الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صور المروءة وآدابها
للمروءة آدابٌ كثيرة قل أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى؛ ولذلك فإن منازل الناس فيها تتباين تبعاً لما يُحصِّله الإنسان من آدابها ومراتبها.
قال صاحب عين الأدب والسياسة: إن (للمروءة وجوهاً وآداباً لا يحصرها عدد ولا حساب، وقلما اجتمعت شروطها قط في إنسان ولا اكتملت وجوهها في بشر فإن كان ففي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم دون سائرهم وأما الناس فيها فعلى مراتب بقدر ما أحرز كل واحد منهم من خصالها واحتوى عليها من خلالها)(1).
وقد وردت جُملةٌ من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءة، ومنها:
- أن يكون ذا أناةٍ وتؤدةٍ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة، كأن يُكثر الالتفات في الطريق، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حد الاعتدال.
- أن يكون متئداً في كلامه يرسل كلماته مفصلة ولا يخطف حروفها خطفاً حتى يكاد بعضها يدخل في بعض، بل يكون حسن البيان، واضح العبارة، بعيدا عن التكلف والتقعر، ينتقي أطايب الحديث كما ينتقي أطايب الثمر، وقد كتب عُمرُ بنُ الخَطَّاب رضي الله عنه إِلى أَبي موسى رضي الله عنه:(خُذِ النَّاس بِالعربِيَّة، فإِنه يَزِيد في العَقْلِ ويُثْبِتُ المُروءَةَ)(2).
- أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب أو دهشة الفرح، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السراء والضراء.
- أن يتحلّى بالصراحة والترفع عن المواربة والمجاملة والنفاق، فلا يُبدي لشخصٍ الصداقة وهو يحمل له العداوة، أو يشهد له باستقامة السيرة وهو يراه منحرفاً عن السبيل.
- ألا تطيش به الولاية والإمارة في زهو ولا ينزل به العزل في حسرة.
- ألَاّ يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعُدَّوه من سقطاته والمآخذ عليه، وقد رفع محمد بن عمران التيمي شأن هذا الأدب حتى جعله هو المروءة، فقال لما سئل عن المروءة: ألا تعمل في السر ما تستحي منه في العلانية.
- أن يتجنب القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها، فيكون تجنبه لها في السر والعلانية.
- أن يلاقي الناس بطلاقة وجه، ولسان رطب غير باحث عما تكنه صدورهم من مودة أو بغضاء ولكنه لا يستطيع أن يرافق ويعاشر إلا ودودا مخلصاً.
- أن يكون بخيلاً بوقته عن إطلاق لسانه في أعراض الناس والتقاط معايبهم أو اختلاق معايب لهم، فهو لا يرضى بأن يشغل وقته إلا بما تتقاضاه المروءة من حقوق، قال رجل لخالد بن صفوان: كان عبدة بن الطيب لا يحسن يهجو، فقال له: لا تقل ذلك فوالله ما تركه من عي ولكنه كان يترفع عن الهجاء، ويراه ضعة كما يرى تركه مروءة وشرفاً، وأنشد قول أبي الهيذام:
وأجرأ من رأيت بظهر غيب
…
على عيب الرجال ذوو العيوب
وربما اضطر ذو المروءة أن يدافع شر خصومه الكاشحين بذكر شيء من سقطاتهم ولكن المروءة تأبى له أن يختلق لهم عيباً يقذفهم به وهم منه براء، فإن الإخبار بغير الواقع يقوض صروح المروءة ولا يبقي لها عيناً ولا أثراً قال الأحنف: لا مروءة لكذوب، ولا سؤدد لبخيل.
كما أنه يحفظ لسانه عن أن يلفظ مثلما يلفظ أهل الخلاعة من سفه القول:
وحذار من سفه يشينك وصفه
…
إن السفاه بذي المروءة زاري
- أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعملٍ خفيف؛ فقد ورد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله: (ليس من المروءة استخدام الضيف).
- أن يسود في مجلسه الجد والحكمة وأن لا يلم في حديثه بالمزاح إلا إلماماً مؤنساً في أحوال نادرة قال الأحنف بن قيس: (كثرة المزاح تذهب المروءة).
(1)((عين الأدب والسياسة)) (ص132).
(2)
ذكره أبو منصور الأزهري في ((تهذيب اللغة)) (15/ 205).
- أن يُحسن الإصغاء لمن يُحدثه من الإخوان، فإن إقباله على محدثه بالإصغاء إليه يدل على ارتياحه لمُجالسته، وأُنسه بحديثه. وإلى هذا الأدب الجميل يُشير أبو تمام بقوله:
من لي بإنسانٍ إذا أغضبته
…
ورضيتُ كان الحِلم رد جوابه
وتراه يُصغي للحديث بقلبه
…
وبسمعه، ولعله أدرى به
- أن يحتمل ضيق العيش، ولا يبذل ماء حيائه وكرامته في السعي لما يجعل عيشه في سعة أو يديه في ثراء قال مهيار:
ونفس حرة لا يزدهيها
…
حلى الدنيا وزخرفها المعار
يبيت الحق أصدق حاجتيها
…
وكسب العز أطيب ما يمار
ألا يظهر الشكوى من حوادث الدهر إلا أن يتقاضى حقاً:
لا يفرحون إذا ما الدهر طاوعهم
…
يوماً بيسر ولا يشكون إن نكبوا
وقال عبد الله بن الزبير الأسدي في عمر بن عثمان بن عفان:
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه
…
ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
- أن يكون حافظاً لما يؤتمن عليه من أسرارٍ وأُمور لا ينبغي أن تظهر لأحدٍ غير صاحبها. وفي هذا المعنى يقول المتنبي:
كفتك المروءة ما تتقي
…
وأمّنك الود ما تحذر
يريد أنه ذو مروءة وذو المروءة لا يُفشي سراً اُؤتمن عليه.
- أن يحذر أن يؤذي شخصاً ما، وأشد ما يحذر أن يؤذي ذا مروءة مثله:
وأستحيي المروءة أن تراني
…
قتلت مناسبي جلداً وقهراً (1)
- أن يحرص على أن تطابق أقواله وأفعاله ما جرت عليه الأعراف والتقاليد الحسنة، والتي لا تخالف الشرع ولا تضاد الدين.
- أن يعامل الآخرين بما يحب أن يعاملوه به، وأن يحترمهم ولا يفضل نفسه عليهم في شيء.
(1)((المروءة ومظاهرها الصادقة)) لمحمد الخضر حسين بتصرف، نقلاً عن كتاب ((المروءة الغائبة)) لمحمد إبراهيم سليم (ص: 120 - 123).