الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم الحسد والنهي عنه في القرآن والسنة
ذم الحسد والنهي عنه في القرآن:
- قال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [سورة الفلق].
قال الرازي: (كما أن الشيطان هو النهاية في الأشخاص المذمومة، ولهذا السبب ختم الله مجامع الشرور الإنسانية بالحسد، وهو قوله: وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ كما ختم مجامع الخبائث الشيطانية بالوسوسة)(1).
وقال الحسين بن الفضل: (إنّ الله جمع الشرور في هذه الآية وختمها بالحسد ليعلم أنه أخسّ الطبائع)(2).
- وقال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة: 109]،
قال ابن عثيمين: (والآية تدل على تحريم الحسد؛ لأن مشابهة الكفار بأخلاقهم محرمة
…
والحاسد لا يزداد بحسده إلا ناراً تتلظى في جوفه؛ وكلما ازدادت نعمة الله على عباده ازداد حسرة؛ فهو مع كونه كارهاً لنعمة الله على هذا الغير مضاد لله في حكمه؛ لأنه يكره أن ينعم الله على هذا المحسود؛ ثم إن الحاسد أو الحسود. مهما أعطاه الله من نعمة لا يرى لله فضلاً فيها؛ لأنه لابد أن يرى في غيره نعمة أكثر مما أنعم الله به عليه، فيحتقر النعمة) (3).
وقال الثعالبي: (وقيل: إن هذه الآية تابعةٌ في المعنى لما تقدَّم من نَهْيِ اللَّه عز وجل عن متابعة أقوال اليهود في: راعِنا [البقرة: 104] وغيره، وأنهم لا يودُّون أن ينزل على المؤمنين خيْرٌ، ويودُّون أن يردوهم كفاراً من بعد ما تبيَّن لهم الحق، وهو نبوءة محمّد صلى الله عليه وسلم (4).
وقال محمد رشيد رضا: (وقال: (حسدا من عند أنفسهم) ليبين أن حسدهم لم يكن عن شبهة دينية أو غيره على حق يعتقدونه، وإنما هو خبث النفوس وفساد الأخلاق والجمود على الباطل، وإن ظهر لصاحبه الحق) (5).
- وقال سبحانه: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا [النساء: 54].
قال القرطبي: (وهذا هو الحسد بعينه الذي ذمه الله تعالى)(6).
وقال أبو السعود: (مفيدةٌ للانتقال من توبيخهم بما سبق إلى توبيخهم بالحسد الذي هو شر الرذائل وأقبحها لاسيما على ما هم بمعزل من استحقاقه)(7).
- وقال عز من قائل: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32).
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (والحسد مذموم وصاحبه مغموم وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب
…
ويقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض، فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل) (8).
وقال الزجاج: (قيل: لا ينْبغي أَن يتمنى الرجل مَالَ غيره ومنْزلَ غيره، فإِن ذلك هو الحسد)(9).
(1)((مفاتيح الغيب)) (1/ 226).
(2)
((الكشف والبيان)) للثعلبي (10/ 340).
(3)
((تفسير الفاتحة والبقرة)) (1/ 360).
(4)
((الجواهر الحسان)) (1/ 302).
(5)
((تفسير المنار)) (1/ 346).
(6)
((الجامع لأحكام القرآن)) (5/ 163) بتصرف يسير.
(7)
((إرشاد العقل السليم)) (2/ 190).
(8)
((الجامع لأحكام القرآن)) (5/ 250).
(9)
((معاني القرآن وإعرابه)) (2/ 45).
وقال الزحيلي: (نهى الله سبحانه المؤمنين عن التمني، لأن فيه تعلق البال ونسيان الأجل. والمراد النهي عن الحسد: وهو تمني زوال نعمة الغير، وصيرورتها إليه أو لا تصير إليه)(1).
ذم الحسد والنهي عنه من السنة النبوية:
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا)) (2).
قال ابن بطال: (وفيه: النهي عن الحسد على النعم، وقد نهى الله عباده المؤمنين عن أن يتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض وأمرهم أن يسألوه من فضله)(3).
وقال الباجي: (أن تنافس أخاك في الشيء حتى تحسده عليه فيجر ذلك إلى الطعن والعداوة فذلك الحسد)(4).
- وعن أبى هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)) (5).
قال القاري: قال: ("إياكم والحسد" أي: في مال أو جاه دنيوي، فإنه مذموم بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي (فإن الحسد) أي: باعتبار ما ينتج في حق المحسود من ارتكاب السيئات (يأكل الحسنات): أي يفني ويذهب طاعات الحاسد (كما تأكل النار الحطب). لأن الحسد يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود ونحوه، فيذهب حسناته في عرض ذلك المحسود، فيزيد المحسود نعمة على نعمة، والحاسد حسرة على حسرة، فهو كما قال تعالى: خسر الدنيا والآخرة [الحج:11]) (6).
وقال المناوي: ("فإن الحسد يأكل الحسنات": أي يذهبها ويحرقها ويمحو أثرها (كما تأكل النار الحطب) أي اليابس لأنه يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود وشتمه وقد يتلف ماله أو يسعى في سفك دمه وكل ذلك مظالم يقتص منها في الآخرة ويذهب في عوض ذلك حسنات فلا حجة فيه للمعتزلة الزاعمين أن المعاصي تحبط الطاعات) (7).
وقال العظيم آبادي: ("إياكم والحسد" أي احذروا الحسد في مال أو جاه دنيوي فإنه مذموم بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي (فإن الحسد يأكل الحسنات) أي يفني ويذهب طاعات الحاسد) (8).
- وعن قيس، قال: سمعت عبد الله بن مسعود، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) (9).
قال النووي: (قال العلماء الحسد قسمان حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة وإن كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما قوله صلى الله عليه وسلم آناء الليل والنهار أي ساعاته (10).
قال ابن الجوزي: وَقد ذمّ الْحَسَد على الْإِطْلَاق لما ينتجه ويوجبه
…
وأن المراد بالحديث نفي الحسد فحسب، فقوله:" لَا حسد " كلام تام، وهو نفي في معنى النهي. وقوله:" إِلَّا فِي اثنتين" استثناء ليس من الجنس) (11).
(1)((التفسير المنير)) (5/ 45).
(2)
رواه البخاري (6065)، ومسلم (2558).
(3)
((شرح صحيح البخاري)) (9/ 258).
(4)
((المنتقى شرح الموطأ)) (7/ 216).
(5)
رواه أبو داود (4903)، والبزار (15/ 115)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (9/ 10)(6184). وضعفه السيوطي في ((الجامع الصغير)) (2908)، الألباني في ((ضعيف الجامع)) (2197).
(6)
((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (8/ 3155).
(7)
((فيض القدير)) (3/ 125).
(8)
((عون المعبود)) (13/ 168).
(9)
رواه البخاري (73) ومسلم (316).
(10)
((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) (6/ 97).
(11)
((كشف المشكل)) (1/ 289).