الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم العجب والنهي عنه في القرآن والسنة
ذم العجب والنهي عنه من القرآن الكريم:
أما العجب في القرآن الكريم فقد وردت فيه عدة آيات تبين خطره، وتنبه على أنه آفة تجر وراءها آفات دنيوية وعقوبات أخروية، فمن تلك الآيات:
- قال الله تبارك وتعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة: 25].
(قال جعفر: استجلاب النصر في شيء واحد، وهو الذلة والافتقار والعجز
…
وحلول الخذلان بشيء واحد وهو العجب
…
) (1).
- وقال الله تبارك وتعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا [الكهف: 32 - 36].
قال ابن عاشور رحمه الله: (ضرب مثلا للفريقين للمشركين وللمؤمنين بمثل رجلين كان حال أحدهما معجبا مؤنقا وحال الآخر بخلاف ذلك فكانت عاقبة صاحب الحال المونقة تبابا وخسارة، وكانت عاقبة الآخر نجاحا، ليظهر للفريقين ما يجره الغرور والإعجاب والجبروت إلى صاحبه من الإرزاء، وما يلقاه المؤمن المتواضع العارف بسنن الله في العالم من التذكير والتدبر في العواقب فيكون معرضا للصلاح والنجاح)(2).
- وقال الله تبارك وتعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء: 37 - 38].
يقول العز بن عبد السلام: (زجره عن التطاول الذي لا يدرك به غرضاَ، أو يريد: كما أنك لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولاً فلذلك لا تبلغ ما تريده بكبرك وعجبك، إياساً له من بلوغ إرادته)(3).
- وقال الله تبارك وتعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان: 18]
قال الإمام بن كثير رحمه الله:
(لَا تُعْرِضْ بِوَجْهِكَ عَنِ النَّاسِ إِذَا كَلَّمْتَهُمْ أَوْ كَلَّمُوكَ، احْتِقَارًا مِنْكَ لَهُمْ وَاسْتِكْبَارًا عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَلِنْ جَانِبَكَ وَابْسُطْ وَجْهَكَ إِلَيْهِمْ
…
وقوله تعالى: ولا تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً أي خيلاء مُتَكَبِّرًا جَبَّارًا عَنِيدًا، لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ يُبْغِضُكَ اللَّهُ، وَلِهَذَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ أَيْ مُخْتَالٍ مُعْجَبٍ فِي نَفْسِهِ فَخُورٍ أَيْ عَلَى غَيْرِهِ)) (4).
- وقال الله تبارك وتعالى: فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 49].
ذم العجب والنهي عنه من السنة النبوية:
(1)((تفسير السلمي)) (1/ 272).
(2)
((التحرير والتنوير)) (15/ 315).
(3)
((تفسير العز بن عبد السلام)) (2/ 219).
(4)
((تفسير ابن كثير)) (6/ 339).
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جَمَّتَهُ إذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (1).
قال أبو العباس القرطبي: (يفيد هذا الحديث ترك الأمن من تعجيل المؤاخذة على الذنوب، وأن عجب المرء بنفسه وثوبه وهيئته حرام وكبيرة)(2).
- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل يتعاظم في نفسه ويختال في مشيته إلا لقي الله وهو عليه غضبان)) (3).
يقول المناوي في شرح هذا الحديث: ((مَا من رجل) أَي إنسان وَلَو أُنْثَى (يتعاظم فِي نَفسه يختال فِي مَشْيه) فِي غير الْحَرْب (إلا لقي الله تَعَالَى) يَوْم الْقِيَامَة أَو بِالْمَوْتِ (وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان) لأنه لَا يحب المستكبرين، وَمَا لِابْنِ آدم وللتعاظم وإنما أَوله نُطْفَة مذرة وَآخره جيفة قذرة وَهُوَ فِيمَا بَين ذَلِك يحمل الْعذرَة وَقد خلق فِي غَايَة الضعْف تستولي عَلَيْهِ الأمراض والعلل وتتضاه فِيهِ الطبائع فيهدم بَعْضهَا بَعْضًا فيمرض كرها وَيُرِيد أن يعلم الشيء فيجهله وأن ينسى الشيء فيذكره وَيكرهُ الشيء فينفعه ويشتهي الشيء فيضره معرض للآفات فِي كل وَقت ثمَّ آخِره الْمَوْت وَالْعرض لِلْحسابِ وَالْعِقَاب فإن كَانَ من أهل النَّار فالخنزير خير مِنْهُ فَمن أَيْن يَلِيق بِهِ التعاظم وَهُوَ عبد مَمْلُوك لَا يقدر على شيء) (4).
- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه العجب)) (5).
قال المناوي رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث: (لأن العاصي يعترف بنقصه فترجى له التوبة والمعجب مغرور بعمله فتوبته بعيدة)(6).
- وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة الشيخ الزاني والإمام الكذاب والعائل المزهو)) (7).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث منجيات وثلاث مهلكات فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية والقول بالحق في الرضى والسخط والقصد في الغنى والفقر. وأما المهلكات: فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن)) (8).
قال الملا علي القاري: ((وإعجاب المرء بنفسه) أي: باستحسان أعمالها وأحوالها أو مالها وجمالها وسائر ما يتوهم أنه من كمالها (وهي أشدهن) أي: أعظمهن وزرا وأكثرهن ضررا لأنه يتصور أن يتوب من متابعة الهوى، ومن رذيلة البخل، والمعجب مغرور ومزين فهو محبوب لا يرجى زواله كالمبتدع، فإنه قل أن يتوب من بدعته. وقال الطيبي: لأن المعجب بنفسه متبع هواه ومن هوى النفس الشح المطاع) (9).
(1) رواه البخاري (5789)، ومسلم (2088).
(2)
((طرح التثريب)) (8/ 169).
(3)
رواه أحمد (2/ 118)(5995)، والحاكم (1/ 128)(201)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (549). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 357): رواته محتج بهم في الصحيح. وصحح إسناده البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (7/ 373).
(4)
((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) (2/ 362).
(5)
رواه الشهاب القضاعي في ((مسنده)) (2/ 320)(1447)، والبزار كما في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 358)(4431). وجوّد إسناده المنذري، وحسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2921).
(6)
((فيض القدير شرح الجامع الصغير)) (5/ 422).
(7)
رواه البزار (6/ 493)(2529). وجوَّد إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 189)، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (6/ 255):رجاله رجال الصحيح غير العباس بن أبي طالب، وهو ثقة.
(8)
رواه البيهقي في ((الشعب)) (9/ 396). وحسنه الألباني بشواهده في ((تخريج المشكاة)) (5122).
(9)
((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (8/ 3199).