الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم الجبن في القرآن والسنة
ذم الجبن في القرآن الكريم:
ذم الله الجبن في كتابه بنهيه عباده المؤمنين عن الفرار في الجهاد في سبيل الله، قال ابن تيمية:(وما في القرآن من الحض على الجهاد والترغيب فيه وذم الناكلين عنه والتاركين له كله ذم للجبن)(1).
- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:16]
قال الشوكاني: (نهى الله المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم، وقد دب بعضهم إلى بعض للقتال، فظاهر هذه الآية العموم لكل المؤمنين في كل زمن، وعلى كل حال، إلا حالة التحرف والتحيز)(2).
- ووصف الله سبحانه المنافقين بأنهم جبناء وأنهم لا يصمدون أمام الحروب والمعارك فقال: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:19 - 20]
قوله: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ (بأبدانهم عند القتال، وبأموالهم عند النفقة فيه، فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم. فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نظر المغشي عليه مِنَ الْمَوْتِ من شدة الجبن، الذي خلع قلوبهم، والقلق الذي أذهلهم، وخوفًا من إجبارهم على ما يكرهون، من القتال.
فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ وصاروا في حال الأمن والطمأنينة، سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَة أي: خاطبوكم، وتكلموا معكم، بكلام حديد، ودعاوى غير صحيحة.
وحين تسمعهم، تظنهم أهل الشجاعة والإقدام، أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ الذي يراد منهم، وهذا شر ما في الإنسان، أن يكون شحيحًا بما أمر به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء الله، أو يدعو إلى سبيل الله) (3).
- ووصفهم بأنهم فرَّارون من المعارك فقال: وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا [الأحزاب:13].
ثم بين الله سبحانه وتعالى بأنَّ ما يفرون منه سيأتيهم لا محالة فقال: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب:16].
- وقال أيضاً في حقهم: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4]
(1)((الحسبة في الإسلام)) لابن تيمية (ص 102).
(2)
((فتح القدير)) للشوكاني (3/ 160).
(3)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (660).
وقال ابن تيمية: (قد بين الله في كتابه: أن ما يوجبه الجبن من الفرار هو من الكبائر الموجبة للنار، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:15 - 16]
فأخبر أن الذين يخافون العدو خوفاً منعهم من الجهاد منافقون فقال: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [الأنفال:56 - 57]) (1).
ذم الجبن في السنة النبوية:
- روى البخاري في صحيحه عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه بينما هو يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقفلة من حنين فعلقه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال ((اعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا، ولا جبانا)) (2).
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأبي طلحة: ((التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر، فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين
…
)) (3).
- وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه أنه قال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يتعوذ من خمس: من البخل، والجبن، وفتنة الصدر، وعذاب القبر، وسوء العمر)) (4).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع)) (5).
قال ابن القيم في شرحه للحديث: (هنا أمران أمر لفظي وأمر معنوي فأما اللفظي: فإنه وصف الشح بكونه هالعا والهالع صاحبه وأكثر ما يسمى هلوعا ولا يقال: هالع له فإنه لا يتعدى وفيه وجهان:
أحدهما ـ أنه على النسب كقولهم: ليل نائم وشر قائم ونهار صائم ويوم عاصف كله عند سيبويه على النسب أي ذو كذا.
والثاني ـ أن اللفظة غيرت عن بابها للازدواج مع خالع وله نظائر
(1)((قاعدة في الانغماس في العدو)) لابن تيمية (ص 40).
(2)
رواه البخاري (2821).
(3)
رواه البخاري (2891).
(4)
رواه أبو داود (1539)، والنسائي (8/ 267)، وابن ماجه (772)، وأحمد (1/ 22)(145)، وابن حبان (3/ 300)(1024)، والحاكم (1/ 712). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده الطبري في ((مسند عمر)) (2/ 573)، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 21) كما قال في المقدمة، وصححه العيني في ((عمدة القاري)) (8/ 211)، والسخاوي في ((البلدانيات)) (91)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (1/ 86).
(5)
رواه أبو داود (2511)، وأحمد (2/ 302)(7997)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7/ 424)(10831). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال البيهقي:[له متابعة]، وحسنه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (4881)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (15/ 164)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود))
وأما المعنوي: فإن الشح والجبن أردى صفتين في العبد ولا سيما إذا كان شحه هالعا أي ملولة في الهلع وجبنه خالعا أي قد خلع قلبه من مكانه فلا سماحة ولا شجاعة ولا نفع بماله ولا ببدنه كما يقال لا طعنة ولا جفنة ولا يطرد ولا يشرد بل قد قمعه وصغره وحقره ودساه الشح والخوف والطمع والفزع) (1).
- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أنسابكم هذه ليست بسباب على أحد، وإنما أنتم ولد آدم، طف الصاع، لم تملؤوه، ليس لأحد فضل إلا بالدين أو عمل صالح، حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا)) (2).
قال المناوي: (أي يكفيه من الشر والحرمان من الخير والبعد من منازل الأخيار ومقامات الأبرار كونه متصفا بذلك أو ببعضه)(3).
- وعن يعلى العامري رضي الله عنه قال: ((جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه وقال: إن الولد مبخلة مجبنة)) (4).
(أي: سبب لبخل الأب وجبنه ويحمل أبويه على البخل وكذلك على الجبن فإنه يتقاعد من الغزوات والسرايا بسبب حب الأولاد ويمسك ماله لهم)(5).
(1)((عدة الصابرين)) لابن القيم (ص275).
(2)
رواه أحمد (4/ 145)(17351)، والطبراني (17/ 295) (814). قال الهيثمي في ((ترغيب الترهيب)) (8/ 86): فيه ابن لهيعة وفيه لين وبقية رجاله وثقوا، وصححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2962).
(3)
((فيض القدير)) للمناوي (5/ 484).
(4)
رواه ابن ماجه (2972)، وأحمد (4/ 172)(17598)، والحاكم (3/ 179)، والبيهقي (10/ 202) (21385). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، قال الذهبي في ((المهذب)) (8/ 4210): إسناده قوي، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 57): رجاله ثقات، وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2150)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(5)
((شروح سنن ابن ماجه)) للسيوطي (2/ 1338).