الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شجعوا الزواج
كادت تجمع الكلمة على أن العلاج لهذا الداء الفتاك الذي أصاب الأخلاف في هذا البلد هو الزواج.
ولكن طالب الزواج يلقى دونه عوائق تقطع طريقه عليه، وتمنع وصوله إليه. وأكثر هذه العوائق من صنع الآباء، وأقلها من عمل الحكومة.
أما الآباء فهم بإهمالهم تربية البنات، والقيام عليهن، وتنشئتهن على الكرامة والعزة والإيمان بالنفس، أولاً .. ثم بطلب المهر الضخم، والتقيد بهذه العادات السخيفة في الخطبة (الكتاب) والعرس والهدايا والجهاز، إنهم بهذا يمنعون البنت من دخول بيت الزوجية، ويدفعونها دفعاً (من غير قصد منهم) إلى ولوج أبواب الفساد. فالأب هو المسؤول الأول عن هذا الانهيار الأخلاقي الذي عرانا، وأنا ما فتئت -من أكثر من عشرين سنة- أدعو في خطبي ومقالاتي إلى تقليل المهر المعجل ترغيباً في الزواج وزيادة المهر المؤجل ترهيباً من الطلاق، وإلى التحرر من قيود هذه العادات التي لا معنى لها ولا جدوى منها إلا أنها تخرب بيت الخاطب وبيت المخطوبة وتدخل الفساد على موازنات خمسين أسرة تدعى نساؤهم إلى العرس فتُشترى له الثياب الجديدة الغالية التي لا يحتاج إليها لولاه. والناس جميعاً يرون في هذه الدعوة خيراً ونجاحاً ودرءاً لمفاسد كثيرة، ولكن كل واحد منهم يخاف
أن يكون البادئ بمصادمة العادة والخروج عليها. ولا بد من أن يفتح لهم البابَ رجلٌ له عقل وجرأة ووجاهة فيسير أمامهم ويمضون هم على أثره.
أما الحكومة فهي مسؤولة من وجوه: مسؤولة لأنها وضعت من سنين قليلة ضريبة على عقود الزواج لم تكن من قبل، فصار الناس يؤخرون الزواج خوفاً منها، أو يكتبون في العقد مهراً أقل من الحقيقة ليقللوا الضريبة، فيضيع بذلك حق المرأة وتنشأ مشكلات تشغل المحاكم وتزعج الناس.
ومسؤولة لأنها لم تفكر بوضع ضريبة على القادر على الزواج الممتنع عنه، ولم تقلل من راتب الموظف العزب لتزيد «التعويض العائلي» زيادة تشجع على الزواج وتكفي الموظف نفقات أسرته.
ومسؤولة عن هذا القانون الذي وضع للجرائم الأخلاقية أخف العقوبات، حتى أنه جعل جزاء الرجل الذي يزني بابنته أو بأخته شهرين! وجعل أكثر حوادث الزنا معفوة من العقاب. وقد أخذت هذا القانون من فرنسا ونسيت ما صنع بفرنسا في الحرب الماضية.
ومسؤولة عن تقصيرها في مكافحة البغاء السري مكافحة مستمرة في البيوت والشوارع والنوادي.
ومسؤولة لأنها لا تجرد هذا الجيش من المدرسين الذين يأخذون الرواتب من صندوق الإفتاء لوعظ الناس وحضهم على الزواج وتنفيرهم من الفسوق.
ومسؤولة لأنها تقيم العراقيل في طريق طالب الزواج من الجنود والشُّرَط والدرك من غير ضرورة، مع أن الزواج أوجب عليهم منه على غيرهم.
ومسؤولة لأنها لا تضع لمدارس البنات برامج خاصة، ولأنها أقرت هذا
الاختلاط المفاجئ في الجامعة ولم تراع وقع هذه الصدمة في أعصاب الفتيان والفتيات الذين لم يألفوا الاختلاط في بيوتهم ولا في مجامعهم.
فلتدفع الحكومة هذه «المسؤوليات» عن نفسها، ولتهتم بهذه المسألة الأخلاقية مثل اهتمامها المشكور بالمسألة الاقتصادية؛ فإن المال ليس أثمن من العرض. وماذا ينفع المال إن قل النسل وانتشرت الأمراض وفترت همم الشباب إلا في طلب اللذات وبلوغ الشهوات؟
***