الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلادنا التي فقدناها
حديثي الليلة -أيها السادة والسيدات- عن قطعة من بلادكم تملكونها ولا تعرفونها، عن كنز لا تعدله الكنوز، عن «الحمة» . ماذا تعرفون عن الحمة أيها السامعون؟
لقد كنت -مثلكم- أسمع عنها ولم أرها، فكنت أتخيلها بركة آسنة في قفرة حارة ملتهبة، فلما رأيتها رأيت جنة على الأرض، رأيت كنزاً، رأيت شيئاً لا مثيل له في الدنيا.
تصوروا -يا أيها السادة- متنزهاً جميلاً جمال وادي الزبداني، دافئاً في الشتاء الذي تقضقض فيه العظام من البرد، فيه الغرف الأنيقة وفيه المسالك الساحرة، وفي غرفه الماء الساخن صباحاً ومساءً. كيف تكون رغبتكم فيه، وإقبالكم عليه؟
فكيف إن كان الماء الساخن يجري فيه دائماً؟ وكيف إن كان قد أذيب في هذا الماء من الأدوية والعقاقير ما هو شفاء لعصي الأمراض: لحصوات الكلى والمرارة والمثانة وللناصور والتهاب الأعصاب والنقرس وآفات الجلد؟
***
لقد كنت أتمنى أن أرى «الحمة» من زمان طويل فكانت تمنعني موانع الحياة، حتى تفضل فأخذني إليها الإخوان الأساتذة: نهاد القاسم، وأنيس الملوحي، ومصطفى الزرقا، ومرشد عابدين.
سلكنا إليها طريقاً (1) معبداً مررنا فيه على «القنيطرة» وعلى القرى الشركسية الأنيقة البهية المنظر، حتى إذا جاوزنا «فيق» نظرنا فإذا تحت أقدامنا منظر من أروع ما خلق الله من منظر. مشهد يستهوي الفؤاد جمالاً، ولكنه يملأ القلب لوعة وأسى: منظر بحيرة «طبريا» والبلاد من حولها والقرى على سفوح الجبال المطبقة بها. منظر بلادنا التي صارت لغيرنا، وقد كانت لنا، بنينا بأيدينا بيوتها، وحرثنا أرضها، وفيها بقايا من أجسادنا، وفيها رفات أجدادنا. في كل شبر منها ذكرى لنا، وقطعة من قلوبنا.
وكان حولنا أطفال من أطفال اللاجئين، ينظرون إلى بيوتهم التي أُخرجوا منها فصار حراماً عليهم دخولها، وأموالهم التي تركوها فيها وحرموا منها، حتى صاروا يشحذون بعدها. ينظرون إليها من علٍ كما ينظر النسر الجريح على الذرى إلى طعامه تأكله الكلاب.
إنه ليس في تاريخ البشرية مظلمة أشنع منها ولا أبشع، كلا، ولا الأندلس. إنها ديارنا نحن من ألفي سنة نُخرج منها ويؤتى بناس ما هي بديارهم ولا ديار آبائهم، ولا يعرفونها، وليس لهم فيها أثر ولا لها في قلوبهم ذكرى؟
ولكن الله عادل والظلم لا يدوم.
إننا سنستردها، إلا نحن فأولادنا.
(1) الطريق والسبيل يذكران ويؤنثان، والتذكير في الطريق أفصح أما في السبيل فالتأنيث.
إننا سنلقن أبناءنا في المهد أنشودة الثأر، ونرضعهم مع اللبن بغض الغاصبين. إنه يستحيل أن تشتعل نار صهيون وحولها بحر زاخر من العروبة، ويستحيل أن يغلب مليون يهودي سبعين مليون عربي.
ستنبت أجنحة النسر وينقض على الكلاب. سنسيطر مِن هذه الذرى على مَن في الحضيض، وإلا لم نكن من أصحاب المعالي.
لقد كان في تاريخنا أزمات أشد وأنكى، لقد عاشت للصليبيين الأوربيين الغاصبين دول استمرت أكثر من مئة سنة وحسب الناس أنها لن تزول، فأين هذه الدول؟
إن إسرائيل ستذهب كما ذهبت.
إني لا أشك في ذلك، وإلا لشككت في سلائق العرب، وفي صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وفي عدل الله!
***