الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أساس الإصلاح
أمام مجلس الوزراء الآن مشروعان أشهد أنهما من أحسن المشروعات، واحد على وشك الوصول إليه، وواحد على وشك الخروج منه: مشروع مكافحة الأمية، ومشروع أئمة القرى. ومثلهما، أو خير منهما، المشروع الذي أقره مجلس المعارف الكبير، ومشروع الدروس الدينية في المدارس.
وإذا استطاعت الحكومة إحالة هذه المشروعات إلى قوانين، ثم أحسنت تنفيذ هذه القوانين، كان لها في تاريخ هذه الأمة فصل عنوانه المجد والفخار، وكان لها في حياتها أثر خالد لا تمحوه الأيام، لأن تهذيب النفوس بالدين، وتنوير العقول بالعلم، هما من الإصلاح كالجذع من الشجرة؛ إن قام قامت به الفروع كلها، وإن قطع لم ينفع بعده فرع.
وما دامت الأمية منتشرة فينا، وما دامت الجهالة غالبة علينا، وما دام الناس لا يتبعون إلا هوى نفوسهم وشهوات قلوبهم، فإن كل محاولةِ إصلاح صراخٌ في واد ونفخٌ في رماد. وليس يفيدنا مع هذه العلل قانونٌ نسنّه، ولا مقال نزخرفه، ولا طريق نسويه، ولا بناء نعلّيه. والأمم لا تقاس حضارتها بجمال أرضها، ولا بكثرة مالها، ولا بضخامة بنيانها، ولكن تقاس حضارة الأمم بشيئين: كثرة المتعلمين فيها، وقلة المجرمين منها
…
تقاس بامتلاء المدارس، وفراغ السجون.
فاعملوا -قبل كل شيء- على ألا يبقى في البلاد أمّي، فإن من العار على سورية (وهي هي في ماضيها وحاضرها وما تأمل في مستقبلها) أن يكون فيها رجل واحد لا يستطيع أن يفك الخط أو امرأة لا تقدر أن تكتب لزوجها إن غاب عنها إلا بمعونة «العرضحالجي»
…
وارصدوا لذلك الأموال الكثيرة، وابذلوا فيه المبالغ الوفيرة، ولا تضنوا عليه بشيء؛ لأن محاربة الجهل والفسوق واجبة وجوب محاربة اليهود، ولأن ما تدفعونه تشترون به أدمغة وعقولاً وعبقريات. ولعل في أُجَراء الخبازين، وصبيان اللحامين، وأولاد الأزقة المتشردين (الذين سيكونون لصوصاً مجرمين أو يكونون شحاذين) مَن لو تعلم لكان عبقرياً في الأدب، أو نابغة في العلم، أو واقعة في السياسة، ولأكسب أمته مجداً لا يقوّم بثمن، ولأكسبها -مع هذا المجد- قوة ومالاً.
واعملوا على رد الناس إلى الدين، فإنه لا يدفع هذه الشرور، ولا يدرأ هذه المفاسد، ولا يمنع هذا الفساد إلا الدين.
إن الذي يخاف القانون وحده، يخافه ما بقي الشرطي واقفاً، فإن ذهب الشرطي رتع الرجل. فهل تستطيعون أن تقيموا على كل رجل شرطياً يراقبه؟ وإذا كان الشرطي نفسه يحتاج هو أيضاً إلى مراقب؟ أما الذي يخاف الله فإنه يعلم أنه يراه دائماً، وأنه مطّلع عليه في سره وجهره وهو معه أينما كان، فيمنعه خوفه الله من أن يسرق أو يزني أو يظلم أحداً أو يعتدي على أحد. وها أنتم هؤلاء جربتم ترك الدين والبعد عنه والزهد فيه، فماذا وجدتم؟
أنا أقول لكم ماذا وجدتم!
هذه الدعارة التي انتشرت حتى شكا منها الطالح قبل الصالح والفاسق
قبل الناسك، وهذه السرقات، وهذه الجرائم، وإذا كنتم لا تدرون فادخلوا المحاكم، وخالطوا الناس وانظروا واسمعوا.
…
تقوية الجسوم بالصحة، وتنوير العقول بالعلم، وتهذيب النفوس بالدين
…
هذا هو الأساس في صرح الإصلاح.
***