الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الغيرة
إلى «زوج بائس» :
تسألني رأيي في الغيرة. أما الغيرة التي تمنع من مواقعة المحرمات، وكشف العورات، وتدفع إلى الاحتشام والتصون والعفاف، وتجعل الرجل ينكر من امرأته أن تتخذ من الأزياء ما لا يقر الشرع، ولا يألف البلد، أو تنزل إلى السوق فتكلم الرجال بلا ضرورة، فهذه هي الغيرة المحمودة التي يمدح بها الرجال، والتي وردت بها الآثار، وتواردت عليها الأفكار، حتى قالت العامة: الذي لا يغار حمار!
ومقياسها الشرع، فما أنكره الشرع أنكرناه، وما جوزه قبلناه. أما الغيرة التي تجعل الزوجة تظن الظنون كلما نطق زوجها باسم امرأة ولو كانت ليلى الأخيلية، تحسب أنه متيم في هواها، وأنه قتيل حبها، وتقيم القيامة إن وصف امرأة بجمال، أو نعت أنثى بحسن، تظن أنه مشغوف بها، عاشق لها، وتخسف الدار إن سمعت أنه قابل امرأة، ولو جاءته مشترية في الدكان، أو موكلة في المكتب، أو مريضة في العيادة، تظن أنهما ما اجتمعا إلا للخطبة
…
وأما الغيرة التي تجعل الرجل يجن جنونه إن غابت امرأته ساعة في زيارة والدتها أو عيادة جارتها، يستنطقها استنطاق المحكمة، ويحقق أمرها
تحقيق القاضي، يظن أنها ما غابت إلا لزيارة صديق، أو لقاء عشيق، ويطبق البيت على رأسها إن رأى في البيت صور مقطوعة من مجلة ويمضي الليل يبحث من أين جاءت؟ وكيف دخلت؟
فهي الغيرة المذمومة، غيرة الجاهلية، التي تنغص حياة الرجل، وتسود عيش المرأة، وتقلب البيت ناراً مسعرة، أو مارستان مجانين، ولا تنشأ إلا عن سوء الظن وضعف الثقة.
والمرأة إذا اطمأنت إلى دين زوجها وخلقه لم تحصِ عليه أنفاسه وتعد عليه كلماته. والرجل إذا وثق من عفاف امرأته ودينها وميلها إليه وتعلقها به لم يتبع خطاها ويرصد حركاتها. وقد رأيت -من تجربتي- أنه لا يغار هذه الغيرة من النساء والرجال إلا من كان في ماضيه من أهل الشر، أو كان مستعداً في طبعه للشر، أما المستقيم الصالح فلا يظن ذلك بغيره، لأنه لا يتمناه لنفسه.
على أن هذه الغيرة مرض يحتاج إلى علاج وليست جرماً يحتاج إلى عقاب.
هذا رأيي في «الغيرة» .
***