الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ديننا واضح
ألقيت محاضرة في الأسبوع الذي مضى عنوانها «مع الدعوة الإسلامية في هذه الأربعين سنة الأخيرة» تكلمت فيها ساعتين ولم أبلغ نصفها. ولا أعيدها عليكم هنا، ولا تتسع هذه الدقائق الخمس لها. ولكن أعرض فقرة منها.
قلت إن الدعوة الإسلامية مرت في هذا السنين الأربعين بمراحل ثلاث: كنا في أوائلها نقرأ لقدماء الدعاة (كفريد وجدي ورشيد رضا) مقالات من الإسلام وأنه لا يظلم المرأة وأنه لا يدعو إلى التعصب المذموم؛ يدفعون عن الإسلام هجمات خصومه، ولكنهم ينظرون إلى الإسلام كأنه متهم أمام المحكمة، وكأنهم هم المحامون عنه.
ثم انتقلنا إلى المرحلة الثانية، فكنا نقرأ للكتاب الإسلاميين مقالات في ديموقراطية الإسلام، والوطنية في الإسلام، ثم في الاشتراكية في الإسلام. كأن من وظيفة الدعاة إلى الإسلام أن يجعلوه ثوباً مرقعاً، فكلما ظهر في الغرب مذهب سياسي أو اقتصادي، وفُتن الناس به، وأقبلوا عليه، فتشنا عن شبه بينه وبين الإسلام، ثم زعمنا أن الإسلام يقوم به ويقرّه.
ثم انتقلنا (أو انتقل الواعون من الدعاة) إلى المرحلة الثالثة؛ فأعلنوا أن الإسلام نظام كامل، يحل المشكلات كلها؛ السياسية منها والاجتماعية
والاقتصادية على طريقته وأسلوبه، ولا تستعصي فيه مشكلة على الحل، وليس عنده داء لا يجد له دواء. ولا يهمنا -بعد ذلك- إذا وافق مذاهب الخصوم أو وافقها، فلا نزداد إيماناً بصحة ديننا إذا وجدناه يقر بعض الجزئيات التي تشابه أمثالها في المذاهب السياسية أو الاقتصادية، ولا نشك في ديننا ولا يضعف به إيماننا إن خالف هذه المذاهب وسار في غير طريقها.
وديننا في الأصل دين ظاهر مكشوف، ليس فيه حجب ولا أستار، ولا خفايا ولا أسرار. إن دستورنا يُعلَن خمس مرات كل يوم من رؤوس المآذن: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة (وهو قانون النجاة في الآخرة)، حي على الفلاح (قانون النجاح في الدنيا). فهل رأيتم أو سمعتم بدولة أو حزب أو جماعة يعلَن قانونها الأساسي خمس مرات كل يوم على السطوح؟
لذلك نبين هنا كل شيء بوضوح؛ لا نبالي برضا من رضي وسخط من سخط. هذا هو ديننا، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ومن أسس ديننا التي أقرّها كتاب ربنا ونزل بها جبريل من فوق سبع سماوات على نبينا قوله تعالى:{إنّمَا المُؤْمِنونَ إخوة} . أخوّة عقدت عقدتها يد الله، فلن تحلها يد بشر. المؤمنون جميعاً إخوة؛ على اختلاف ألوانهم، وتباين لغاتهم، وتعدد هيئاتهم، وتنائي ديارهم.
أخوّة أقوى من أخوة النسب، ورابطة أمتن من رابطة الدم. فمن أنكرها أو شكّ فيها، أو أحلّ محلها أخوة غيرها فقال بأخوة الدم أو أخوة اللسان أو أخوة المذهب السياسي أو الاقتصادي، فقد دعا بدعوة الجاهلية وخالف القرآن، وصار -في حكم الشرع- مرتداً خارجاً عن الإسلام.
***