الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نريد شباباً أعزّة
رأيت جنازة أمامها تلاميذ صغار، بعضهم يحمل أكاليل الزهر وبعضهم يقرع طبولاً معلقة بالأعناق، كل واحد منها أكبر من حاملها، أو ينفخ في أبواق ضخمة يعجز الرجل القوي عن النفخ فيها إلا أن يبذل جهده ويرهق نفسه ويهلك رئته، فسألت، فإذا هؤلاء تلاميذ مدرسة خيرية، وإذا هم أيتام تخرجهم المدرسة كلما مات ميت، وتنزع عنهم أسمالهم البالية لتلبسهم هذا الألبسة، وتجمع من ورائهم المال لمشروعها الخيري.
فتألمت -والله- لحالهم، وعجبت كيف يكون الشر سبيلاً إلى الخير، وكيف ينقلب الإصلاح إلى فساد، وكيف نعبث بجلال الموت بهذه الألاعيب: بالآس والزهر والطبل والزمر، وروعةُ الموكب في الصمت، وجلالُ الموت (كما قال شوقي) بالموت.
إن البر باليتامى أن نمسح عن قلوبهم أثر الأحزان، وننسيهم آلام اليتم ومذلة فقد الأب، وننشئهم على العزة والمسرة والكرامة والأمل، لا أن نريهم دائماً صور المآتم وأشباح الجنائز؛ فنذكرهم بمصابهم ويتمهم، وأن نكسر نفوسهم ونجعلهم (كلاليب جنازة
…
) وأن نفهمهم أن هذا هو عملهم الأول وأن الدرس عمل ثان؛ لذلك نعطل الدروس إن جاءت الجنازة، ونعلمهم الرياء؛ فنلبسهم هذه الحلل يوم الخروج ليحسب الناس أن هذا هو لباسهم،
وما لباسهم إلا الخرق والمزق وبالي الأسمال، وأن نشحذ عليهم كما تشحذ «عجوز القنوات» على الأولاد الذين تستأجرهم وتضجعهم أمامها على الأرض
…
إن هذه الجمعية الخيرية عزيزة عليّ، ولم أكن لأعلن نقدها لو كان أفاد معها النقد السري، وإني سأخشن لها القول إذا لم ينفع معها هذا الكلام اللين.
لأن الوطن يريد شباباً أعزة كراماً ملء نفوسهم الأمل، وقيد أبصارهم الحياة. لا يريد شباباً أذلة شحاذين يلحقون الجنائز ويعيشون بالموت!
***