الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثورة الإيمان
قرأت في برقيات أمس أن فرنسا قد عادت إلى طيشها وبطشها في الجزائر، وإلى بطولتها في اقتحام البيوت، وترويع النساء، واعتقال الأبرياء، وإيذاء المساكين
…
ففرحت وأيقنت بقرب الخلاص ودنو الفرج.
ذلك لأن في أعماق نفوسنا -معشر العرب- بطولة عجيبة لا تظهرها إلا المحن الشداد، وكلما حاق بها الخطر صفا جوهرها وظهر معدنها. وهذه سورية سامها الفرنسيون الخسف بعد ميسلون، وحملوها على المكروه، فأرت الدنيا من البطولة والبذل ما سارت به البرد واهتزت الأسلاك، وكان حديث أهل الأرض يوم قمنا على فرنسا القوية المظفرة التي انتصرت على الألمان، ووقف لها عند جسر تورا حارس عامي منا اسمه حسن الخراط، فلم تستطع فرنسا بعددها وعتادها، ومدافعها ودباباتها، أن تجتاز النهر الذي عرضه خمسة أمتار إلا بعد ثلاثة عشر شهراً.
وما انفكت سوريا كلما أخمد الظلم بحديده وناره ثورة لها أشعل الإيمان أخرى. ما كلّت ولا ملّت ولا وَنَت، حتى جلا عنها آخر جندي فرنسي، وعاد لها حقها في الحرية والاستقلال.
وهذه الجزائر لا تزال تناضل وتصاول كأنما لم تحكمها فرنسا ولم تدأب أكثر من مئة سنة تسخر ذكاءها وعلمها وقوتها وحمقها لتقتل فيها
روح النضال، وتمحو من نفوسها حب الاستقلال. وستظل تجاهد حتى تنعم بالجلاء كما نعمت به ديار الشام، الجلاء الذي دفعنا ثمنه من دمائنا التي أرقناها على أرض هذا الوطن، ومهجنا التي بذلناها، وأموالنا التي أنفقناها، ونلناه بتضحيتنا وبطولاتنا، لا بفضل الإنكليز. إننا والإنكليز كقوم أنشؤوا عمارة وضعوا فيها جهدهم ومالهم، فلما قارب البناء الكمال، ولم يبق إلا حجر واحد، جاء رجل فوضع الحجر وقال: أنا أنشأت العمارة كلها! كلا، لا بفضل فئة منا، بل بفضل الله وعمل هذا الشعب.
أبشروا، فستستقل الجزائر ويتحرر المغرب كله، وتستنقذ فلسطين، وننجو من إنكلترا وأختها كما نجونا من فرنسا. وإن كان الإنكليز أشرّ وأدهى، لأن الفرنسيين بحمقهم وطيشهم يأتون كالثور الهائج فتغلق دونه الباب أو تستعد له، وهؤلاء يجيئون كالحية الناعمة المزخرفة التي تدخل من تحت اللحاف فتلدغك وأنت نائم.
كلهم عزرائيل، ولكن أولئك يهجمون بالسيف وهم يسبون ويشتمون، وهؤلاء يقتلون بالسم يقدم في قطعة شكلاتة. والله المستعان عليهم جميعاً.
***