الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متى نثق بأنفسنا
؟
من أمد قريب زارني رجل كنت أعرفه مدير مدرسة أهلية، ومعه شاب غريب قابلني بأدب وتواضع وقال لي إنه الملحق الثقافي في المفوضية الإنكليزية، ليأخذ مني تصريحاً بأن الشيوعية مخالفة للإسلام. فأفهمته بأن الشيوعية والديموقراطية، والروس والإنكليز والأميركان كلهم عدو للإسلام.
وانصرف غير مسرور
…
وكلمني بعد ذلك بيوم رجلٌ كنت أعرفه في العراق معلمَ رسم، فقال بأن الملحق الصحافي الروسي يريد هو الآخر أن يزورني، فأخبرته أنه لا شأن لي به ولا بالآخرين، وأنهم كلهم عدو. وانصرف غير مسرور
…
وجعلت أفكر، أفكر في هذه الحال التي لا يمكن أن تصل إلى أسوأ منها أمة ذات كرامة واستقلال.
غدونا مثل الشحاذين الذين يمدون أيدهم ليتلقفوا كل ما يلقى فيها. والحكومة غافلة، والعلماء نائمون.
الحكومة لا تفتح عينيها لترى ما يصنع هؤلاء الناس، وكيفا يتصلون برجال منا: يزورني أحدهم أول مرة فيكون التعارف، ثم يدعوني فتكون المودة، ثم يتصل الود فتكون الصداقة، ثم أصير جاسوساً وأنا لا أشعر!
وإلا فما هو الجاسوس، وماذا يصنع أكثر من هذا؟
وهؤلاء الوسطاء: أليسوا سوريين؟ ألا يعد عملهم هذا خيانة للوطن؟ ألا تمتد إليهم يد القانون؟
لقد تخلصت أنا من الرجلين لأني قد تعودت بأن أقول ما يقال، ولو خالفت هذا الآداب المخنثة المائعة التي يسمونها آداب المجاملة، وعرف الناس ذلك عني، فصاروا يقبلونه مني. ولكن ما كل واحد يستطيع الخلاص منهم. فأين الحكومة؟
والعلماء لا يشعرون أن عليهم واجباً ثقيلاً، هو أن يفهموا الشباب أن النظام الشيوعي والنظام الرأسمالي، ليسا هما كل شيء، ولا يجب حتماً أن نتبع واحداً منهما، ونكون مطايا لأصحابه، وأن لنا نظاماً مستقلاً، نظاماً كاملاً شاملاً يحل هذه المشكلات كلها على طريقته؛ وهو الإسلام.
لقد قام رجل مسلم فصرح بهذه الحقيقة وسط الكونغرس الأميركي، هو لياقت علي خان، قبل أن يقوم العلماء المسلمون فيصرحوا بها في جامع بني أمية.
فأين العلماء؟
ومتى نشعر بكرامتنا فلا يطمع فينا كل راغب، ولا يستامنا كل طالب؟ ومتى نعرف ثرواتنا، فلا نمد أيدينا لنشحذ أبداً؟ نشحذ القوانين، وعندنا أعظم تشريع في الدنيا، ونشحذ المبادئ الاجتماعية والأساليب الأدبية كما نشحذ الموضات وأدوات الزينة؟
متى نكون رجالاً نقبل من الغرب النافع ونرفض الضار؟ ومتى نرى الحق حقاً ولو كان من مصنوعات الشرق، ونرى الباطل باطلاً ولو كان
عليه دمغة الغرب؟
متى نعرف قيمة أنفسنا فلا نذوب ونمحى إذا وقفنا أمام المسيو، ولا تنعقد ألسنتنا ونخرس إذا قال المستر، بل نواجههم مواجهة الرجال ونأخذ منهم ونرد عليهم، ونعلم أن المنبع الذي غرفنا منه حضارتنا ومجدنا وأفضنا منه على الغرب لا يزال متدفقاً جارياً، وأنا نستطيع أن نغرف منه وأن نفيض على العالم مرة أخرى؟
إننا لا نحتاج إلا إلى شيء من الثقة بأنفسنا والإيمان بكفاياتنا، وبأن لنا ثروة من العلم والتشريع والحضارة والخير والعدالة الاجتماعية لا نحتاج معها إلى «شحاذة» القوانين والمبادئ
…
هي الإسلام.
***