الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب والحث على المروءة من القرآن والسنة
الترغيب والحث على المروءة من القرآن الكريم:
المروءة هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات، وهي رعيٌ لمساعي البر ورفع لدواعي الضر، وهي طهارة من جميع الأدناس والأرجاس، لذا فإن كل آية من كتاب الله تأمر بفضيلة من الفضائل أو تنهى عن رذيلة من الرذائل فهي تدل على سبيل المروءة وترشد إلى طريقها، ونحن هنا بصدد ذكر بعض الآيات التي تأمر بالتحلي بمحاسن الأخلاق والتزين بجميلها:
- قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 99]
قيل لسفيان بن عيينة رحمه الله: (قد استنبطت من القرآن كل شيء، فهل وجدت المروءة فيه؟ فقال: نعم، في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 99]، يقول: ففيه المروءة وحسن الأدب ومكارم الأخلاق، فجمع في قوله: خُذِ الْعَفْوَ صلة القاطعين والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين، وذلك في قوله: خُذِ الْعَفْوَ، ودخل في قوله: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار، ودخل في قوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الحض على التخلق بالحلم والإعراض عن أهل الظلم والتنزه عن منازعة السفهاء ومساواة الجهلة والأغبياء وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة).
- وقال الله تبارك وتعالى في صفات عباده الذين اتصفوا بأعلى صفات المروءة ووصلوا إلى غاياتها: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 63 - 76]
- وقال فيهم أيضاً شاهداً لهم بالفلاح: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون: 1 - 10]
- وقال أيضاً في وصفهم: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 7 – 9].
- وقال الله عز وجل: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 77].
قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى في هذه الآية: (فيها عين المروءة وحقيقتها)(1).
- وقال الله تبارك وتعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه ويعطيه دروساً في القيم ومعالم في المروءة: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 17 - ]
- وقال الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [النحل: 90 – 92]
وقد جعل الإمام سفيان الثوري رحمه الله المروءة مبنية على ركنين استمدهما من هذه الآية الكريمة، حيث سئل عن المروءة ما هي؟ فقال:(الإنصاف من نفسك، والتفضل لله تعالى: إن الله يأمر بالعدل، وهو الإنصاف، والإحسان، وهو التفضل، ولا يتم الأمر إلا بهما، ألا تراه لو أعطى جميع ما يملك، ولم ينصف من نفسه لم تكن له مروءة؛ لأنه لا يريد أن يعطي شيئا إلا أن يأخذ من صاحبه مثله، وليس مع هذا مروءة)(2).
فكل هذه الآيات وما سواها – وما أكثرها في كتاب الله تبارك وتعالى متضمنة لأصول المروءة وركائزها التي تبنى عليها، وإن كانت لا تدل على المروءة بحروفها.
الترغيب والحث على المروءة من السنة النبوية:
(1)((المروءة)) لمحمد بن خلف بن المرزبان (ص133).
(2)
((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (1/ 372).
وما قلناه في الآيات القرآنية نقوله أيضاً في الأحاديث النبوية، فكل الأحاديث التي تحث على حسن الخلق وجمال المعاشرة والبعد عما يدنس العرض ويقبح بالنفس ما هي إلا أدلة واضحة على التحلي بالمروءة والتخلق بها وسنسرد هنا طرفاً من هذه الأحاديث:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كرم المؤمن دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه)) (1).
- و ((قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم لله قالوا ليس عن هذا نسألك قال يوسف نبي الله بن نبي الله بن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) (2).
قال الإمام النووي: (ومعناه إن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس)(3).
- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله عز وجل كريم يحب الكرماء ويحب معالي الأمور، ويكره سفسافها)) (4).
- ومن ذلك حديث عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ في بدء الوحي والذي فيه قول خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ
…
الحديث (5).
- و (عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى إليّ وسادة حشوها ليف، فلم أقعد عليها، بقيت بيني وبينه)(6).
- و ((عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أيّ العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله. قلت: فأيّ الرّقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا، أو تصنع لأخرق. قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع النّاس من الشّرّ، فإنّها صدقة تصدّق بها على نفسك)) (7).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((السّاعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر، وكالصّائم لا يفطر)) (8).
- وعن سهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا وأشار بالسّبّابة والوسطى وفرّج بينهما شيئا)) (9).
(1) رواه أحمد (2/ 365)(8759)، وابن حبان (2/ 232)، والحاكم (1/ 212). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وله شاهد. وقال الذهبي:[فيه] مسلم يعني مسلم بن خالد الزنجي ضعيف وله شاهد. وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (4168).
(2)
رواه البخاري (3374)، ومسلم (2378).
(3)
((شرح النووي على مسلم)) (15/ 135).
(4)
رواه الحاكم (1/ 111)(151)، والطبراني في ((الكبير)) (6/ 181)(5928)، والبيهقي في ((الآداب)) (ص64). قال الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 188): رجاله ثقات. وصححه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (1771).
(5)
رواه البخاري (3).
(6)
رواه أحمد (2/ 96)(5710). وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 177): رجاله رجال الصحيح. وصحح إسناده أحمد شاكر في ((تخريج المسند)) (5710).
(7)
رواه البخاري (2518).
(8)
رواه البخاري (6007) ومسلم (2982).
(9)
رواه البخاري (5304).