الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب والحث على المحبة في القرآن والسنة
الترغيب والحث على المحبة من القرآن الكريم:
- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96].
(َقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا تَأْتِي الْمَحَبَّةُ مِنَ السَّمَاءِ.
قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا قَذَفَ حُبَّهُ فِي قُلُوبِ الْمَلائِكَةِ وَقَذَفَتْهُ الْمَلائِكَةُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا فَمِثْلُ ذَلِكَ، لا يَمْلِكُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ) (1).
(وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا قَالَ: حُبًّا (2).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، عَنْهُ: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا قَالَ: مَحَبَّةً فِي النَّاسِ فِي الدُّنْيَا (3).
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْهُ: يُحِبُّهُمْ ويُحببهم، يَعْنِي: إِلَى خَلْقِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (4).
وقال ابن عباس: (مَحَبَّةً فِي النَّاسِ فِي الدُّنْيَا)(5).
وقال مجاهد: (مَحَبَّةً فِي الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا)(6).
وقال مقاتل: (يقول يجعل محبتهم في قلوب المؤمنين فيحبونهم)(7).
- وقال سبحانه: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: 165].
قال التستري: (أي: يحبون الأنداد كحبهم الله عز وجل، فقد وصف الله تعالى شدة كفرهم وصدقهم في حال الكفر جهلاً، ووصف محبة المؤمنين وصدقهم في الإيمان بالله تعالى حقاً، ثم فضل المؤمنين بالمعرفة فقال: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. بمعرفتهم وسائر أسباب العبد المؤمن إلى الإقبال عليه وإقامة الذكر له، وتلك منزلة العارفين المحبين، إذ المحبة عطف من الله تعالى بخالصة الحق. فقيل له: ما علامة المحبة؟ قال: معانقة الطاعة ومباينة الفاقة)(8).
وقال البغوي: (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ أَيْ يُحِبُّونَ آلِهَتَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُحِبُّونَ الْأَصْنَامَ كَمَا يُحِبُّونَ اللَّهَ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوهَا مَعَ اللَّهِ فَسَوَّوْا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَوْثَانِهِمْ فِي الْمَحَبَّةِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ أَيْ أَثْبَتُ وَأَدُومُ عَلَى حُبِّهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَارُونَ عَلَى اللَّهِ مَا سِوَاهُ)(9).
وقال الماوردي: (قال تعالى: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ يعني أنهم مع عجز الأصنام يحبونهم كحب الله مع قدرته. وَالَّذِينَءَامَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ يعني من حب أهل الأوثان لأوثانهم ، ومعناه أن المخلصين لله تعالى هم المحبون حقاً)(10).
- وقال عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31].
(1) رواه يحيى بن سلام في ((تفسيره)) (1/ 248).
(2)
رواه الطبري في ((تفسيره)) (18/ 262).
(3)
رواه الطبري في ((تفسيره)) (18/ 261).
(4)
((تفسير ابن كثير)) (5/ 269).
(5)
رواه الطبري في ((تفسيره)) (18/ 261).
(6)
((جامع البيان)) للطبري (15/ 642).
(7)
((تفسير مقاتل بن سليمان)) (2/ 640).
(8)
((تفسير التستري)) (ص45).
(9)
((معالم التنزيل في تفسير القرآن)) للبغوي (1/ 178).
(10)
((النكت والعيون)) للماوردي (1/ 218).
قال ابن كثير: (أَيْ: يَحْصُلُ لَكُمْ فَوْقَ مَا طَلَبْتُمْ مِنْ مَحَبَّتِكُمْ إِيَّاهُ، وَهُوَ مَحَبَّتُهُ إِيَّاكُمْ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْعُلَمَاءِ: لَيْسَ الشَّأْنُ أَنْ تُحِبّ، إِنَّمَا الشَّأْنُ أَنْ تُحَبّ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللَّهَ فَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ)(1).
وقال الشوكاني: (وَقَدْ فُسِّرَتِ الْمَحَبَّةُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ بِإِرَادَةِ طَاعَتِهِ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: مَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ: طَاعَتُهُ لَهُمَا وَاتِّبَاعُهُ أَمْرَهُمَا، وَمَحَبَّةُ اللَّهِ لِلْعِبَادِ: إِنْعَامُهُ عَلَيْهِمْ بِالْغُفْرَانِ)(2).
وقال السعدي: (وهذه الآية فيها وجوب محبة الله، وعلاماتها، ونتيجتها، وثمراتها)(3).
- وقال جل في علاه: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه: 39].
قال الطبري: (عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: حُسْنًا وَمَلَاحَةً، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَلْقَى مَحَبَّتَهُ عَلَى مُوسَى، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي فَحَبَّبَهُ إِلَى آسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، حَتَّى تَبَنَّتْهُ وَغَذَّتْهُ وَرَبَّتْهُ، وَإِلَى فِرْعَوْنَ، حَتَّى كَفَّ عَنْهُ عَادِيَتَهُ وَشَرَّهُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي، لِأَنَّهُ حَبَّبَهُ إِلَى كُلِّ مَنْ رَآهُ. وَمَعْنَى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي حَبَّبْتُكَ إِلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِآخَرَ إِذَا أَحَبَّهُ: أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ رَحْمَتِي: أَيْ مَحَبَّتِي)(4).
وقال أيضاً: (قَالَ ابن عَبَّاسٌ: حَبَّبْتُكَ إِلَى عِبَادِي، وَقَالَ الصُّدَائِيُّ: حَبَّبْتُكَ إِلَى خَلْقِي وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَيْ حَسَّنْتُ خَلْقَكَ)(5).
وقال الشوكاني: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي أَيْ: أَلْقَى اللَّهُ عَلَى مُوسَى مَحَبَّةً كَائِنَةً مِنْهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا أَحبَّهُ وَقِيلَ: جَعَلَ عَلَيْهِ مَسْحَةً مِنْ جَمَالٍ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَحَبَّهُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْمَعْنَى وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ رَحْمَتِي، وَقِيلَ: كَلِمَةُ مِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَلْقَيْتُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَلْقَيْتُ مِنِّي عَلَيْكَ مَحَبَّةً، أَيْ: أَحْبَبْتُكَ، وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ أَحَبَّهُ النَّاسُ)(6).
و (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي قَالَ: كَانَ كُلُّ مَنْ رَآهُ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ مَحَبَّتُهُ (7). وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: حَبَّبْتُكَ إِلَى عِبَادِي) (8).
- وقال تعالى: وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا [مريم: 13].
قال مجاهد: (يَعْنِي تَعَطُّفًا مِنْ رَبِّهِ عَلَيْهِ)(9).
(1)((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 32).
(2)
((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 382).
(3)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/ 128).
(4)
((جامع البيان)) للطبري (16/ 58).
(5)
((جامع البيان)) للطبري (16/ 58).
(6)
((فتح القدير)) للشوكاني (3/ 431).
(7)
رواه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (7/ 2422).
(8)
((فتح القدير)) للشوكاني (3/ 433).
(9)
((تفسير مجاهد)) (ص454).
(وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَحَبَّةً عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَمَّا الْحَنَانُ فَالْمَحَبَّةُ)(1).
الترغيب والحث على المحبة من السنة النبوية:
- عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ)) (2).
(ومعنى الحديث: أن من استكمل الإيمان علم أن حق الرسول وفضله آكد عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، لأن بالرسول استنقذ الله أُمته من النار وهداهم من الضلال، فالمراد بهذا الحديث بذل النفس دونه صلى الله عليه وسلم (3).
قال ابن الجوزي: (اعْلَم أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْمحبَّة الْمحبَّة الشَّرْعِيَّة، فَإِنَّهُ يجب على الْمُسلمين أَن يقوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِأَنْفسِهِم وَأَوْلَادهمْ. وَلَيْسَ المُرَاد بِهَذَا الْمحبَّة الطبيعية، فَإِنَّهُم قد فروا عَنهُ فِي الْقِتَال وتركوه، وكل ذَلِك لإيثار حب النَّفس)(4).
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِي عليه السلام فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا، وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)) (5).
قال ابن بطال: (فدل هذا أن من أحب عبدًا في الله فإن الله جامع بينه وبينه في جنته ومدخله مدخلة وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله: (ولم يلحق بهم) يعني في العمل والمنزلة، وبيان هذا المعنى - والله أعلم - أنه لما كان المحب للصالحين وإنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبة عملا من أعمال القلوب واعتقادًا لها أثاب الله معتقدًا ذلك ثواب الصالحين إذ النية هي الأصل والعمل تابع لها، والله يوتي فضله من يشاء) (6).
وقال النووي: (فِيهِ فَضْلُ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ)(7).
قال العظيم أبادي: (يَعْنِي مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا بِالْإِخْلَاصِ يَكُونُ مِنْ زُمْرَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُمْ لِثُبُوتِ التَّقَارُبِ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَرُبَّمَا تُؤَدِّي تِلْكَ الْمَحَبَّةُ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى مَحَبَّةِ الصُّلَحَاءِ وَالْأَخْيَارِ رَجَاءَ اللَّحَاقِ بِهِمْ وَالْخَلَاصِ مِنَ النَّارِ)(8).
وقال السعدي: (هذا الحديث فيه: الحث على قوة محبة الرسل، واتباعهم بحسب مراتبهم، والتحذير من محبة ضدهم؛ فإن المحبة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه، ومناسبته لأخلاقه، واقتدائه به. فهي دليل على وجود ذلك. وهي أيضاً باعثة على ذلك)(9).
(1)((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 216).
(2)
رواه البخاري (14).
(3)
((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/ 66).
(4)
((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 231).
(5)
رواه البخاري (6169)، ومسلم (2640).
(6)
((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 333).
(7)
((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (16/ 186).
(8)
((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) للعظيم آبادي (14/ 25).
(9)
((بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار)) للسعدي (ص193).
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ((أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عز وجل، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ)) (1).
قال النووي: (فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُبِّ اللَّهِ تَعَالَى الْعَبْدَ)(2).
(في هذا الحديث: دليل على عظم فضل الحب في الله والتزاور فيه)(3).
- وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ:((يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) (4).
قال العظيم آبادي: ((أَخَذَ بِيَدِهِ) كَأَنَّهُ عَقَدُ مَحَبَّةٍ وَبَيْعَةُ مَوَدَّةٍ (وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ) لَامُهُ لِلِابْتِدَاءِ وَقِيلَ لِلْقَسَمِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ أَحَدًا يُسْتَحَبُّ لَهُ إِظْهَارُ الْمَحَبَّةِ لَهُ (فَقَالَ أُوصِيكَ يا معاذ لَا تَدَعَنَّ) إِذَا أَرَدْتَ ثَبَاتَ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ فَلَا تَتْرُكَنَّ (فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ عَقِبَهَا وَخَلْفَهَا أَوْ فِي آخِرِهَا) (5).
وقال ابن عثيمين: (وهذه منقبة عظيمة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه أن نبينا صلى الله عليه وسلم أقسم أنه يحبه والمحب لا يدخر لحبيبه إلا ما هو خير له)(6).
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)) (7).
قال النووي: (فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، مَعْنَاهُ: لَا يَكْمُلُ إِيمَانُكُمْ وَلَا يَصْلُحُ حَالُكُمْ فِي الْإِيمَانِ إِلَّا بِالتَّحَابِّ)(8).
وقال ابن عثيمين: (ففي هذا دليل على أن المحبة من كمال الإيمان، وأنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحب أخاه، وأن من أسباب المحبة أن يفشي الإنسان السلام بين إخوانه، أي يظهره ويعلنه، ويسلم على من لقيه من المؤمنين، سواء عرفه أو لم يعرفه، فإن هذا من أسباب المحبة، ولذلك إذا مر بك رجل وسلم عليك أحببته، وإذا أعرض؛ كرهته ولو كان أقرب الناس إليك)(9).
(1) رواه مسلم (2567).
(2)
((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (16/ 124).
(3)
((تطريز رياض الصالحين)) لفيصل المبارك (ص247).
(4)
رواه أبو داود (1522)، والنسائي (1303)، وأحمد (5/ 244) (22172). قال الحاكم (1/ 407): صحيح على شرط الشيخين. وصحح إسناده النووي في ((الخلاصة)) (1/ 468)،وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (7969).
(5)
((عون المعبود شرح سنن أبي داود)) للعظيم آبادي (4/ 269).
(6)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (5/ 502).
(7)
رواه مسلم (54).
(8)
((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (2/ 36).
(9)
((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/ 265).