الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم الإسراف والتبذير في القرآن والسنة
ذم الإسراف والتبذير في القرآن الكريم:
- قال تعالى: وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء: 6].
قال ابن كثير: (ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية إسرافا)(1).
وقال الماوردي: (يعني لا تأخذوها إسرافاً على غير ما أباح الله لكم ، وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح ، فربما كان في الإفراط ، وربما كان في التقصير ، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال أسرف إسرافاً ، وإذا كان في التقصير قيل سرف يسرف)(2).
- وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141].
قال الطبري: (السرف الذي نهى الله عنه في هذه الآية، مجاوزة القدر في العطية إلى ما يجحف برب المال)(3).
- وقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31].
(قال السدي: ولا تسرفوا، أي: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. قال الزجاج: على هذا إذا أعطى الإنسان كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئا فقد أسرف)(4).
وقال الماوردي: (فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: لا تسرفوا في التحريم ، قاله السدي. والثاني: معناه لا تأكلوا حراماً فإنه إسراف، قاله ابن زيد. والثالث: لا تسرفوا في أكل ما زاد على الشبع فإنه مضر)(5).
وقال السعدي: (فإن السرف يبغضه الله، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن الإسراف فيهما)(6).
- وقوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26 - 27].
قال ابن كثير: (أي: في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته؛ ولهذا قال: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا أي: جحودا؛ لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته؛ بل أقبل على معصيته ومخالفته)(7).
(1)((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (2/ 216).
(2)
((النكت والعيون)) لمجموعة مؤلفين (1/ 453).
(3)
((جامع البيان)) للطبري (9/ 614).
(4)
((معالم التنزيل)) للبغوي (2/ 164).
(5)
((النكت والعيون)) للطبري (2/ 218).
(6)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (287).
(7)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 69).
وقال القاسمي: (أي: أمثالهم في كفران نعمة المال بصرفه فيما لا ينبغي. وهذا غاية المذمة؛ لأن لا شر من الشيطان. أو هم إخوانهم أتباعهم في المصادقة والإطاعة. كما يطيع الصديق صديقه والتابع متبوعه، أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد. والجملة تعليل المنهي عنه عن التبذير، ببيان أنه يجعل صاحبه مقروناً معهم. وقوله: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً من تتمة التعليل. قال أبو السعود: أي: مبالغاً في كفران نعمته تعالى؛ لأن شأنه أن يصرف جميع ما أعطاه الله تعالى من القوى إلى غير ما خلقت له من أنواع المعاصي، والإفساد في الأرض، وإضلال الناس، وحملهم على الكفر بالله، وكفران نعمه الفائضة عليهم، وصرفها إلى غير ما أمر الله تعالى به. وتخصيص هذا الوصف بالذكر، من بين سائر أوصافه القبيحة؛ للإيذان بأن التبذير، الذي هو عبارة عن صرف نعم الله تعالى إلى غير مصرفها، من باب الكفران، المقابل للشكر الذي هو عبارة عن صرفها إلى ما خلقت هي له. والتعرض لوصف الربوبية؛ للإشعار بكامل عتِّوه. فإن كفران نعمة الرب، مع كون الربوبية من أقوى الدواعي إلى شكرها، غاية الكفران ونهاية الضلال والطغيان)(1).
- وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67].
قال ابن كثير: (أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا، كما قال: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا [الإسراء: 29])(2).
ذم الإسراف والتبذير في السنة النبوية:
- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف، أو مخيلة)) (3).
قال ابن حجر في الفتح: (ووجه الحصر في الإسراف والمخيلة أن الممنوع من تناوله أكلا ولبسا وغيرهما إما لمعنى فيه وهو مجاوزة الحد وهو الإسراف وإما للتعبد كالحرير إن لم تثبت علة النهي عنه وهو الراجح ومجاوزة الحد تتناول مخالفة ما ورد به الشرع فيدخل الحرام وقد يستلزم الإسراف الكبر وهو المخيلة قال الموفق عبد اللطيف البغدادي هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة فإن السرف في كل شيء يضر بالجسد ويضر بالمعيشة فيؤدي إلى الإتلاف ويضر بالنفس إذ كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال والمخيلة تضر بالنفس حيث تكسبها العجب وتضر بالآخرة حيث تكسب الإثم وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس)(4).
(1)((محاسن التأويل)) للقاسمي (6/ 456).
(2)
((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/ 124).
(3)
رواه ابن ماجه (3605) ورواه النسائي (2559) بدون لفظة (واشربوا). وحسنه ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (32) وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (6402)، والهيتمي في ((الزواجر)) (2/ 35)، وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (10/ 78): إسناده صحيح.
(4)
((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 253).
- وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه أنه قال: ((أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ذو مال كثير، وذو أهل وولد، وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق؟ وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك، فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق السائل، والجار، والمسكين، فقال: يا رسول الله، أقلل لي، قال: فآت ذا القربى حقه، والمسكين، وابن السبيل، ولا تبذر تبذيرا فقال: حسبي يا رسول الله، إذا أديت الزكاة إلى رسولك، فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا أديتها إلى رسولي، فقد برئت منها، فلك أجرها، وإثمها على من بدلها)) (1).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال)) (2).
قال النووي: (هذا الحديث دليل لمن يقول إن النهي لا يقتضي التحريم والمشهور أنه يقتضي التحريم وهو الأصح)(3).
قال العيني: (قوله: وإضاعة المال هو صرفه في غير ما ينبغي)(4).
وذكر القاري عن الطيبي قوله: (قيل: والتقسيم الحاصر فيه الحاوي بجميع أقسامه أن تقول: إن الذي يصرف إليه المال إما أن يكون واجبا كالنفقة والزكاة ونحوهما، فهذا لا ضياع فيه، وهكذا إن كان مندوبا إليه، وإما أن يكون مباحا ولا إشكال إلا في هذا القسم، إذ كثير من الأمور يعده بعض الناس من المباحات، وعند التحقيق ليس كذلك كتشييد الأبنية وتزيينها والإسراف في النفقة، والتوسع في لبس الثياب الناعمة والأطعمة الشهية اللذيذة، وأنت تعلم أن قساوة القلب وغلظ الطبع يتولد من لبس الرقاق، وأكل الرقاق، وسائر أنواع الارتفاق، ويدخل فيه تمويه الأواني والسقوف بالذهب والفضة، وسوء القيام على ما يملكه من الرقيق والدواب، حتى تضيع وتهلك، وقسمة ما لا ينتفع الشريك به كاللؤلؤة والسيف يكسران، وكذا احتمال الغبن الفاحش في البياعات، وإيتاء المال صاحبه وهو سفيه حقيق بالحجر، وهذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق الذي هو منبع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة)(5).
- وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم، قال:((كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثل)) (6).
- (قال النخعي: لا يلبس الكتان ولا الحلل ولكن ما يستر العورة ويأكل ما يسد الجوعة)(7).
(1) رواه أحمد (19/ 386) واللفظ له، والحاكم (3374)، قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/ 3): رجاله رجال الصحيح. وقال كذلك الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/ 66). وقال الوادعي في ((أحاديث معلة)) (41): رجاله رجال الصحيح، ولكن في تهذيب التهذيب أن رواية سعيد بن أبي هلال عن أنس مرسلة.
(2)
رواه البخاري (1477) رواه مسلم (1715) واللفظ له.
(3)
((شرح صحيح مسلم)) للنووي (12/ 14).
(4)
((عمدة القارئ)) للعيني (25/ 34).
(5)
((مرقاة المفاتيح)) للقاري (7/ 3082).
(6)
رواه أبوداود (2872)، والنسائي (3668)، وابن ماجه (2718) واللفظ للنسائي. والحديث حسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (3/ 339) كما ذكر في المقدمة، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (11/ 30)، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4497).
(7)
((عمدة القارئ)) للعيني (14/ 58).