الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكافأة البطولة
جاءتني رسالة من أخي شاعر الشام أنور العطار وهو مريض في داره، لم يمنعه مرضه من التنبيه إلى مكرمة والتذكير بواجب. يقول إنه شاهد في الأسبوع الماضي فلم «النافذة» فكان أعلق مشاهده بالذاكرة وأمسها بالنفس مشهد الطفل وقد انهار البناء به ولبث معلقاً على سارية متكئة على جدار تهتز في الفضاء، فما كان من رجال الإنقاذ إلا أن أخذوا بأطراف بساط وكلموا الطفل بالمكبر يستدرجونه ليلقي بنفسه عليه حتى نجا، والنظارة مشدوهون من هول المنظر ممسكون قلوبهم بأيديهم.
ويقول إن هذا المنظر -على هوله- لا يعد شيئاً إذا قيس بمشهد الطفل الذي روت «الأيام» أنه كان في جماعة العمال لما انهار بناء مسعود فبقي معلقاً من يده، وكان من المستحيل إنقاذه بالسلالم لأن أدنى حركة تهوي به وبالركن الذي يعتمد عليه، وكان مشهد الطفل يفتت الأكباد وكان صراخه يقطع القلوب، فما كان من رجال الإطفاء إلا أن تبايعوا على الموت، وانتدب نفسَه بطلٌ منهم فعرضها للهلاك ليخلص الطفل من الهلاك، وتدلى بحبل من شاهق حتى أنقذ الغلام.
حقيقة أربت -في روعتها- على زخرف الفلم وواقع أزري بالخيال، وبطولة إنسانية يهون معها كثير من البطولات التي دانت التاريخ.
ويعجب الأخ من المحافظة لأنها لم تشأ أن تعلّم الناس تقدير البطولة بإعلان اسم هذا البطل المجهول، ولم تلقنهم تمجيدها بمكافأته مكافأة توازي عمله. وبم لعمري يكافأ من عرض نفسه للموت في سبيل الواجب وفي سبيل الإنسانية؟ وهل نستكثر عليه أن نجود له بدرجة أو علاوة أو وسام وقد جاد لنا بنفسه التي لا يملك غيرها؟
والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
…
إن مكافأة المحسن واجبة وجوب معاقبة المسيء، وإن «مصلحة الإطفاء» قد أثبتت في كل موقفه أنها من خير مصالح الدولة وأنه لا يعدل صلاحها إلا فساد المحافظة الممتازة تشكو -معتذرةً عن ضعف مراقبة الأبنية- بقلة المهندسين، وتدفع أمس أربعة عشر ألف ليرة من أموال البائس والفقير من المكلفين لشراء سيارة جديدة
…
لأن السيارة الفخمة التي شريت من سنتين لم تعد تليق بالمقام!
وإذا كانت الحكومة عاجزة عن مكافأة هذا البطل لأن رواتب الموظفين الكبار (وتوابع الرواتب من هواتف وسيارات وتعويضات ورحلات وحفلات) تستنفد أموال الخزينة فإنني أقترح على «الأيام» أن تفتح باباً للتبرعات لتجمع مبلغاً من المال يقدم هدية لهذا البطل الذي لا أعرف إلى الآن من يكون، ولكني أعرف أنه من العار على دمشق أن تقعد عن تكريم البطولة وتقدير التضحية ومكافأة الإحسان.
***