم من عشرين سنة من يوم «فتى العرب» مع الأستاذ معروف الأرناؤوط رحمه الله، إلي عهد «اليوم» مع الأستاذ عارف النكدي، إلى أيام «الرسالة» مع الأستاذ أحمد حسن الزيات.
ومن التعليقات على كلمة «فتاة اليانصيب» (1)(التي أشكر لمديرية الشرطة إسراعها إلى إزالة المنكر الذي أنكرته فيها) كتاب طويل جداً حافل بالأسماء والحوادث، تكلم فيه مرسله عما في الأسواق وفي المصانع التي فيها عاملات، والمكاتب التي فيها سكرتيرات، والبيوت التي فيها خادمات، وسرد قصصاً وروى وقائع يقف لها شعر من كان في قلبه حبة خردل من دين أو من شرف، وطلب مني أن أكتب وأن أستصرخ الحكومة وأثير المصلحين وأستنزل غضب الله على أهل هذه البلدة التي لا تنكر منكراً.
ولكني لن أفعل؛ لأني أعلم -مع الأسف- أن هذا أمر لا تنفع فيه الخطب ولا تفيد المواعظ، وما مثل الواعظ فيه إلا كمثل من يجيء إلى
(1) الكلمة منشورة في كتاب مقالات في كلمات، ص 52.
الجوعان وأمامه الأطباق فيها من أطايب الطعام من كل حلو وحامض وحار وبارد، فيعظه ألا يأكل منها، ثم لا يأتيه بغيرها.
كلا. إن الله ما حرم شيئاً إلا أحل شيئاً يغنى عنه ويقوم مقامه: منع الربا وأباح البيع، وحرم الزنا وأحل الزواج. فلماذا تريدون منا أن نخالف طبيعة الله التي طبع البشر عليها، وشريعته التي دل الناس عليها؟
كلا. إنه لا دواء إلا الزواج، الزواج. هذه هي الحقيقة، وأنا سأظل أعلنها وأكررها حتى يستجيب الناس إليها أو ينبري القلم في يدي أو تغلق «النصر» بابها دوني، وأرجو أن أكون في ذلك من المجاهدين وأن أمحو بذلك بعض ذنوبي وتفريطي في جنب الله.
ولقد بت أعتقد -بعدما تلقيت من كتب إخواننا الشبان في الرد على ما كتبته وما وجدت فيها من سوء الفهم ومن السب والشتم- أن كثيرين منهم لا يريدون الزواج ويؤثرون عليه هذه الحياة
…
التي يتذوقون فيها لذة «الزواج!» ولا يحملون تكاليفه؛ فهم لذلك يحتجون بهذه الحجج الواهية التي تنطق بها شهواتهم لا عقولهم.
يقولون: السكن والنفقات وتكاليف الحياة الزوجية. وهذا (وإن وجب علاجه وإصلاحه) لا يمنع من الزواج. وكل شاب يجد بنتاً ترضى به بشرط أن يراعي الكفاءة، ويفتش عن الموافقة في المشرب وفي الغنى وفي المكانة الاجتماعية. فمن كان لا يجد إلا مئة ليرة في الشهر، يستطع أن يخطب بنت رجل من طبقته يعيش بمئة ليرة في الشهر فترضى به وتألف عيشه لأنه مثل عيشها في دار أبيها، ومن كان يسكن غرفة بالكراء عند جيران طلب بنت أسرة تعيش عند جيران في غرفة بالكراء، ومهما بلغ من فقر الشاب يستطيع -إذا صدق الطلب- أن يتزوج بنت رجل فقير مثله. ولكن أكثر
الشباب لا يريدون الزواج، ويجزعون منه، ويأتون بهذا الكلام الفارغ، كأن مشكلة الزواج صارت مجالاً لوظائف الإنشاء تنشر في الصحف، وطريقاً لكل محب الشهرة من أولاد المدارس ليفرح برؤية اسمه مطبوعاً في الجرائد.
وما أدري والله ماذا يريد هؤلاء الشباب؟! ولو أنا قبلنا منهم وأعفيناهم من تكاليف الزواج، فهل يريدون أن نبني لهم أديره في الجبل نجعلهم فيها رهباناً أم نسلطهم على بنات الناس؟
منكم يا أيها الآباء أريد الجواب؛ أنتم يا من في بيوتهم بنات كاسدات، يا من يغارون على العرض، ويحرصون على الشرف. الخطاب لكم، والكلام معكم، والبلاء إن وقع واقع عليكم، فما لكم ترون ولا تفكرون، وتسمعون ولا تعملون، ألا تخافون على بناتكم؟
يا أيها الآباء: الله الله في أعراضكم، وفي عفاف بناتكم!
***