الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وظِّفوا الأصلح
أحب أن أرجع اليوم إلى هذه الكتب التي سماها أعداؤنا الكتب الصفراء لينفروا منها شبابنا ويصرفوهم عنها، لا حباً بهم بل خوفاً منها؛ فهم يعلمون أن في هذه الكتب ثروة لا تفنى من الفضائل والقوى، وهم لا يريدون أن تقوى. وفيها أقوى الدوافع إلى اليقظة والجهاد، وهم لا يحبون أن نتيقظ ولا أن نجاهد.
في هذه الكتب قاعدة من قواعد ديننا اشتمل عليها هذا الحديث الجليل؛ هي أن من ولى أحداً أمراً عاماً من أمور المسلمين، وفي الأمة من هو أصلح له وأقدر عليه، فقد خان الله ورسوله وجماعة المؤمنين. أي أن الحاكم الذي يعين موظفاً في وظيفة من الوظائف قبل أن يفتش ويبحث وينظر هل في الأمة من هو أصلح لها منه (وقبل أن يعلن الأمر ويدعو الراغبين فيها الصالحين لها إلى المسابقة) والذي يجعل من أسباب الترجيح والتقديم القرابة والصداقة والرابطة الحزبية .. والمنتخِب الذي ينتخب للنيابة رجلاً وفي المرشحين من هو أحسن منه .. والرئيس الذي ينتقي للوزارة رجلاً وعنده من هو خير منه .. كل أولئك ينطبق عليهم هذا الحديث.
والمسلم ليس الذي ينطق بالشهادة ويصلي ويصوم ويحج فقط، بل الذي يكون في أخلاقه ومسلكه متّبعاً ما جاء به الإسلام، واقفاً عند أمره
ونهيه، مؤثراً أحكامه على شهوات قلبه وميول حزبه. وإن للمسلم موازين ومقاييس يعرف بها هل هو مسلم حقاً، أم هو مدع منافق، فإذا كان من أولياء الأمر، وسمي له رجلان لوظيفة أحدهما نكرة مجهول لا صلة له به، بل ربما كان عدوه وخصيمه، وثانيهما صديق معروف، له عليه فضل المعونة في الانتخاب، وحق المشاركة في الحزب، وكان الأول أفضل منه بوزن شعرة واحدة، واختار الثاني للوظيفة
…
فإنه يكون خائناً.
أقول هذا وأنا لا أريد وظيفة ولا أطلبها لصديق ولا قريب. ما أقوله إلا لأن على العالم أن ينصح، وعلى الكاتب أن يبين، فإذا سُمعت هذه النصيحة فإن الحمد لله، وإن مرت كأنها نسمة في صحراء، فإن حسبي أني قد بلّغت.
***