الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم الافتراء والبهتان في القرآن والسنة
ذم الافتراء والبهتان في القرآن الكريم:
- قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ [العنكبوت: 68].
قال ابن كثير: (لا أحد أشد عقوبة ممن كذب على الله فقال: إن الله أوحى إليه شيء، ولم يوح إليه شيء. ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. وهكذا لا أحد أشد عقوبة ممن كذب بالحق لما جاءه، فالأول مفتر، والثاني مكذب؛ ولهذا قال: أليس في جهنم مثوى للكافرين)(1).
وقال الطبري: (يقول تعالى ذكره: ومن أظلم أيها الناس ممن اختلق على الله كذبا، فقالوا إذا فعلوا فاحشة: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها، والله لا يأمر بالفحشاء أو كذب بالحق لما جاءه)(2).
- وقال تعالى في من يفتري على الأنبياء: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا [الفرقان: 4].
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الكافرون بالله، الذين اتخذوا من دونه آلهة: ما هذا القرآن الذي جاءنا به محمد إلا إفك يعني: إلا كذب وبهتان افتراه واختلقه وتخرصه بقوله: وأعانه عليه قوم آخرون .. يقول: وأعان محمدا على هذا الإفك الذي افتراه يهود)(3).
وقال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار، في قولهم عن القرآن: إن هذا إلا إفك: أي: كذب، افتراه يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، وأعانه عليه قوم آخرون أي: واستعان على جمعه بقوم آخرين. قال الله تعالى: فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا أي: فقد افتروا هم قولا باطلا هم يعلمون أنه باطل، ويعرفون كذب أنفسهم فيما يزعمون)(4).
- وقال سبحانه فيمن ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58].
قال ابن كثير: (فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا وهذا هو البهت البين أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم)(5).
وقال الطبري: (فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا يقول: فقد احتملوا زورا وكذبا وفرية شنيعة، وبهتان: أفحش الكذب، وإثما مبينا يقول: وإثما يبين لسامعه أنه إثم وزور)(6).
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الممتحنة: 12].
(1)(([2859] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 295 - 296)
(2)
(([2860] ((تفسير جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (20/ 62 - 63)
(3)
(([2861] ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (19/ 237)
(4)
(([2862] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 93 - 94)
(5)
(([2863] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 480)
(6)
(([2864] ((تفسير جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (20/ 324)
قال السعدي: (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن والبهتان: الافتراء على الغير أي: لا يفترين بكل حالة، سواء تعلقت بهن وأزواجهن أو سواء تعلق ذلك بغيرهم)(1).
ذم الافتراء والبهتان في السنة النبوية:
- عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل)) (2).
قال العيني في شرحه للحديث: (قوله: الفرى .. جمع: فرية وهي الكذب والبهت
…
قوله: أن يدعي الرجل، أي: أن ينتسب إلى غير أبيه. قوله: أو يري عينه ما لم تر، حاصل المعنى: أن يدعي أن عينيه رأتا في المنام شيئا وما رأتاه،
…
فإن قلت: إن كذبه في المنام لا يزيد على كذبه في اليقظة، فلم زادت عقوبته؟ قلت: لأن الرؤيا جزء من النبوة والنبوة لا تكون إلا وحيا، والكاذب في الرؤيا يدعي أن الله أراه ما لم يره وأعطاه جزءا من النبوة ولم يعطه، والكاذب على الله أعظم فرية ممن كذب على غيره. قوله:(أو يقول)
…
(أو تقَوَّل)
…
ومعناه: افترى. قوله: (ما لم يقل)
…
أي: ما لم يقل الرسول. وفي الحديث: تشديد الكذب في هذه الأمور الثلاثة) (3).
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعظم الناس فرية اثنان: شاعر يهجو القبيلة بأسرها ورجل انتفى من أبيه)) (4).
قال المناوي: (أعظم الناس فرية بالكسر أي كذبا اثنان أحدهما شاعر يهجو من الهجو القبيلة المسلمة بأسرها أي كلها لإنسان واحد منهم كان ما يقتضيه لأن القبيلة لا تخلو من عبد صالح فهاجي الكل قد تورط في الكذب على التحقيق فلذلك قال أعظم فرية)(5).
قال السندي: (قوله: ورجل انتفى من أبيه أي: بأن نسب نفسه إلى غير أبيه (وزنى) بتشديد النون من التزنية، أي: نسبها إلى الزنا؛ لأن كونه ابنا للغير لا يكون إلا كذلك) (6).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)) (7).
قال النووي: (يقال بهته بفتح الهاء مخففة قلت فيه البهتان وهو الباطل والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه وهما حرامان)(8).
(1)(([2865] ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) للسعدي (ص 857)
(2)
(([2866] رواه البخاري (3509).
(3)
(([2867] انظر ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) لبدر الدين العيني (16/ 80) بتصرف يسير.
(4)
(([2868] رواه ابن ماجه (3044)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (1/ 13)، وابن حبان (13/ 102)(5785) واللفظ له، والبيهقي (10/ 241) (21659). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/ 238): إسناده صحيح، رجاله ثقات، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/ 555): إسناده حسن، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (1189)، وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه))، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1646): صحيح، رجاله رجال الصحيح، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق ((صحيح ابن حبان)): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(5)
(([2869] ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي (2/ 7).
(6)
(([2870] ((حاشية السندي على سنن ابن ماجة)) للسندي (2/ 411).
(7)
(([2871] رواه مسلم (2589).
(8)
(([2872] ((شرح مسلم)) للنووي (16/ 142).
- وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت المؤمن والفرار من الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق)) (1).
قال المناوي: (وبهت المؤمن أي قوله عليه ما لم يفعله حتى حيره في أمره وأدهشه يقال بهته كمنعه بهتا وبهتانا قال: عليه ما لم يفعل والبهتة الباطل الذي يتحير من بطلانه والكذب كالبهت بالضم ومقتضى تخصيص المؤمن أن الذمي ليس كذلك ويحتمل إلحاقه به وعليه إنما خص به المؤمن لأن بهته أشد)(2). وقال الشوكاني: (المراد ببهت المؤمن: أن يغتابه بما ليس فيه)(3).
- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، وحوله عصابة من أصحابه:((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه)) فبايعناه على ذلك (4).
قال البغوي: (معنى الحديث لا تبهتوا الناس افتراء واختلافا بما لم تعلموه منهم، فتجنوا عليهم من قبل أيديكم وأرجلكم، أي: قبل أنفسكم جناية تفضحونهم بها، وهم برآء، واليد والرجل كناية عن الذات)(5).
قال ابن الجوزي: (المراد بالبهتان هاهنا أربعة أقوال: أحدها: أنه الزنا، وافتراء المرأة بين يديها ورجليها، وهو ولد الزنا، لأنه يقع عند الوضع بين يديها ورجليها، فإذا ألحقته بزوجها فذلك البهتان المفترى. وقوله للرجال: (ولا يأتون ببهتان يفترونه) يحتمل شيئين: أحدهما: أن يكون بايع الرجال والنساء، فاجتمع الكل في النهي عن الزنا، وانفرد النساء بصيغة الافتراء بين أيديهن وأرجلهن. والثاني: أن يكون قرأ عليهم الآية ولم يسقط ما يتعلق بالنساء منها. والقول الثاني: أن المراد بالبهتان هاهنا قذف المحصنات والمحصنين، ويدخل في ذلك الكذب على الناس والاغتياب لهم، وإنما ذكرت الأيدي والأرجل لأن معظم أفعال الناس إنما تضاف منهم إلى الأيدي والأرجل، إذ كانت هي العوامل والحوامل، يقولون: لفلان عندي يد، والكناية باليد عن الذات، قاله أبو سليمان الخطابي. والقول الثالث: البهتان هاهنا المشي بالنميمة والسعي بالفساد. والرابع: أنهما السحر) (6).
أقوال السلف والعلماء في ذم الافتراء والبهتان:
- قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (البهتان: أن تقول ما ليس فيه) - أي أخيك - (7).
- وقال عبد الله بن مسعود: (الغيبة أن تذكر من أخيك شيئا تعلمه منه، فإذا ذكرته بما ليس فيه، فذلك البهتان)(8).
- وعن مسروق، قال قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:(ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية .. ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله، فقد أعظم على الله الفرية .. ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية .. )(9).
- وقال فضيل: (في آخر الزمان قوم بهاتون، عيابون، فاحذروهم، فإنهم أشرار الخلق، ليس في قلوبهم نور الإسلام، وهم أشرار، لا يرتفع لهم إلى الله عمل)(10).
- وعن قتادة، قال:(كنا نحدث أن الغيبة: أن تذكر أخاك بما يشينه ويعيبه، وأن تكذب عليه، فذلك البهتان)(11).
- وقال سهل بن عبد الله: (من سلم من الغيبة سلم من الزور، ومن سلم من الزور سلم من البهتان)(12).
(1)(([2873] رواه أحمد (2/ 361)(8722). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال السيوطي في ((الجامع الصغير)) (3964): حسن، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (9/ 132):[له شاهد]، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3247).
(2)
(([2874] ((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) للمناوي (3/ 458) برقم 3964
(3)
(([2875] ((نيل الأوطار)) للشوكاني (8/ 270)
(4)
(([2876] رواه البخاري (18) ومسلم (1709) واللفظ للبخاري.
(5)
(([2877] ((شرح السنة)) للبغوي (1/ 62)
(6)
(([2878] ((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) لابن الجوزي (2/ 79)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 65)
(7)
(([2879] رواه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (ص 136).
(8)
(([2880] رواه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (ص 137)، وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (6/ 70): إسناده رجاله ثقات موقوف. وله شاهد.
(9)
(([2881] رواه مسلم (177).
(10)
(([2882] ((التوبيخ والتنبيه)) لأبي الشيخ الأصبهاني (ص 96).
(11)
(([2883] ((التوبيخ والتنبيه)) لأبي الشيخ الأصبهاني (ص 106).
(12)
(([2884] ((شعب الإيمان)) للبيهقي (9/ 122) برقم 6364