الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرحباً بالغارات
حدثني الأخ السيد عمر الحكيم، الأستاذ في كلية الآداب (وقد كان في ألمانيا أواخر الحرب الماضية، وفرّ منها مع ابنته قراراً يشبه خبرُه -على غرابته- الأساطير) قال:
"كانت تغير على برلين خمسة آلاف طيارة، تضربها ضرباً يزلزل الأرض، ويرج الجبال، حتى لكأن القيامة قد قامت، وجهنم قد فتحت أبوابها. فإذا فرغت أحمالها وصبّت رزاياها وانصرفت، سكتت مدافع الطيارات، وخرج الناس من الملاجئ، ودارت السيارات الحكومية تقرع الأجراس، ومعها صفائح كبيرة من الأخشاب والورق المقوى، ومسامير، فكل من هدم جداره، أو ضرب بيته، أخذ من هذه الصفائح، فجعل منها جداراً مكان الجدار الذي انهد، وبيتاً بدل البيت الذي سقط. فلا ينتهي من البناء حتى تعود الغارة ويعود الناس بعدها إلى العمل، ويتكرر ذلك مرات في اليوم
…
".
ونحن قد مرت بنا طيارة واحدة، ضربت الشام بخمس قنابل، فجزع الناس وفزعوا، وهرب منهم من هرب، فلم يعد يستطيع مقاماً.
فما الفرق بيننا وبينهم؟
أنحن مخلوقون من الطين وهم مصبوبون صب الحديد؟ لا. ولكنها العادة، والمران، ومكابدة الأهوال، وممارسة الخطوب. وأنا أتمنى -والله- (وإن كره بعض القراء) أن تتوالى علينا الغارات، وأن نذوق لذع الحرب، ونكوى بنارها، ولو كان في ذلك خراب دور من دورنا، وقتل ناس من أهلنا.
إن الألمان ليسو أصفى منا جوهراً، ولا أطيب أصلاً، ولا أقوى أعصاباً، ولكن حياة الدعة والخمول والقعود عن الحروب كادت تفقد العرب أجمل سلائقهم وأحسن سجاياهم: الصبر والجلد واحتمال الشدائد ومقارعة العدا.
إن العرب اليوم سبعون مليوناً، والمسلمين أربعمئة مليون، وخير من هذه الـ «أربعمئة مليون» أولئك الأربعون الذين كانوا في دار الارقم؛ لأن أولئك عاشوا للجهاد والدعوة، ففتحوا الدنيا، وشادوا المجد الذي نطح النجم، وزحم الدهر، ونحن عشنا للدعة والأمن واللذات فتركنا كلاب اليهود تفتح بلادنا.
اقرؤوا سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مَن كان سيد العرب، وخير البشر، تروها نضالاً مستمراً، وجهاداً في سبيل الله، ما استراح يوماً، ولا استسلم إلى الخفض واللين.
فافرحوا إن شمرت الحرب عن ساقها، ورحّبوا بالشدائد فإنها امتحان الرجال.
إن عشر غارات على دمشق، تنقيها من كل خوّار ضعيف، وتنفي عنها الجبناء المخانيث، كما تنفي النار النحاس عن الذهب الخالص.
إن عشرين مليون عربي، كلهم رجال، وكلهم أبطال، وكلهم مساعر
حرب، وأبطال جلاء، خير من هذه الملايين السبعين التي لا تصنع شيئاً.
فمرحباً بطيارات اليهود وأهلاً، إنها بداية الهوان لهم وبداية العز لنا!
حاشية: أما الكلام فيما يجب على الحكومة من التدريب والتوجيه والدعاية وإعداد وسائل الدفاع السلبي، فموعده كلمة الغد إن شاء الله.
***