الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم إفشاء السر والنهي عنه في القرآن والسنة
ذم إفشاء السر والنهي عنه في القرآن الكريم:
- قال تعالى: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَاّ قَلِيلاً [النساء: 83].
قال مقاتل: (أَذاعُوا بِهِ: يعني أفشوه)(1).
وقال القرطبي: (أذاعوا به: أفشوه وبثّوه في الناس)(2).
قال ابن عباس: (قوله أذاعوا به، قال: «أعلنوه وأفشوه»)(3).
- وقال سبحانه: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم: 3].
قال القاسمي: (أشار تعالى إلى غضبه لنبيّه، صلوات الله عليه، مما أتت به من إفشاء السرّ إلى صاحبتها، ومن مظاهرتهما على ما يقلق راحته، وأن ذلك ذنب تجب التوبة منه)(4).
قال القرطبي: (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ: فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها وأظهره عليه)(5).
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 27 - 28].
قال ابن كثير: (كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نهاكم أن تخونوا الله والرسول، كما صنع المنافقون)(6).
قال بعضهم: نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سرِّ المسلمين (7).
وقال المراغي: (أي ولا تخونوا أماناتكم فيما بين بعضكم وبعض من المعاملات المالية وغيرها حتى الشئون الأدبية والاجتماعية، فإفشاء السر خيانة محرمة)(8).
ذم إفشاء السر والنهي عنه في السنة النبوية:
- عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)) (9).
(1)((تفسير مقاتل بن سليمان)) (ص393).
(2)
((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) (7/ 252).
(3)
((جامع البيان عن تأويل آي القرآن)) للطبري (7/ 253).
(4)
((محاسن التأويل)) للقاسمي (9/ 274).
(5)
((تأويل البيان عن تأويل آي القرآن)) للطبري (23 - 91).
(6)
((تفسير القرآن العظيم)) (4/ 42).
(7)
((جامع البيان في تأويل آي القرآن)) للطبري (11/ 120).
(8)
((تفسير المراغي)) (9/ 139).
(9)
رواه مسلم (1437).
قال النووي: (في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) (1)، وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة؛ بأن ينكر عليه إعراضه عنها، أو تدعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك، فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم:((إني لأفعله أنا وهذه)) (2)، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة:((أعرستم الليلة)) (3). وقال لجابر: ((الكيس الكيس)) (4)، والله أعلم) (5).
وقال ابن الجوزي: (والمراد بالسر ها هنا: مَا يكون من عُيُوب الْبدن الْبَاطِنَة، وَذَاكَ كالأمانة فلزم كتمانه)(6).
وقال المناوي: (ثم ينشر سرها: أي يبث ما حقه أن يكتم من الجماع ومقدماته ولواحقه فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل)(7).
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا حدّث الرّجل الحديث ثم التفت فهي أمانةٌ)) (8).
قال الطحاوي: (أي: إنها أمانة ائتمن عليها المحدث ، فلم يجز له أن يخفر أمانته ويفشي سره; لأنه عسى أن يكون في ذلك ذهاب دمه أو ما سواه مما يفسد أحواله عليه)(9).
قال المباركفوري في شرحه: (فكأن المعنى: ليكن صاحب المجلس أميناً لما يسمعه أو يراه)(10).
ويؤكد هذا المعنى العظيم الحسن البصري بقوله: (إنما تُجالسون بالأمانة، كأنكم تظنون أن الخيانة ليست إلا في الدينار والدرهم، إن الخيانة أشد الخيانة أن يجالسنا الرجل، فنطمئن إلى جانبه، ثم ينطلق فيسعى بنا)(11).
وقال المناوي: (وفيه ذم إفشاء السر وعليه الإجماع وسبب إذاعته أن للإنسان قوتين آخذة ومعطية وكلاهما يتشرف إلى الفعل المختص به ولولا أنه تعالى وكل المعطية بإظهار ما عندها ما ظهرت الأسرار فكامل العقل كلما طلبت القوة الفعل قيدها ووزنها بالعقل)(12).
(1) رواه البخاري (6018)، ومسلم (47).
(2)
رواه مسلم (350).
(3)
رواه البخاري (5470) ومسلم (2144).
(4)
رواه البخاري (5245)، ومسلم (715).
(5)
((شرح مسلم للنووي)) (10/ 8).
(6)
((كشف المشكل من حديث الصحيحين)) (3/ 174).
(7)
((فيض القدير)) (2/ 538).
(8)
رواه أبو داود (4868)، والترمذي (1959)، وأحمد (3/ 379)(15104). وحسنه الترمذي، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (561)، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (486).
(9)
((شرح مشكل الآثار)) (9/ 13).
(10)
((تحفة الأحوذي)) (6/ 79).
(11)
رواه البخاري (6285)، ومسلم (2450) واللفظ للبخاري.
(12)
((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (1/ 90).
- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت:((إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعاً لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي، لا، والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحب، قال: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه - أو عن شماله - ثم سارها، فبكت بكاء شديداً، فلما رأى حزنها سارها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسر من بيننا، ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عما سارك، قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره، فلما توفي، قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق، لما أخبرتني، قالت: أما الآن، فنعم، فأخبرتني، قالت: أما حين سارني في الأمر الأول، فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقى الله، واصبري، فإني نعم السلف أنا لك، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي، سارني الثانية، قال يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة)) (1).
قال ابن بطال: (وفيه: أنه لا ينبغي إفشاء السر إذا كانت فيه مضرة على المسر، لأن فاطمة لو أخبرت نساء النبي ذلك الوقت بما أخبرها به النبي من قرب أجله لحزن لذلك حزناً شديداً، وكذلك لو أخبرتهن أنها سيدة نساء المؤمنين، لعظم ذلك عليهن، واشتد حزنهن، فلما أمنت ذلك فاطمة بعد موته أخبرت بذلك)(2).
وقال ابن حجر: (فيه جواز إفشاء السر إذا زال ما يترتب على إفشائه من المضرة لأن الأصل في السر الكتمان وإلا فما فائدته)(3).
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حين تأيمت حفصة، قال عمر: لقيت أبا بكر فقلت: ((إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني أبو بكر فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها)) (4).
قال ابن حجر: (وفيه أن من حلف لا يفشي سر فلان فأفشى فلان سر نفسه ثم تحدث به الحالف لا يحنث لأن صاحب السر هو الذي أفشاه فلم يكن الإفشاء من قبل الحالف وهذا بخلاف ما لو حدث واحد آخر بشيء واستحلفه ليكتمه فلقيه رجل فذكر له أن صاحب الحديث حدثه بمثل ما حدثه به فأظهر التعجب وقال ما ظننت أنه حدث بذلك غيري فإن هذا يحنث لأن تحليفه وقع على أنه يكتم أنه حدثه وقد أفشاه)(5).
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتجالس قوم إلا بالأمانة)) (6).
قال المناوي: (أي لا ينبغي إلا ذلك فلا يحل لأحدهم أن يفشي سر غيره)(7).
(1) رواه البخاري (6285)، ومسلم (2450).
(2)
((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 61).
(3)
((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 80).
(4)
رواه البخاري (5145).
(5)
((فتح الباري)) لابن حجر (9/ 178).
(6)
رواه أبو طاهر المخلص في ((المخلصيات)) (1/ 192)(210) من حديث مروان بن الحكم رحمه الله. وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (9944)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (7604).
(7)
((فيض القدير)) (6/ 443).