الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى وزير التربية والتعليم:
كلمة في القومية والدين
قرأت من أيام أن سيادة وزير التربية والتعليم جمع مديري المعارف وكلمهم، وتوعّد في آخر كلامه من لا يقول منهم بالقومية العربية ومن لا يدعو إليها.
وسيادة الوزير صديقي، ومن حقه عليّ أن أعاونه على ما هو فيه؛ فأدلّه على واحد لا يقول بالقومية، بل هو يحاربها وينفّر منها، واسم هذا الواحد: محمد بن عبد الله الهاشمي، من أهل مكة.
هل عرفته يا مولانا؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، الذي يقول:«ليس منا من دعا إلى عصبية» ، ويقول:«لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، إلا بالتقوى» .
وواحد آخر يقول بذلك؛ هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. إنه يقول، جل من قائل:{إنّمَا المُؤمِنونَ إخْوَة} . ما قال: إنما العرب، ولا: إنما الأكراد. ويقول: {إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} ، ما قال: إن أكرمكم عربكم ولا عجمكم.
فهل نسمع كلامك، أم كلام الله وكلام رسول الله؟
وما دعوة القومية الآن وقد تركها الناس؟
إنها «موضة» انصرف عنها أصحابها ومذهب خالفه أهله. إنها كانت «موضة» القرن التاسع عشر، وقد ذهبت بذهاب أهله، وصار يقسم العالم اليوم المذهب لا القومية. إن في العالم شيوعية وديموقراطية، تضم كل منهما من القوميات الكثير؛ تذوب فيها، وتكون تبعاً لها.
والإسلام جاء بمثل هذه الرابطة من ألف وأربعمئة سنة، فكان ذلك من جملة معجزات الإسلام.
وفرنسا وألمانيا، العدوان اللدودان، ومصدر الدعوة القومية ومظهرها في أيامها، تقاربتا وتصالحتا، وهما على أبواب الوحدة الأوربية والسوق المشتركة. ونحن ندعو إلى القوميات؟
إننا نعد ثياب الشتاء لنلبسها وقد ولى الشتاء وحل الربيع. إننا نتهيأ للذهاب إلى المحطة وقد سافر القطار. إننا لا نوافق الإسلام ولا نساير ركب الحضارة.
كلا يا سيدي. لا نؤمن بالقومية العربية، ولا الكردية، ولا التركية، ولا ندعو بأي دعوة عصبية جاهلية، ولكن نؤمن بالإسلام وأخوّة الإسلام.
ولا نستطيع أن ندخل جهنم ليرضى عنا هؤلاء الذين ناموا لمّا أدلج الناس، ثم جاؤوا متأخرين، يدّعون أنهم تقدميون وهم في الحقيقة رجعيون؛ يريدون أن نرجع إلى عهد القوميات بعدما ذهبت القوميات، وولى عهدها، وصارت خبراً من أخبار التاريخ.
كلا. إننا لا نسمع إلا كلام ربنا، وبيان نبينا، ولا نقول بما يخالف الإسلام
…
ولو غضب من غضب وثار من ثار: {وقُل الحَقُّ مِن ربِّكُمْ فَمَنْ
شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.
ولو كانت القومية تنجي عند الله أحداً لأنجت أبا لهب وأبا جهل. لا. ولكن أكرمكم عند الله أتقاكم، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
ألا إننا لا نعرف في قانوننا إلا الإسلام. ما حرمه حرمناه، وما أمر به فعلناه، وما سنّه اتبعناه. إن أنكر الإسلام القومية كفرنا بالقومية، وإذا أبى الاشتراكية نبذنا الاشتراكية، وإن قبّح الفن لعنّا الفن، وإن قال لنا الإسلام انبذوا الدنيا نبذنا الدنيا.
لا نخجل بإسلامنا، ولا نساوم فيه ولا نهادن. إن قالوا عن أحكام الإسلام رجعية قلنا نحن رجعيون، وإن دعوها عصبية قلنا نحن متعصبون. ومهما أطلقوا على الشر من أسماء الخير؛ فسموا الرذيلة رقياً، والفساد فنّاً، لم نرض بالشر. ومهما سموا الخير بأسماء الشر؛ فقالوا عن الفضيلة والحق والصلاح جمود أو رجعية، لم نترك الخير.
مسلمون، مسلمون. لا نداري ولا نداور ولا نحيد إن شاء الله عن طريق الإسلام.
***