الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم الخيانة والتحذير منها في القرىن والسنة
ذم الخيانة والتحذير منها في القرآن الكريم:
حذر الإسلام من الخيانة لأنها خصلة مذمومة ومقيتة تقطع أواصر المجتمع الإسلامي ولقد وردت الآيات التي تحذر من الخيانة بعدة سياق فمنها قوله تعالى:
- إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38].
قال ابن كثير: (وقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أي: لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال. والكفر: الجحد للنعم، فلا يعترف بها)(1).
- وقال سبحانه: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِينَ [الأنفال: 58]. (يقول تعالى ذكره: وإما تخافن يا محمد من عدو لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر. فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر. ِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الخَائِنِينَ الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد). (2).
- وقال عز من قائل: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء: 105 - 108].
قال السعدي: (قوله: وَلَا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا أي: لا تخاصم عن من عرفت خيانته، من مدع ما ليس له، أو منكر حقا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية)(3).
- وقال عز وجل: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10]
(1)((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 433).
(2)
((جامع البيان في تفسير القرآن)) للطبري (11/ 238 - 239).
(3)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 199).
قال ابن كثير في قوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا (أي: في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم، أن ذلك لا يجدي عنهم شيئًا ولا ينفعهم عند الله، إن لم يكن الإيمان حاصلا في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال: اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتها ليلا ونهارًا يؤاكلانهما ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط فَخَانَتَاهُمَا أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يُجْد ذلك كلَه شيئًا، ولا دفع عنهما محذورا؛ ولهذا قال: فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أي: لكفرهما، وَقِيلَ أي: للمرأتين: ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وليس المراد: فَخَانَتَاهُمَا في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء)(1).
- وقال سبحانه: قال مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 51 - 52].
قال السعدي في قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ (يحتمل أن مرادها بذلك زوجها أي: ليعلم أني حين أقررت أني راودت يوسف، أني لم أخنه بالغيب، أي: لم يجر مني إلا مجرد المراودة، ولم أفسد عليه فراشه، ويحتمل أن المراد بذلك ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الذي راودته، وأنه صادق أني لم أخنه في حال غيبته عني. وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ فإن كل خائن، لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره)(2).
ذم الخيانة والتحذير منها في السنة النبوية:
- عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) (3).
(1)((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 171).
(2)
((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 400).
(3)
رواه البخاري (34)، ورواه مسلم (58) بلفظ آخر.
قال ابن عثيمين في قوله: ((إذا اؤتمن خان)): (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه فمثلا إذا أعطي وديعة وقيل له خذها احفظها، دراهم أو ساعة أو قلم أو متاع أو غير ذلك يكون فيها يستعملها لنفسه أو يتركها فلا يحفظها في مكانها أو يظفر بها من يتسلط عليه ويأخذها، المهم أنه لا يؤدي الأمانة فيها، كذلك إذا اؤتمن على حديث سري وقيل له: لا تخبر أحدا ذهب يخبر، قال لي فلان قال لي فلان، وبعض الناس والعياذ بالله يبتلى بحب الظهور والشهرة، إذا ائتمنه أحد من ولاة الأمور أو من كبراء القوم ووجهائهم ذهب يتحدث؛ قال لي الأمير كذا؛ قال لي الوزير كذا؛ قال لي الشيخ كذا؛ يتجمل عند الناس بأنه ممن يحادثه الكبراء والشرفاء وهذه من خيانة الأمانة والعياذ بالله، ومن ذلك أيضا الأمانات في الولايات يكون الإنسان وليا على يتيم على ماله وحضانته وتربيته فلا يقوم بالواجب؛ يهمل ماله وربما يستقرضه لنفسه ولا يدري هل يستطيع الوفاء فيما بعد أم لا؟ ولا يقربه بالتي هي أحسن، هذا أيضًا من خيانة الأمانة، ومن ذلك أيضًا أن الإنسان لا يقوم بواجب التربية في أهله وأولاده وقد ائتمنه الله)(1).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة)) (2).
- وعن عمران بن حصين- رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) - قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن)) (3).
قال النووي: (معنى الجمع في قوله يخونون ولا يؤتمنون أنهم يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى معها ثقة بخلاف من خان حقيرا مرة فإنه لا يخرج به عن أن يكون مؤتمنا في بعض المواطن)(4).
- وعن أبي هريرة- رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:((من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، ومن أفتى بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على من أفتاه، ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه)) (5).
- وعن جابر- رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يلتمس عثراتهم)) (6).
قال ابن بطال: (فبين النبي عليه السلام، بهذا اللفظ المعنى الذي من أجله نهى عن أن يطرق أهله ليلا. فإن قيل: وكيف يكون طروقه أهله ليلا سببا لتخونهم؟ قيل: معنى ذلك، والله أعلم، أن طروقه إياهم ليلا هو وقت خلوة وانقطاع مراقبة الناس بعضهم بعضا، فكان ذلك سببا لسوء ظن أهله به، وكأنه إنما قصدهم ليلا ليجدهم على ريبة حين توخى وقت غرتهم وغفلتهم. ومعنى الحديث النهي عن التجسس على أهله، ولا تحمله غيرته على تهمتها إذا لم يأنس منها إلا الخير)(7).
(1)((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (6/ 164).
(2)
رواه أبو داود (1547)، والنسائي (8/ 263)، وابن ماجه (3354)، وأبو يعلى (11/ 297)(6412)، وابن حبان (3/ 304)(1029). والحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده النووي في ((تحقيق رياض الصالحين)) (472)، وقال محمد المناوي في ((تخريج أحاديث المصابيح)) (2/ 338): في إسناده محمد بن عجلان وخرج له مسلم ثلاثة عشر حديثاً كلها في الشواهد، وحسنه ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (3/ 169)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(3)
رواه البخاري (2651). ومسلم (2535) واللفظ للبخاري.
(4)
((عون المعبود)) (9/ 1875).
(5)
رواه أحمد (2/ 321)(8249)، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (259)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (11/ 80) (4296). قال المزي في ((تهذيب الكمال)) (14/ 355):[فيه] عمرو بن أبي نعيمة قال الدارقطني: مصري مجهول يترك وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (16/ 118)، وضعفه الألباني في ((ضعيف الأدب المفرد)) (41)، وضعف إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيق ((مسند أحمد)).
(6)
رواه مسلم (715).
(7)
((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (7/ 369).